أم وضاح

الباخرة تلحوين والهرم “ترباس”!!


{ لم اقرأ الخبر المهم الذي حملته الصفحة الأولى لهذه الصحيفة (أمس) بعنوان لصوص يمزقون سفينة التلحوين البريطانية الغارقة بـ”أبو طليح”، لم اقرأه من زاوية أنه خبر يدخل في حيز السرقة التي يعاقب عليها القانون الجنائي ولو كان الأمر مجرد سرقة لألواح من الحديد يعاقب من ارتكبها بالسجن لانتهى الأمر بالنسبة لي بالعقوبة واسترداد المسروقات، لكن الموضوع برمته يلخص سرقة تاريخ وسرقة إرث هو قطعة من لحم نضال الشعب السوداني الحي، والسفينة التي جاءت لإنقاذ “غردون” عند حصار “الخرطوم” لو قدر لها أن تصل في الوقت ما قبل الإطاحة برأس “غردون” لغير وصولها مجرى التاريخ، ولما انتصرت الثورة المهدية التي هي أم الثورات وأيقونتها التي جسدت نضال شعب بأكمله تمازج وتلاقح بكل مكوناته، فكانت الثورة المهدية، ومعنى هذا الحديث أن الباخرة (التلحوين) يفترض أنها أثر تاريخي وسياحي بالغ الأهمية يجد كامل الاهتمام وأقصى درجات التأمين التي تحافظ على وجوده وضمان بقائه، مش عشان خاطر عيون جذب السياحة وبس، والباخرة بكل القيمة التاريخية التي تحملها كانت ستكون محل اهتمام المؤرخين والباحثين والمستشرقين، لكن لأن بقاء هذا الأثر يعطي دلالات تاريخية لحقبة مهمة من تاريخ شعب انكتب بالدم، لكن الكلام ده أقوله لي منو؟؟ ومنو أصلاً البقدِّر قيمة وأثرية وثراء هذه الآثار التاريخية ووزارة الثقافة عندنا للأسف غير معنية بأمر الثقافة، وهي مجرد وزارة تحمل لافتة عريضة لشيء لا علاقة لها به، أما وزارة السياحة فكان الله في عونها وعند حكومتنا هي دائماً (العيشة البايتة) التي تمنح لأصحاب الحصة الأقل والكوتة الشوية، وبعد أن تقسم كيكة الوزارات المهمة، تكون هي الخيار الذي يتذيل القائمة وهم لا يدرون أن السياحة واحدة من أكبر مداخل العملة الحرة، بل إنها دعامة مهمة لاقتصاد بلاد كثيرة لا عندها زرع ولا عندها ضرع لكنهم ماكلين وشاربين وجنيهم أقوى من جنيهنا التعبان الكحيان الكلو يوم على اسوأ حال، بعدين من يجرؤ على لوم شخوص ظنوا أن السفينة الغارقة هي مجرد خردة لا قيمة لها ولا ثمن إلا الحديد الذي ينفع أكثر للسرائر والبنابر والدواليب، وليس هنالك من دلل أو أشار أو حتى نبه لأهميتها وما تعنيه قيمتها التاريخية التي لا تقدر بثمن، والمحزن أكثر أن الأهالي على حد ما جاء في الخبر أنهم قد أبلغوا السفارة البريطانية لتنقذ ما يمكن إنفاذه لكنهم (طنشوا) ولم يعطوا الأمر أهمية، وهذا طبيعي والإنجليز يعلمون أن لفت الأنظار لهذا الأثر يعني لفت الأنظار لخيبتهم وانكسارهم أمام الشموخ السوداني، لذلك هم حريصون على أن تغرق وتحول إلى أثر بعد عين، لكن شنو المسكت ناسنا وإصرارهم على ممارسة الإهمال واللا مبالاة تجاه الآثار السودانية وحجبها عن دائرة الضوء وهي تستحق ذلك، لذا أعتقد أن نهب (التلحوين) يعتبر أكبر فضيحة تتعرض لها الوزارات المعنية بالثقافة والسياحة، ولو كنت مكان وزيريها لقدمت استقالتي على الفور، وكلا الوزارتين لم تقدما حتى الآن مردوداً يدل على أن هناك حراكاً يدور داخل أروقتيهما، ولك الله يا بلد.
{ كلمة عزيزة
{ (أمس) ظهر الهرم “كمال الترباس” في أول حفل جماهيري له احتفالاً بعيد الأم والتقى بمحبيه ومعجبيه على مسرح صالة دينار، وأصدقكم القول إنني كنت أترقب طلوع “ترباس” على المسرح بكثير من الحذر والرجل يحيي حفله هذا بعد عملية أجراها في شرايين قلبه بـ”القاهرة”، لكن ولكأن الهرم كان يقرأ أفكاري وقال لي في سره (استني أوريك العجب)، و”ترباس” منذ أن صعد المسرح في تمام الثامنة والنصف ولم يغادره إلا الحادية عشرة تماماً، ظل يقدم فاصلاً من الطرب الأصيل لم يترك أغنية من أغنياته لم يغنها حتى كادت القاعة أن تنفجر من ضغط الطرب والشجن الرهيبين، “ترباس” كان شاباً بعمر العشرين (عيني باردة) أناقة ولباقة وحضوراً وسلطنة جعل من الفاصل الغنائي الطويل مباراة كان فيها هو المدرب والكابتن والهداف ليؤكد أنه قادر أن يقطع نفس أي صوت شاب يقف أمامه عاجزاً بنفس قصير، فلله درك أيها الهرم الفخيم الهمر وأنت تؤكد أنك سلطان السلاطين والفخيم الذي لا يمكن تجاوزه، بالمناسبة سألتني صديقة كانت تجلس بقربي قائلة إنتي “ترباس” ده عمل عملية لقلبه واللا لحباله الصوتية، عيني وعينها وعين السمعوك وشافوك أول أمس موية باردة.
كلمة أعز
{ إطلالة “ترباس” أمس الأول بهذه الفخامة محاضرة بالمجان لجيل الفنانين الشبان عنوانها كيف يستطيع الفنان الحقيقي أن يخلد نفسه في دواخل جمهوره وكيف يصنع لنفسه كاريزما من غير غرور، وجمال من غير أدوات تجميل زائفة، ورسوخ لا علاقة له بهشاشة المنتج وضعف المحتوى. نصيحتي للشباب اجعلوا من “ترباس” وأمثاله من الأساطير منارات تهتدون بها، والخلود ما بي بلاش.


تعليق واحد

  1. الله يهديه .. بعد العملية القلبية كان عليه مراجعة نفسه ومصاحبة المسجد بدل المسرح