الصادق الرزيقي

الخيار الصفري..


> هل تهرب قوى المعارضة المسلحة الحركة الشعبية والحركات المتمردة في دارفور، إلى الأمام بعد رفضها التوقيع على وثيقة الوساطة الإفريقية في الجولة الأخيرة التي انتهت هذا الأسبوع الماضي بعد توقيع الحكومة عليها، أم لهذه المجموعات خيارات أخرى ستلجأ إليها؟..
> فالواضح من تصريحات رئيس وفد الحركة الشعبية قطاع الشمال عقب نهاية الجولة، وتصريحات أخرى لقادة حركات دارفور، أن هناك فرص ضئيلة للغاية أمامهم للخروج من المأزق الذي دخلوا فيه بعدم التوقيع.. وليس أمامهم الكثير من السوانح ولا يوجد هامش للمناورة، خاصة بعد حديث السيد ثامبو أمبيكي رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوى التي تقود التفاوض، بأنها سترفع الأمر برمته إلى مجلس السلم والأمن الإفريقي ومجلس الأمن الدولي، وتوجد قرارات سابقة من المجلسين بشأن من يعمل على تعطيل العملية السلمية في السودان، بجانب ذلك فإن الوساطة لن تقبل تصريحات عرمان رئيس وفد الحركة الشعبية قطاع الشمال، المشككة في نزاهتها وحيدتها، وهي قد أعدت الوثيقة التي جاءت مستخلصة من جماع الجولات السابقة ونقاشات طويلة واجتماعات للآلية مع أطراف الأزمة السودانية كلها.
> ليس ثمة خيارات أمام قطاع الشمال وحركات دارفور، وليس هناك وقت كافٍ يمكِّن من تأليب القوى الغربية ضد الوساطة او الحكومة، فالاهتمامات الغربية خاصة الأوروبيين، انصبت وستنصب خلال الفترة القادمة في معالجة الأزمات الداخلية لأوروبا التي تلعق جراحها الآن بعد هجمات وتفجيرات بروكسل أول من أمس وستكون لها تداعيات انشغالات كثيرة ستحجب كل الأضواء والاهتمامات عما سواها. أما الولايات المتحدة الأمريكية، فستدخل خلال الأشهر القادمة في حمى السباق الرئاسي، ويبدو المشهد السياسي والانتخابي الأمريكي معقداً للغاية من ناحية التنافس والقضايا المطروحة وتعقيداتها، وهي بدورها لن تتيح مجالاً لسماع الأصوات المأزومة في هذا الجزء من إفريقيا، ولن تلقي بالاً لصرخات عرمان وجوقته المتمردة التي تقف إلى جانبه.
> في هذه الناحية -وحسب معلومات وتقارير دبلوماسية غربية- فإن الدوائر والجهات المختلفة سواء أكانت حكومات أم ناشطين ومنظمات في الغرب، لن تدعم وبلا ببنس واحد، لاستمرار الحرب والنزاع في السودان، لأن هذه الحرب الطويلة لم تحقق أية نتائج مرجوة منها، فهي لم تضعف النظام، وبالضرورة لن تكون سبباً في إسقاطه، ولم تشكَّل عنصر ضغط فعال على الحكومة السودانية لتقدم تنازلات كبيرة على طاولة التفاوض.
> فإذا كانت الظروف غير ملائمة لتصعيد سياسي وإعلامي مساند لقطاع الشمال وتوابعه من حركات دارفور، وبدورها الخزائن في الدول الغربية شبه فارغة أو غير مستعدة للدعم المالي والتسليحي، والحكومات الغربية غير متحمسة للضغط أكثر من ذي قبل على الحكومة السودانية أو حتى على الوساطة الإفريقية، فإنه يصبح من غير المعقول وفي هذا الوقت بالتحديد مد طوق النجاة لقطاع الشمال ومشايعيه وإخراجهم من غيابت الجب الذي وقعوا فيه بأنفسهم، خاصة أن بعض الحكومات الغربية ومن بينها الإدارة الأمريكية لا تنظر حتى اللحظة بعدم الرضى للوثيقة التي تم التوقيع عليها في أديس من قبل الحكومة والوساطة، بل أعلنت الإدارة الأمريكية دعمها للحوار الوطني.
> إزاء هذه المعطيات.. فهل سيكون خيار الحركة الشعبية قطاع الشمال هو مواصلة الحرب في ظل واقع مختلف يتعلق بدولة الجنوب وأوضاعها الداخلية المنهارة وعدم سيطرتها على كثير من المناطق مثل ولاية الوحدة ومناطق أعالي النيل الكبرى والتي كان يعبر من خلالها الدعم التسليحي وبقية الإمدادات المختلفة؟.. وهل ظروف دولة الجنوب نفسها في مواجهة ردة فعل السودان على دعمها للمتمردين السودانيين وعدم فكها الارتباط بهم، ستسمح لها بالمضي قُدماً في مساندة عرمان ومجموعته؟. في مقابل ذلك.. كانت حركات دارفور تمثل سنداً قوياً للحركة الشعبية قطاع الشمال في القتال بمنطاق جنوب كردفان والنيل الأزرق، عندما كانت لهذه الحركات قوات كبيرة في دولة جنوب السودان، فالحركات تمزقت وانهارت تماماً خاصة العدل والمساواة التي فقدت90% من قواتها في معركة «قوز دنقو» بجنوب دارفور وتفرقت أيدي سبأ، وفرت حركة مني أركو مناوي إلى ليبيا، وتضعضع الصف الداخلي لقطاع الشمال خاصة بعد تحركات الحكومة لصناعة السلام من الداخل، وأثر أبناء النوبة في المهجر الذين صار لهم صوتاً قوياً في أرجاء جنوب كردفان وفي الخارج.. فبهذا كله أليس الخيار الوحيد الذي تبقى لعرمان ومجموعته.. هو الخيار الصفري؟..