مقالات متنوعة

احمد يوسف التاي : كابوس.. اللهم اجعله خير


ثمة أمرٍ يثير دهشتي، وتلفُ حيرتُه كثيرين مثلي… تشابُه مُدهش في طريقتنا لإعداد ورش العمل، والسمنارات والمؤتمرات، ثم نهايات تصل حد التطابق… في مرحلة الإعداد للمؤتمرات وورش العمل ونحوهما نلاحظ حماساً منقطع النظير، وتحركات محمومة من قبل القائمين على أمرها، تراهم يواصلون الليل بالنهار، غادين ورائحين في حركة دؤوبة كما النحل، ويستمر هذا النشاط والحماس حتى إخراج التوصيات وما أن أصدر المؤتمر أو السمنار توصياته ذهبت الأخيرة أدراج الرياح، واُحكم إغلاقها في دواليب الوزارة، أو المؤسسة وانتهى الحماس والجدية وتلاشت الهمة، كأنما الغرض كله في عقد المؤتمر وصدور التوصيات فقط، والله لو أنهم يعملون بذات الحماس في التنفيذ لما بدا السودان يجثو على تلال من المشكلات.
في أحيان كثيرة يساورني إحساس قاتل بأن الغرض الأساسي للمؤتمرات وورش العمل (التكويش) على الحوافز وحسب، حيث لا أحد بعد ذلك يشغل نفسه بتنفيذ التوصيات التي تبدو قيِّمة وعلى درجة من العلمية، كيف لا وهم يحشدون لها العلماء والمختصين من ذوي الكفاءات العالية، ثم ينبذونها وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، وكذا الحال في الدراسات التي تجريها الوزارات والمؤسسات الحكومية والتي تصرف الدولة عليها ملايين الجنيهات ثم ينتهي الأمر بانتهاء الدراسة العلمية للمشكلة ولا أحد يتحمس للتنفيذ، ولكم قرأنا توصيات مُحكمة ومُصوبة نحو هدفها بدقة متناهية خرجت بها مؤتمرات وورش عمل على نحو علمي وعملي فكان مصيرها النسيان المتعمد والإهمال.
إذن هذه واحدة من مشكلاتنا الأساسية وهي جزء من الأزمة المتطاولة، هذه الظاهرة تحتمل تفسيرين: الأول كما سبقت الإشارة إليه وهو أن الهدف النهائي يبدو كأنما هو الحصول على الحوافز وتحديد المشكلة فقط… والثاني أن بعض المسؤولين في أحيانٍ كثيرة تطاردهم هواجس التنقلات والإعفاءات فتراه يُقدّم رجلاً ويُؤخر الأخرى في اتجاه تنفيذ التوصيات حتى لا يُحسب (الإنجاز) في حل المشكلة لـ (خلفه) القادم فيظل – والله أعلم – في حالة من التردد هل سيبقى في منصبه ليكمل (الإنجاز) أم أن آخر سيحل محله ويكمل المشوار ويُحسب على صعيد إنجازاته، أتمنى أن يكون هذا التفسير مجرد اجتهاد و(تخرصات) لا تمت الحقيقة بصلة..
عندما سيطر عليَّ هذا الشعور القاتل أوردت في باب “يوميات سياسي محترف”، سيناريو لنصائح دفع بها السيد(زنكلوني) إلى صديقه جاء فيها -على سبيل التندر-: (في منصبك دا خليك متحرّك شديد أصلو ما تنوم ساي على الحوافز والبدلات والمخصصات بتاعت المنصب الحكومي دا، كدي حتعيش فقير طول عمرك، لازم تعمل مبادرات لصالح ورقك زي تقوم كدى تعمل ليك مؤتمرات وورش عمل لـ (تطوير الأداء) مثلاً وأصلاً الأداء ما بتطور لكن زي نظام بند بتاع ماكلة، وتستقطب الدعم من الحكومة والمنظمات، وتقوم الميزانية البتجمعا تلبع تلاتة أرباعها، وتقوم تلم ليك شوية منظراتية يملو ليك الدواليب والأدراج كلها ورق، وإنتا من تقبض ميزانيتك تاني ما تشتغل بي كلامهم الفارغ دا بلا توصيات بلا بطيخ، وأصلاً في البلد دي ما في زول شغّال ليهو بي توصيات، أنا لمن سبتا الوزارة خليت ليهم كم مخزن مليان توصيات.. نعم هو مجرد سيناريو افتراضي لكنه يلامس الواقع في كثير من جوانبه ..