حوارات ولقاءات

من يرى أن (الشعبي) و(الوطني) شيء واحد فهو غير موضوعي فقد تفاصلنا في مفاهيم أساسية ..في حوار الصراحة حول مصير الشعبي بعد “الترابي” مع الأمين السياسي بالإنابة “يوسف لبس”22


{ لازالت المنظومة الخالفة غامضة.. هلا أوضحت لنا كنه هذا الكيان الجديد؟
– نحن في السودان منذ الاستقلال في تقلب مستمر بين حكم عسكري وحكم ديمقراطي غير راشد ما جعلنا في تناطح مستمر، لذلك هذه المنظومة الخالفة تسعى لطرح شكل جديد لجعل الشعب السوداني كله في بوتقة واحدة، يناقشوا قضاياهم بطريقة حرة ويقرروا ما يريدون، لذلك أسميناها (منظومة خالفة)، ولم نطرح لها أي مسمى ليختار لها الناس كلهم الاسم بعد التدافع إليها، والمنظومة تطرح رؤى مختلفة في شتى مناحي الحياة، ويمكن أن يضاف إليها أو يؤخذ منها. لو نظرنا للعالم نجد أن هناك كتلاً كبيرة، مثلاً في “أمريكا” تجد الحزب (الجمهوري) والحزب (الديمقراطي)، وفي “بريطانيا” حزب (العمال) وحزب (المحافظين)، وكل الدول المتقدمة بها كتل كبيرة، نحن هنا لدينا أكثر من (100) حزب، وأي حزب أو حركة تجد اسمها ينتهي إما بـ(الديمقراطية أو الإسلامية، أو الوطني)، ما دام كذلك فلماذا الاختلاف؟ هناك فهم قاصر في أن بعض الأشخاص يجتمعون لينشئوا حزباً أو حركة، نحن نريد من كل من يتفقون في البرنامج العام المعين أن يجتمعوا في وجهة واحدة، وبالمقابل يتجمع من يرفضون هذا البرنامج في كتلة أخرى، ونعمل ميثاق شرف بيننا حتى نخلف للأجيال من بعدنا دولة ونظم مستقرة.
{ إذن هل المنظومة الخالفة فكرة لدمج الأحزاب المتقاربة فكرياً وسياسياً مع بعضها؟
– ليس دمجها فقط، هي فكرة برنامج متكامل وليس دمج الأحزاب فقط، برنامج يلبي أشواق وأفكار كل الناس وطموحاتهم.
{ هل هذا البرنامج الخاص بالمنظومة الخالفة موجود ومكتوب؟
– نعم موجود.
{ هل هناك سقوف زمنية لطرحه على الجهات المستهدفة؟
– الأمانة العامة هي التي تحدد هذه السقوف الزمنية.
{ ما هي الجهات المستهدفة تحديداً؟
– الشعبي هو الذي اقترح هذا المشروع، ويطرح على كل الجهات في السودان، على أحزاب وكتل وطرق صوفية وجماعات إسلامية وعلى المجتمع، فهناك كثير من الناس غير منتمين ولا منظمين.
{ هل كان شيخ “الترابي” واضعاً سقفاً زمنياً محدداً لاكتمال إنشاء هذه المنظومة؟
– خلال الفترة الماضية كنا عاكفين على بناء الحزب وإعداد برنامج المنظومة، وبعدها تحدد الأمانة المواقيت الزمنية حسب ظروفها وظروف البلد.
{ لديكم مؤتمر الشهر المقبل هل ما زال قائماً؟
– نعم حتى الآن قائم وهو مؤتمر شورى ومخول له سلطات المؤتمر العام في بعض القضايا.
{ هل يمكن أن يتم خلاله انتخاب الأمين العام؟
– نعم ممكن.
{ هل حدثت أية توافقات وتشاورات بخصوص تحديد شخصية محددة لمنصب الأمين العام؟
– لا، هذا متروك للمؤتمر.
{ البعض يحاول تلخيص المنظومة الخالفة بأنها توحيد للإسلاميين.. هل توحيد الإسلاميين أولوية عندكم؟
– الإسلام حرم أشياء، ولكن هذه الأشياء يأتي ليبيحها في الاضطرار، الآن السودان مهدد بانقسامات ولا بد أن نتعظ من ما يحدث حولنا في العالم، نحن الآن في حاجة لإزالة هذه المهددات، بعدها أطروحة توحيد الإسلاميين وكل أهل القبلة هو المقصود، ونحن لدينا رأي حتى في هذه الحدود الجغرافية، ولكن التنفيذ يكون ممرحلاً.
{ إذن الوحدة بين (الشعبي) و(الوطني) ليست مطروحة كهدف؟
– لا ليست مطروحة كهدف، فالهدف هو وحدة البلد، وبعدها وحدة الإسلاميين، وهي لا تتمثل في وحدة (الوطني) و(الشعبي)، مثلاً الطرق الصوفية فيها أعداد من الناس ممتدة في كل السودان.
{ رغم سنوات المفاصلة ودخول الشعبي في تحالفات المعارضة لا زال كثير من قوى المعارضة واليسار خصوصاً يساوون بين جميع الإسلاميين ويعتبرون أن لا فرق بين الوطني والشعبي.. كيف تفسر هذا الأمر.. وهل هي معركة متجددة بين اليمين واليسار؟
– داخل المؤتمر الشعبي نفسه لا يمكن المساواة بين كل أفراده حتى في مفاهيم أساسية، لذلك أن تأتي جهة وتعتبر أن كل الإسلاميين شيء واحد، فهذه جهة لها هدف خلاف قول الحقيقة، لذلك غير منطقي القول بأن المؤتمر الشعبي والوطني شيء واحد، فالحزبان اختلفا في أطروحات كثيرة وأساسية وحدثت بينهما مفاصلة، لذلك لا يمكن أن يكونا شيئاً واحداً. إيماني بالحرية تعزز جداً بعد دخولي السجن، فربنا أعطى الجميع حرية المشيئة، ولكني وصلت لحقيقة أن اليسار لا يؤمن إطلاقاً بالحرية، يتحدثون عنها نظرياً، ولو نظرنا لتاريخهم نجد أنهم لا يؤمنون بالحرية، وحتى ما حدث في (أحداث سبتمبر) وحينها كان الشعبي جزءاً من المعارضة يؤكد أن أهل اليسار لا يؤمنون بالديمقراطية، هذا بخلاف ما يحدث في مصر وموقف اليسار منه يؤكد بأنهم لا علاقة لهم بالديمقراطية ولا يريدونها، وشعارات الحرية يطلقونها فقط كشعارات، يريدون الحرية لهم وليس لسواهم، هم أصلاً لا يؤمنون بالديمقراطية، لذلك أدعوهم أن يكونوا صادقين، وأن يتوافق ما يقولون مع ما يفعلون، وهذا يقلل من قيمتهم وقيمة ممارستهم.
{ برزت أصوات مؤخراً مقربة من المؤتمر الوطني تدعي أن المفاصلة التي حدثت بين الإسلاميين في 1999م كانت مجرد مسرحية.. كيف ترد على هذا؟
– كل من يقول هذا فهو غير موضوعي وغير منطقي، لماذا تقوم هذه المسرحية وندمر كل مكتسبات الحركة الإسلامية، وتتدهور كل مؤسسات الدولة ويحدث انفصال الجنوب وينتقل الاقتتال في بعض الجهات؟
وقبل المفاصلة كانت الدولة متماسكة وتمضي بسلاسة كبيرة وبإمكانات ذاتية.. إذاً ما هي الدواعي لهذه المسرحية؟ كل من يقول هذا غير موضوعي.
{ ما هو تفسيرك لخروج مثل هذه الأصوات المدعية لأن المفاصلة كانت مسرحية؟
– بعض من يرددون مثل هذه الأقوال وقفوا من قبل مواقف تشعرهم الآن بالإحراج، ويريدون أن يبرروا لما فعلوا بإدعاء أن المفاصلة كانت مسرحية، وأنهم كانوا جزءاً من إخراج هذه المسرحية، لكن يؤسفني القول إن هذا القول ساذج.
{ ما هو تفسيرك للبكائيات ومقالات الرثاء التي جاد بها بعض قادة الحكومة ومن خالفوا “الترابي” سابقاً؟
– قد يكون إحساساً بالذنب، ولكن الشعب السوداني بطبعه تظهر عواطفه عند الموت، وهناك أناس لديهم قناعة بموقف شيخ “حسن” عند المفاصلة، ولكن مفارقة الدولة كانت صعبة بالنسبة لهم، ورغم قناعاتهم بشيخ “حسن” وأن رأيهم فيه هو الذي يرددونه الآن إلا أن مفارقة السلطة كانت صعبة عليهم.. وأنا أحسب أن معظم من يبكون على شيخ “حسن” صادقين ودموعهم ليست دموع تماسيح كما قد يظن البعض.
{ “الترابي” بعد وفاته شأنه شأن حياته.. اختلف حوله الناس بين مادح وقادح.. كيف تتعاملون مع هذا الوضع؟
– شيخ “حسن” في حياته طلب مناقشة كل من يرون أنه ليس على حق، ولكنهم رفضوا أن يناظروه لأنهم يدركون تماماً أنهم لن يستطيعوا الوقوف أمامه وطرح نقد موضوعي لما يقول، لذلك ليس من الشهامة ولا الأخلاق ولا الرجولة السودانية أن يهاجموه بمجرد موته، هؤلاء يدعون الدين ولكنهم لا يفهمونه، يحفظون النصوص ولا يدركون مغزاها، السلف نتعظ بهم ونعتبر، ولكن لا نجمد عند كل ما قالوا، للأسف هؤلاء من تراهم الآن فهمهم قاصر جداً.. ميزة شيخ “حسن” أنه سابق لهؤلاء المتفيقهين بعشرات السنوات.
{ قد يبدو مؤسفاً أن رجلاً بقامة “الترابي” الفكرية وله كثير من التلاميذ في السودان تأتي المنافحة الفكرية عنه من مفكرين وباحثين من دول أخرى.. أين تلاميذه هنا؟
– أوافقك تماماً، نحن لدينا مشكلة أننا لا نقرأ، أنا في فترة السجن اطلعت على كتب وأفكار شيخ “حسن” بتمعن شديد جداً، مثل كتابه الإيمان وأثره في حياة الإنسان الذي كتبه قبل أربعين سنة، وكتاب النظم السلطانية، الذي كتبه في السجن مؤخراً، عملنا لها مدارسة في السجن، وأنا متأكد أن السودانيين لو كانوا يقرأون ويطلعون ويفهمون فإنهم لن يختلفوا مع شيخ “حسن”، لكن للأسف نحن لا نقرأ ثم نخرج لننتقد دون علم، لذلك ندعو خلال الفترة المقبلة لإحياء سنة القراءة والإطلاع والتدبر والتفكير من خلال مشروع مشابه لهيئة الأعمال الفكرية.
{ ما أعنيه أن تلاميذ الشيخ “الترابي” داخل الحركة الإسلامية وداخل الشعبي ليست لديهم المقدرة والشجاعة على الوقوف أمام الناس والمنافحة عن الرجل وأفكاره؟
– صحيح، نحن مشكلتنا أننا لا نقرأ ولا نكتب، وبهذه الطريقة لا يخرج مفكرون، لذلك يجب تغيير المنهج القائم والتوجه نحو الإطلاع والكتابة والتدبر.
{ قد يكون لـ”الترابي” خليفة سياسي.. ولكن ليس له خليفة فكري.. هل تتفق مع هذا الرأي؟
– قد يوجد خليفة فكري، لكن لن يكون بذات مستوى شيخ “حسن”، ولو ترجموا أفكاره لأرض الواقع يكون قدموا شيء كبير جداً.
{ هل تتفق معي أن الاهتمام بالجانب الفكري داخل المؤتمر الشعبي ضعيف؟
– صحيح أتفق معك، ولكن هذا بأسباب مقنعة فقد مر الشعبي بظروف صعبة وطارئة واستثنائية، والأوضاع الاستثنائية تجعل الاهتمام بالجوانب الفكرية ضعيفاً، ولكن هذا لا يعني أن الشعبي متجاهل للجوانب الفكرية، فالحزب به أمانة قائمة بذاتها أسمها (أمانة الفكر).
{ هل الآن يمكن إعادة المجموعات الفكرية التي خرجت من دار الحزب مثل (منبر أهل الرأي) الذي تحول الآن لمجموعة الإحياء والتجديد؟
– هم ليسوا بعيدين، ما حدث مجرد إجراءات إدارية وهم جزء من منظومة الحزب، وليس هناك ما يمنع أن يواصلوا مشوارهم بصورة مؤسسية.
{ هذا يدعو للسؤال حول إمكانية اختيار أمين عام للحزب من الأجيال الشابة في الحزب.. بعيداً عن الجيل الأول؟
– هذا متروك للمؤتمر، ليس هناك معيار بالعمر كبير أو صغير، ونحن في مرحلة الانتقال نحو المنظومة الخالفة التي نتحدث عنها الآن نحتاج لشيء من الحكمة، فرحيل شيخ “حسن” والحوار القائم والتوترات التي تعيشها البلد تحتاج لحكمة، ودائماً الكبير أكثر حكمة من الصغير بحكم تجربته، أنا شخصياً في هذه المرحلة أفضل اختيار الكبير، لكن المؤتمرين لهم الخيار.
{ هل تتوقع أن يفي الوطني بمخرجات الحوار؟
– نعم أتوقع ذلك، صحيح هناك البعض قد يحاولوا عرقلة الوفاء بمخرجات الحوار، ولكن كلها قضايا ذاتية لن تستمر، الآن واقع على عاتق الرئيس مسؤولية كبيرة جداً في إنفاذ مخرجات الحوار، أنا متفائل بذلك.
{ ما هو رأيكم في استفتاء دارفور؟
– أنا شخصياً أرى أن الوقت غير مناسب للاستفتاء، فالأوضاع الأمنية لا تسمح ونصف المتأثرين بالحرب خارج البلاد وربعهم بالمعسكرات، بجانب التكلفة المالية العالية، لذلك أرى أن هذا الاستفتاء لا قيمة له في هذا التوقيت، يبررون له بأنه استحقاق لاتفاقية الدوحة، ولكن هذه الاتفاقية لم تنفذ كل استحقاقاتها، والأهم أن هنالك حوار جار الآن يمكن أن يكون له رأي محدد في الشكل الإداري لدارفور، لذلك فالوقت غير مناسب إطلاقاً للاستفتاء.

حوار – عقيل أحمد ناعم

المجهر