مقالات متنوعة

محمد سيد احمد : مواصلة للنظر الشفيف في الجدل الأليف واللطيف والوليف حول أزمة الرغيف وأثرها المخيف الخفيف


> في الإفادة المتعمقة في تمعنها كالعادة، والتي أدلى بها لصحيفة «الأهرام اليوم» الصادرة بالخرطوم أمس الأول، لم يترك المعلم الماركسي المخضرم، والمثقف الوطني العريق د. عبدالله علي إبراهيم للحزب الشيوعي السوداني العتيد صفحة يتكئ عليها في وضعه المذري والمتردي الحالي، وذلك بدعوى أنه ضل الطريق الصحيح للوعي بالماركسية المعتّقة، او معرفتها والإلمام الصائب بها، وامتلاك القدرة والمقدرة المؤهلة للاستفادة منها في المساعدة المسعفة لتطبيقها وتجسيدها وتنزيلها على الواقع السوداني السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي والحضاري الإجمالي.
> وكما ورد في الإفادة المشار إليها، فقد أعرب د. عبدالله عن اعتقاده بأن الوضع الحالي للحزب الشيوعي السوداني العنيد لم يعد أكثر من كونه مجرد تعبير مفجع عن مجموعة او شزمة متحالفة لا يجمع بينها سوى مشاعرها المحبطة والساخطة على فشلها وإخفاقها في تحقيق الفلاح والنجاح الذي تسعى له مقارنة بالقوى الوطنية الأخرى الفاعلة والمتفاعلة بصورة مغايرة ومناقضة ومناهضة لهذا الحزب بصفة عامة، وفي مقدمتها وعلى صدارتها الحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة، التي لم تنجو بدورها من انتقادات شديدة الحدة وجهها لها د. عبدالله، وأعرب فيها عن اعتقاده أيضاً بأنها لم تعد قادرة على الاستمرار في العمل من أجل الذي تسعى له من جانبها او جهتها على الضفة الأخرى للمجرى على النحو الذي اختارته لنفسها في سياق الحراك العام للحركة الوطنية السودانية الفاشلة والمأزومة والمخفقة بكافة تياراتها كما يرى د. عبدالله، أو كما فهمنا من الإفادات المهمة والمتميزة التي ظل يعبر عنها على شاكلة متعمقة في تمعنها، وملفتة في الدعوة الى الانتباه لها، والإنفكاك منها، والانطلاق الى ارتياد آفاق جديدة ومسارات صائبة ونابعة من العبر والدروس المستخلصة من التجارب القاصرة والساذجة والعاجزة عن فتح الطرق المعبدة السالكة والصالحة للوصول الى الآمال المرجوة والمرغوبة والمنشودة والمطلوبة والممكنة والمستحقة للجماهير الكادحة والمكلومة بأسرها.
> وبينما ليس لديّ أية مخالفة لمثل هذه الرؤية المتعمقة في تمعنها للعبر المستخلصة والدروس المستفادة من التجربة المؤلمة سواء بالنسبة للحزب الشيوعي الماركسي وتيار اليسار الاشتراكي السوداني بكافة اتجاهاته، او في ما يتعلق بالحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة، او غيرها من القوى الوطنية العريقة والمخضرمة، إلاّ أنني في الحقيقة لديّ عاطفة مشفقة وحانية في تقديرها للجوانب الموجبة في الذي سعى له الحزب الشيوعي السوداني، وظل يتمادى في التفاني المخلص والمتجرد في العمل النضالي من أجله والتضحية في سبيله، وخاصة في ما يتعلق بالتعبير عن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الضنكة والصعبة والساحقة والظالمة والمحزنة والمؤسفة التي تعاني منها الجماهير الكادحة الى ربها كدحاً حتى تلاقيه.
> وكما هو معلوم فقد برع الحزب الشيوعي السوداني في الشعارات المبدعة والملهمة والمبتكرة التي ظل يرفعها للتعبير عن الهموم الضاغطة والمؤثرة بحدة وشدة بالغة الوطأة على القاعدة الشعبية التي يسعى لاستقطابها ومخاطبتها.
> ومن الشعارات المعبرة عن ذلك والمميزة للحزب الشيوعي السوداني، حتى في وضعه الحالي، المذري والمتردي، شعاره الذي يصف ما يجري على الصعيد الوطني في المستوى الاقتصادي بأنه يأتي ممثلاً للرأسمالية الطفيلية كما يحلو له وصمها في تصنيفها وتحديدها وتسميته لها، حيث يرى أن السلطة الوطنية التي يجب أن تحظى بالقدرة والقوة الشرعية المؤهلة للسيطرة على سدة مقاليد الحكم، ينبغي أن تكون هي تلك التي لا تسمح لمثل هذه الرأسمالية الطفيلية المتطفلة بالاستفادة منها، لأنها بطبعها إنما تنحاز لمصالحها الضيقة والمفسدة والمحدودة وغير المكترثة للمصلحة العامة للجماهير الكادحة وحقوقها المستحقة والمشروعة والتي يتوجب عدم إهدارها والتفريط فيها من قبل السلطة الشرعية الحاكمة إن كانت عادلة ومنصفة، وإلاّ فلا شرعية لها.
> وعلى العموم فقد جاء كل هذا وتتداعى في سياق العودة للمواصلة في الذي شرعنا في الطرق عليه والتطرق له في ما يتعلق بالنظر الشفيف للجدل اللطيف والأليف والوليف حول أزمة الرغيف والأثر المخيف والحفيف الذي نرى أنه يحيط بها على ضوء ما جرى ويجري بشأن معركة القمح والدقيق والطحن والطحين بين وزير المالية والتخطيط الاقتصادي الاتحادي السيد المحترم بدرالدين محمود من جهة، ورجل الأعمال المرموق السيد أسامة داؤود من موقعه القيادي والريادي لمجموعة شركات دال للاستثمار الوطني الخاص، بما فيها مطاحن سيقا التابعة لها، على الجهة والضفة الأخرى لمجرى الأوضاع الوطنية الراهنة والسارية والجارية بصورة مأزومة ومتأزمة.
> وكما ذكرنا، في سياق هذا الإطار للرؤية، فإن المعركة الدائرة المشار إليها يتم التعبير عن حراكها من قبل عدد من كبار الكُتَّاب المتميزين والمميزين في الصحف السياسية اليومية الصادرة بالخرطوم، وفي مقدمتهم وعلى صدارتهم كل من الكاتبين الكبيرين الزميلين محمد لطيف والطاهر ساتي.
> وتجدر الإشارة مجدداً، بناء على هذا، الى أن الرؤية التي يعّبر عنها الأستاذ الكبير الزميل محمد لطيف وتتبنّي الدفاع عن مجموعة شركات دال للاستثمار الوطني الخاص ومطاحن سيقا للغلال المملوكة لها، تقوم مستندة ومرتكزة على حقائق ماثلة وصارخة وشاخصة متمثلة في أن ما جرى ويجري في المعركة الدائرة قد أفض وأدى الى بروز مؤشرات واضحة وثابتة، لا يمكن ولا يجدي إنكارها وتجاهلها، في ما يتعلق بحدوث ووجود أزمة وضائقة صارت ضاغطة على الجماهير الكادحة، نتيجة لارتفاع تكلفة شراء رغيف الخبز وندرته ونقص أوزانه على مدى الفترة المنصرمة من الذي جرى ومازال يجري على النحو المشار إليه، مما يعني أن الحاجة أضحت ملحة للاعتراف بالقصور المذري في التقديرات المسبقة والمخفقة التي جرى ما يجري وفقاً لها من قبل السلطات الرسمية المعنية والمختصة وعلى رأسها السيد وزير المالية والتخطيط الاقتصادي الاتحادي.
> أما الأستاذ الكبير الزميل الطاهر ساتي، فإنه يتبني رؤية وليفة وأليفة في تأييدها ومساندتها للسيد الوزير بدعوى أنه لم يفعل سوى أنه سعى لوضع حد لسياسة احتكار استيراد القمح والدقيق التي كانت متبعة ومنتهجة من جانب الحكومة واستفادت منها مطاحن سيقا بصفة خاصة ما يري الزميل ساتي.. بيد أن السؤال الذي سيبقى مطروحاً ويفرض نفسه هو هل تم القضاء بالفعل على احتمال حدوث انفجار شعبي ساخط وعارم في تبرمه من الذي ترتب على ما جرى ومازال يجري، أم النار مازالت متقدة ولكن تحت الرماد؟ علينا أن ننتظر لنرى..