الصادق الرزيقي

موقف المهدي!!.. والإعلام والإرهاب


ليس هناك موقف يورد صاحبه مورد الهلاك السياسي، مثل موقف السيد الصادق المهدي، فقد دعته الوساطة الإفريقية للقاء التشاوري الاستراتيجي في أديس أبابا، واستعصم بموقف المجموعات المتمردة التي تحمل السلاح، وتأخر في اتخاذ الموقف المناسب ولم يوقع على الوثيقة المعدة من الآلية وخذل دونها، ثم لم يمض يومان حتى أصدر السيد الصادق بياناً أقبح من جريرة عدم التوقيع، تبنى فيه بالكامل مطالب وشروط قطاع الشمال في الحركة الشعبية في محاور التفاوض الثلاثة: الاتفاق لإنهاء الحرب ومرور الإغاثة ووقف إطلاق النار الشامل والنهائي، وبتبنيه لموقف المتمردين وحاملي السلاح ولغة البيان الفجة التي حوت جوانب ما كان لمثله أن يتعلق بحبالها، يكون الصادق المهدي قد حشر نفسه وحزبه في ركن ضيق، ولم تكن حساباته دقيقة، فالحوار الوطني وما تمخض عنه وما سيترتب عليه سيكون هو ركيزة العملية السياسية في البلاد والقاسم المشترك الأعظم بين الفاعلين السياسيين للخروج إلى الضفة الأخرى وتسوية الخلاف السياسي والمسلح.
وتعوز السيد الصادق باستمرار قدراته وحساباته وهو يحاول قراءة الواقع السياسي الداخلي المتغير والمتطور بسرعة كبيرة، ويركن المهدي إلى نصائح خائبة تصله من بعض من هم بالداخل وكثير من الدوائر الخارجية التي توهمه بأن السلطة في الخرطوم من ضعفها وهوانها تدنو من قبرها وتبحث عن حتفها بظلفها، وستكون نهايتها قاب قوسين أو أدنى.. ويصدق الصادق هذه الترهات وينسد ظهره وآماله عليها، فتخيب رجاءاته وتطول انتظاراته..
ولم نر حكومتنا طويلة صبر وتتمهل وتجد الذرائع وتحسن الظن، مثلما هي تتعاطى مع رئيس حزب الأمة القومي، فمع كل ما يفعله والتصاقه بالمتمردين والحركات الفاشلة، لم ينقطع عشم الحكومة فيه، ترسل له الوفود والرسائل وتجتمع به، ونفس الحكومة ممتئلة حتى ثمالتها بالأمل في صحوة السيد الصادق من أوهام المعارضة ورجعته السنية للخرطوم، ولا تدري الحكومة أن الرجل غارق حتى أذنيه في أحلام بائرة وباهتة لن تتحق، فقد سكب كل مائه انتظاراً لسراب قطاع الشمال وما تسمى الجبهة الثورية، ويمد كفيه في ضراعة للسحاب الخلب لتحالف إعلان باريس ونداء أديس، عسى أن تسقط على كفيه قطرات من ماء التغيير والسلطة التي ينتظرها على أحر من الجمر، وهو في خريف العمر لن تنفعه عباءة السلطة ولو طرزت له من أكسير الحياة!!
الإعلام والإرهاب
ليست هناك قضية تشغل العالم اليوم وخاصة منطقتنا العربية، تضاهي حوادث العنف والإرهاب وجماعاته وحروبه في أقطارنا الموبوءة به، وتمتلئ الفضائيات والمواقع الالكترونية والصحف والمجلات والإذاعات على طول الوطن العربي، ببرامج وأحاديث حول خطر الإرهاب وتمدد عملياته وتأثيرها على أوضاع المنطقة والعالم.
سارع اتحاد الصحافيين العرب، بعقد ندوة وحلق مدارسة وندوة مهمة في العاصمة الأردنية عمان، تحت عنوان «الإعلام والإرهاب» شارك فيها نقباء الصحافيين في البلدان العربية وأكاديميون وخبراء وإعلاميون وأساتذة جامعات وبرلمانيون، واحتضنت جامعة الزرقاء هذه الندوة خلال الفترة من «23 ــ 27» من هذا الشهر، وبذل الجميع جهداً وعصفاً ذهنياً جباراً في نقاش علمي دقيق حول دور الإعلام في مواجهة الإرهاب، ودور الإعلام التقليدي والإعلام الجديد في انتشار هذه الظاهرة والتعامل معها، وقيمة هذه الندوات أنها تقدم تحليلاً علمياً من واقع ما يجري، وتتعمق أكثر في كيفية تناول وسائط الإعلام ظاهرة الإرهاب والبحث عن السبل الكفيلة للحد من انتشارها ومن استخدام جماعات العنف والإرهاب وسائط الإعلام والإعلام الجديد أو البديل لتوسيع نطاقات عملها وتجنيد عناصرها.
وبات من المسلم به أن الإعلام بشكله التقليدي لا يستطيع مواجهة هذه الجائحة العالمية بكل تعقيداتها ووسائلها، فالفضاء الإعلامي بسبب الانفجار الهائل في مجال تكنولوجيا الاتصال وسقوط الكثير من المسلمات والقواطع المهنية في مجال العمل الإعلامي، لا يتيح البتة لوسائل الإعلام التقليدية مجاراة العالم الجديد الذي يحمل المضامين ومحتوى ظاهرة الإرهاب ويجاري دعايتها المبثوثة على مدار الساعة، فتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» استطاع أن ينتج منتجات إعلامية عبر شبكة الانترنت ذات جودة عالية وانتشرت كالنار في الهشيم لدى الجمهور المتلقي، وقبل ذلك فعلت تنظيمات كثيرة اخترقت المجال الدعائي الإعلامي العالمي وأربكت الإعلام التقليدي وصناع القرار السياسي، ولا توجد وسيلة سهلة ومضمونة النتائج للحد من هذه الاستخدامات الدعائية لصالح جماعات العنف والإرهاب ومحاصرتها.
ويقتضي الحال تطوير المفاهيم والأفكار في هذا المجال الخطير والبحث عن أطر وتصورات وتشريعات وتحدثيات تجعل طبيعة العمل الإعلامي مواكبة وموازية وقادرة على مخاطبة المتلقي وتشكيل ذهنه حيال هذه الظاهرة الخطيرة، ولا توجد تصميمات جاهزة للأفكار المطلوبة، لكن يوجد عزم وجدية في البحث عن مخرج يجعل الإعلام فرس الرهان في هذه المعركة.