د. ياسر محجوب الحسين

تفجيرات بروكسل.. من يدفع الثمن؟


هل تكفي رسائل الإدانة لتهدئة خواطر الأوروبيين المفجوعين بالعمليات الإرهابية؟، المسلمون في أوروبا والغرب عموما يعيشون هذه الأيام حالة انفعالية لا تقل حدة من تلك التي تنتاب الأوروبيين الذين أصبحوا يتوجسون من وجود المسلمين بين ظهرانيهم.. المنظمات الإسلامية في أوروبا تسابقت وهي تعلن إدانتها لتفجيرات بروكسل الثلاثاء الماضي، بيد أن هذه الإدانات تبدو قطرة في بحر متلاطم من تناقص مستوى الثقة في كل ما هو ذو علاقة بالإسلام، ووجدت جماعات اليمين المتطرف ضالتها في هذه العمليات التي يرفضها كل صاحب نفس سوية، لتخدم أجندها المعادية لوجود الجاليات الأجنبية خاصة الإسلامية مستغلة حالة الهلع التي ضربت أوروبا، واستُهدف الهجوم مطار بروكسل بتفجيرين انتحاريين وشهدت محطة مترو الأنفاق تفجيرا آخر بعد ساعة واحدة من هجوم المطار.

لكن من يقول للأوروبيين إن الدول الإسلامية تدفع ثمنا مضاعفا نتيجة هذه الأعمال الوحشية؟، فمنذ سبتمبر 2014 وحتى اليوم وقع 87 عملا إرهابيا منها 22 في أوروبا و6 في أمريكا الشمالية و2 في أستراليا، أما البقية (57 عملا) فقد وقعت في دول إسلامية.. ومن يقارن حجم التعاطف الغربي مع ضحايا هجمات بروكسل بالتعاطف مع ضحايا هجمات تركيا الأخيرة يجد فرقا رهيبا لصالح الضحايا الأوروبيين وهنا تبدو المشكلة.

وتظهر كثير من الدول الإسلامية على مستوى الحكومات تعاونا كبيرا مع أوروبا يهدف لمحاربة هذه الظاهرة، واليوم تشعر الحكومة البلجيكية بحرج شديد بعد أن أعلنت تركيا بأنها طردت إبراهيم البكراوي، أحد منفذي هجمات الثلاثاء في بروكسل.

وأكدت أنقرة أنها سفرته إلى أوروبا في العام الماضي بل حذرت بلجيكا بأنه من مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية، وكان البكراوي قد أخرج من سجن بلجيكي بكفالة بعد أن قضى نصف حكم قضائي.

وقال وزير الداخلية البلجيكي:”يمكن التساؤل حول سبب إطلاق سراح المتهم مبكرا، وسبب فشلنا في إلقاء القبض عليه في تركيا. أتفهم هذه التساؤلات، وفي هذه الظروف فإنه من الصواب تحمل المسؤولية السياسية”.

مصدر الفوبيا الأوروبية من الإسلام في هذه الهجمات تحديدا أن تنظيم “داعش” تبنى مسؤولية الهجمات في بيان نشرته وكالة أعماق التابعة للتنظيم حيث ذكرت: “نفذ مقاتلو الدولة الإسلامية اليوم الثلاثاء سلسلة تفجيرات بأحزمة وعبوات ناسفة استهدفت مطارا ومحطة قطار رئيسية وسط مدينة بروكسل عاصمة بلجيكا المشاركة في التحالف الدولي ضد الدولة الإسلامية”.. في ذات الوقت عثر المحققون على علم “داعش” وعدد من القنابل ومواد كيماوية خلال واحدة من مداهمات السلطات البلجيكية لموقع مشبوه.

إن كان تنظيم الدولة في حالة حرب مع التحالف الدولي فلماذا لا يوجه عملياته ضده مباشرة في ميادين القتال؟، لماذا يلجأ لضرب المدنيين وبهذه الطريقة الوحشية التي لا تقرها أي شريعة من الشرائع؟، ومع تزايد عدد المسلمين في أوروبا فإن هذه العمليات تستهدف المسلمين أيضًا والذين هم بالضرورة يتواجدون في المطارات ومحطات القطارات وغير ذلك من الأماكن المستهدفة.

لقد اعترفت بلجيكا رسميا بالدين الإسلامي منذ العام 1974.. بل في العام 1967 قام الملك البلجيكي الراحل بودوان الأول بإهداء الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز جزءا من متحف الآثار الواقع بعد أمتار من مقر المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي، ليكون بعد ذلك مسجدا ومقرا للمركز الثقافي الإسلامي.

ويتمتع المسلمون في بلجيكا بعناية واحترام فائقين، حتى أن عيدي الفطر والأضحى عطلة رسمية.. وأن نحو نصف سكان العاصمة بروكسل من المسلمين. وهناك أكثر من 300 مسجد وعشرات المصليات، وليس خافيا أن بلجيكا تعترف رسميا بالمساجد وتتكفل الحكومة بجزء من نفقاتها، وتدفع الدولة رواتب لأكثر من 250 من أئمة المساجد. وللمسلمين الحق في حصول أبنائهم على دروس في التربية الإسلامية في المدارس البلجيكية. وأيضا تتكفل الدولة بدفع رواتب أكثر من 800 معلم من معلمي مادة الدين الإسلامي. وأكثر من ذلك أن نظام التعليم الرسمي يسمح للمسلمين بإنشاء مدارس بنفس النظام التعليمي البلجيكي وتكون تحت إشراف السلطات البلجيكية وتكلف الحكومة بدفع رواتب المدرسين فيها؟

لقد كفل الإسلام الحرية للناس جميعا، مسلمين ومشركين، موحدين وملحدين، فلم يقيد حرية الإنسان في أهم علاقة تمس الخالق بالمخلوق.. إن تنظيم الدولة الإسلامية أكبر مدمر للقيم الإسلامية السمحة، فالحديث عن عالمية الإسلام لا يعني وحدته السياسية بل تعني وحدته الشعورية ولا تعني القضاء على الثقافات الشعوبية أو فرض نظام سياسي، بل تعني سيادة الإسلام روحا وفكرا وليس سلطة، لأن الإسلام جاء لإعمار النفوس وإعادة بناء هياكلها الروحية وليس بناء هياكل الدولة فقط.. عالمية الإسلام تعني القدرة على مخاطبة الآخر ومحاورته بالحسنى.