رأي ومقالات

انت السماء بدت لنا


الصيف بانت نواجذه ..وبدأ في ارسال طلائعه …حرارة الجو اللافحة ..ومن ثم توالي خراب الاجهزة المساعدة على التبريد ..هل يحدث عندي فقط هذا؟؟ ..بدأ مكيف غرفتي العتيق في اصدار صوت (سيك ..سيك ) ..هذا اللعين الذي (يمسكني من يدي البتوجعني) ..لماذا لا يقرر العطب الا في الصيف؟؟ ..من هو ذلك العبقري الذي فكر في موضوع سكن الشقق هذا؟؟ ..هذه العلب المتراصة فوق بعضها التي لا تستطيع ان تتنفس فيها الا بمساعدة الاجهزة ..تماما كما في نهاية حياتك؟؟ …شد ما أفتقد (نوم الحوش) ..كنا في غنى عن هذا الذي يصدر اصواتا مزعجة ..والأهم انني كنت أستطيع رؤية السماء …شد ما أفتقد السماء ..متى كانت اخر مرة شاهدت فيها النجوم؟؟ ..زمان كانت لي قصص مع النجوم ..وقد كنت ولا ازال احتفظ بنظرية خفية في داخلي ..بأن لكل مدينة سماءها ونجومها ..(كيف ما عارفة) ..كانت النجوم في عطبرة كثيرة ومتفرقة…ولكن في وادي حلفا ..كانت كثيرة جدا ..ومحتشدة ومنيرة اكثر من اللازم ..وادي حلفا مدينة لها خصوصية ..حتى في النجوم التي تطل عليها …كان لنا حوش كبير ..تهب فيه نسائم الصيف وتغريك بالنوم حتى مطلع الشمس ..ولكن ان سنحت لك فرصة الصحيان ليلا ..تأكد انك لن تمل من تأمل السماء و الحديث مع النجوم ….جيل اليوم لا يعرف السماء ..ولا احاديث الانجم …ذلك انه ان ساهر ليلا فهو يتحدث محنيا رقبته على اللاب التوب أو الموبايل ..لا يرفع رأسه الى الاعلى ابدا…انه لا يفتقد السماء ..لانه لا يعرفها …أذكر انني شاهدت فيلما لتوم كروز ..كان يزور اخاه المسجون لمدة طويلة ..سأل اخاه ان كان يريد شيئا او يفتقد شيئا ليحضره له ..قال له اخاه (انني أفتقد السماء..أريد رؤية السماء)…هذه العلب التي نسكنها تمنعنا من رؤيتها ..والدتي رحمة الله عليها ..كنت كلما دعوتها للمبيت معي في الشقة كانت تقول لي مازحة (منا؟ ايلم حمامي نوقل هجو نيري) ..وتعني ما الذي يدعوني للمبيت في بيت كبيوت الحمام ..وهي تشير الى تلك الصفائح التي كنا نعلقها في اعلى منزلنا ليهجع فيها الحمام بعد طول طيران … الحمام يطير في السماء ومن ثم يأتي لسكنه ..اين اجد تلك الاجنحة التي تعانق السماء كل يوم ؟؟ …لماذا لا نسكن في بيوت على الأرض في وطن مترامي الاطراف كوطننا هذا ؟؟ ..يقولون ان السكن داخل الشقق امان اكثر …تبا لزمن اصبحنا فيه ننشد الامان في الجدران وليس في نفوس البشر …سيك ..سيك ..يمد لي المكيف لسانه ويقول لي (دي المناظر ..الفيلم لسه) ..فلا يزال الصيف في بدايته …أخرج رأسي من النافذة علني أرى السماء والنجوم ..لا شيء يظهر ..فقد حجبتها غابات الاسمنت حولي ..ومن ثم حدثتني نفسي بان هناك من سيعتقد أنني مجنونة ..فمن يخرج رأسه ليتأمل السماء هذه الأيام ؟؟…رحم الله ادريس جماع فقد شبه محبوبته بالسماء واتعب من جاء بعده (انت السماء بدت لنا ..واستعصمت بالبعد عنا )…اييييه تبا لهذا المكيف وهذه السيك سيك ..وتبا اكثر لصفائح الحمام المسماة عرفا بالشقق السكنية ..تبا ثم تبا.

د. ناهد قرناص


‫2 تعليقات

  1. (انت السماء بدت لنا ..واستعصمت بالبعد عنا )

    البيت الذي جعل ناقدا مصريا يفغر فاه تعجبا

    ** د. ناهد قد سبقتك بتعليقي ردا على تعليق من أحد القراء يسخر فيه من بيت البناء فيه خلف خلاف

    والله جعلني أشتهي تلك السكنى التي تجعلك تمتلئ إحساسا وشعورا بحرية حتى لتكاد تطير من الأرض

    وأما الشقق …وواجعي من سكنى الشقق كالطائر المحبوس …والقرف لأن الجو حولك كله جراثيم وميكروبات …ولو لجأت للمطهرات والمنظفات فكأنك تستجير من الرمضاء بالنار

    فيا للشمس المضيئة قاتلة المجهريات ، التي تشعرك بالنظافة والصحة

    أشرقت شمس الضحى

    في السماء الصافية

    وهي تعطي من صحا

    صحة وعافية

  2. مقال رائع يادكتورة…هل طالعتى السماء فى عز النهار وراقبتى الصقور وهى تصعد لا تلوى عللا شى…مناظر اختفت والجاى اكتر مع تحياتى