عبد الباقي الظافر

من قتل الترابي..؟


يروي الراوي أن الشيخ الترابي كان يسير في عربة دفع رباعي في شارع مدني الخرطوم برفقة والي الجزيرة وطبيبه الخاص وعدد من حراسه ..لاحظ الشيخ المتنفذ يومها أن السائق أبطأ في السرعة.. والترابي للذين لا يعرفون كان يحب قيادة السيارات بسرعة ..المهم أن الشيخ سأل السائق عن سر تمهله في الطريق . أشار السائق إلى دابة تحاول أن تقطع الطريق في نقطة قصية ..هنا حاول الشيخ أن يدخل الرياضيات في حساب المسألة ..السائق اللماح خرج من ورطة الحساب قائلاً (والله يا شيخ حسن أنا زمان كنت أدبي) ..هنا التفت الشيخ إلى والي الجزيرة المرافق قائلاً (انت يا الوالي الظاهر لا كنت علمي ولا أدبي).
حينما روى شاهد عيان تلك الواقعة لفت انتباهي أن الإسلاميين كانوا يهتمون بشيخهم من حيث الحراسة والتطبيب.. ولكن مؤخراً كلما أزور الشيخ رحمه الله .. يلفت نظري ضعف الحس التأميني ..شباب من المتطوعين يقفون من وراء الباب الذي لا يوصد أبداً.. ليس هنالك تدقيق في هويات الزوار.. تقاليد الأسرة المضيافة تقتضي أن يتم إكرام كل من تكبد مشاق الوصول إلى دار الرجل الرمز.
ترددت كثيراً في توقيت نشر هذا المقال.. ليس من اللائق نثر الاتهامات وما زالت الأحزان طرية والعيون ممتلئة بالدموع.. ولكن عذرنا أن الملف قد تم فتحه وأقلام عديدة قد سكبت مداداً في قضية وفاة شخصية مثيرة للجدل ..ومن ناحية أخرى حتى لا يتكرر ذات القصور مع رمز آخر في وطننا الحبيب.
الثابت الآن أن الشيخ الترابي تعرض لمتاعب القلب غير مرة .. على إثر ذلك سافر إلى الدوحة برفقة ابنه عصام ومدير مكتبه تاج بانقا ..الأطباء أكدوا أن الشيخ يحتاج إلى جراحة قلب مفتوح عاجلة.. لأن القلب يعمل بثلث طاقته.. وإلى راحة تامة مصحوبة بالابتعاد عن التوتر والانفعالات ..هنا يقفز السؤال لماذا لم يجرِ الشيخ عملية القلب مباشرة ..هنا القرار ليس شخصياً بيد الشيخ ولا أسرياً تقرر فيه الدائرة الضيقة.. القرار هنا قرار تنظيم سياسي يرتب أولوياته ..وليست هنالك أولوية مقدمة على الصحة البدنية للرجل الأول في الحزب.
دعونا نفترض أن الشيخ ألح وأصر على العودة للسودان.. وأن التنظيم الشعبي استقر رأيه على إجراء العملية في ألمانيا وأن ذلك يحتاج إلى تدابير من بينها الحصول على تأشيرة الدخول.. هنا من المفترض أن يخلد الشيخ الترابي إلى راحة، وأن تتوفر له رعاية طبية على مدار الساعة.. إن ضاقت مواعين المؤتمر الشعبي عن توفير هذه المعينات.. فمن حق الشيخ الذي نذر نفسه للعمل العام على الدولة أن تتعهده بالرعاية الطبية .
في تقديري ..أن هنالك تقصيراً ملحوظاً في التعامل مع الملف الطبي للشيخ حسن الترابي.. أول ملاحظة أن الحالة الصحية للشيخ لم يفصح عنها رغم أنه شخصية عامة.. من حق عامة الناس الاطمئنان والاطلاع على ملفات من يقدمونهم للقيادة ..حتى يوم الحادثة وحسب التفاصيل المتفرقة.. كان الشيخ وحيداً في مكتبه، الأخ الكريم الدكتور عمار السجاد كان أول من التقاه عند الصباح ولاحظ الإعياء عليه.. ولو أن معلومات مرض الشيخ كانت متوافرة لكان السجاد بخلفيته في علم الصيدلة أول من اتخذ القرار الصحيح ..الساعة الأولى عند مرضى القلب تسمى بالذهبية.. ضاعت هذه الساعة ولا نقول إلا ما يرضي الله.
بصراحة ..بذات الإهمال خطفت الأقدار الدكتور جون قرنق الذي سافر في ظروف غامضة إلى يوغندا ولم يعد.. رحل الشهيد الزبير لأن المطار لم يكن جاهزاً.. في كل كوارثنا كان الإهمال حاضراً ولكن لا أحد يعترف بذلك.. نحن نحَمِّل الأقدار كل إخفاقاتنا .
عبد الباقي الظافر – (تراسيم – صحيفة آخر لحظة)


‫4 تعليقات

  1. افتكر مات فى الوقت المناسب والعمر المناسب والزمن المناسب وهو زمن الانقاذ

  2. اعوذ بالله السميع العليم القائل ({وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }النحل61