مقالات متنوعة

محمد لطيف : جائزة الطيب صالح.. الأصل! 1


قناعتي الشخصية أن الأزمة السودانية في السياسة.. ومن ثم في كل المجالات.. لم تبدأ بعد الاستقلال وما يسميها البعض عجز الآباء المؤسسين عن استيعاب مطلوبات البناء الوطني.. بل في تقديري أن الأزمة قد سبقت ذلك بكثير.. حين بدأت مظاهر الخلاف وتعالت ظاهرة الأنا.. وإعلاء قيمة الذات عوضا عن قيم الوطن.. في مؤتمر الخريجين.. ثم تلا ذلك الانشطار والتشظي.. ثم أصبحت هي القاعدة لا الاستثناء.. وتناسلت الانشقاقات وبلغت في السياسة مرحلة التعريف بالأصالة كناية عن عدم أصالة الآخر.. أو الآخرين.. كيف ما يكون الحال.. ولم ينج حزب سياسي واحد.. قديما كان أو حديثا.. كبيرا كان أو صغيرا.. يمينيا كان أو يساريا.. معارضا كان أو حاكما.. من ظاهرة الانشطار والتشظي.. ومضى التناسل لهذه القاعدة الشاذة وشمل الاقتصاد ثم كل ضروب الحياة.. وحتى الحركات المسلحة وهي آخر مظاهر العمل السياسي لم تنج من الحالة فتناسلت وتعددت.. حتى أصبحت حالتها نفسها جزءا ومظهرا من مظاهر الأزمة.. لا جزءا من الحل.. وبعيدا عن أية أسباب موضوعية يمكن تناولها لتحليل هذه الظاهرة السودانية دون غيره من أمم الأرض.. تظل تضخم حالة الأنا.. لا المصلحة العامة في جل.. إن لم يكن كل.. حالات التشظي.. هي المحرك والدافع.. لهذه الانشطارات.. والاستنساخات..!
نقول الاستنساخات.. لأن الحالة التي نحن بصددها اليوم.. لا تعكس حالة من حالات التشظي أو الانشطار أو الانشقاق.. ربما لأنها تخرج من سوح السياسة ومشتقاتها المباشرة.. الي ساحة أخرى.. هي أبعد ما تكون.. أو هكذا يفترض.. عن مكايد السياسة ومصالحها الضيقة.. وبالتالي سيادة حالة الأنانية أو حب الذات.. بل هي ساحة يفترض أن تسود فيها قيم عالية صاغتها الشرائع السماوية.. ثم عكفت عليها الإنسانية تعصر عليها من رحيق تجاربها في كل عصر قطرة.. حتى صار للثقافة وللأدب مقومات وموروثات وقيم وأساليب لا تتوفر في غيرها.. يهرع إليها الناس حين يضيقون من غيابها في غيرها من السوح الإنسانية.. هل كان أحد يتصور مثلا.. أن نحتاج إلى إطلاق صفة الأصل على محض منشط ثقافي يحاول أن يجسد معنى الثقافة ودورها الريادي في المجتمع..؟
لقد وجدت نفسي مضطرا لفعل ذلك اليوم.. فقد طلب إليّ صديق مهتم بالثقافة والآداب والفنون.. أن أهتم قليلا بجائزة الطيب صالح.. وأن أدعو الشعب السوداني لمساندتها.. وأن أشجع المؤسسات الوطنية على دعمها.. وحين قلت له.. والدهشة تملؤني.. إنها ليست في حاجة لما يقول.. وإن دعايتها تملأ الآفاق.. فاجأني بقوله.. أنا أقصد الأصل.. وحين تمعنت في العبارة.. اكتشفت لأول مرة.. أو بالأحرى انتبهت لأول مرة.. لأن هناك جائزتين للطيب صالح.. ولم يكن الأمر في حاجة لكبير عناء لنعرف أن الثانية مستنسخة من الأولى.. فالاسم ذات الاسم.. والمواضيع ذات المواضيع.. بل وحتى الأنشطة المصاحبة.. حتى ليختلط الأمر على الناس.. مما يوجب الفصل.. وهذا يستدعي العودة إلى منصة التأسيس بالطبع..! فإلى الغد.
محمد لطيف – (تحليل سياسي – صحيفة اليوم التالي)