رأي ومقالات

صلاح الدين مصطفى : بسبب الحرب والفقر المدقع: إنتشار واسع لمرض الإيدز في دولة جنوب السودان


تعاني دولة جنوب السودان الحديثة من إشكالات عديدة في المجال الصحي أبرزها على الإطلاق، إنتشار مرض الإيدز بصورة كبيرة. حيث أشار تقرير لبرنامج الأمم المتحدة المشترك لفيروس «الإيدز» لوجود 190 ألف شخص يحملون هذا الفيروس.

18 ألف مصاب في كل عام

ووفقا لدراسة صادرة عن برنامج جنوب السودان الوطني لمكافحة الإيدز فإن نسبة المصابين بهذا المرض بين البالغين تقدر بنحو 2.7٪ ويصاب به حوالي 18ألف شخص في العام، ويقدر عدد الأطفال منهم بحوالي ثلاثة آلاف مصاب سنويا.
وجاء في تقرير لمنظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة «يونيسيف» أن معدل إصابة المواليد بالإيدز في جنوب السودان تقدر بنحو 43 حالة إصابة لكل ألف مولود نتيجة انتقال فيروس المرض من الأمهات.

موارد ضخمة وفقر مدقع

تبلغ مساحة جنوب السودان أكثر من 600.000 كم مربع تقريبًا. ويقدر سكانه بما يقارب من 8 ملايين نسمة ولا يوجد تعداد دقيق للجماعات العرقية. إلا أنه يعتقد أن أكبر جماعة عرقية هي الدينكا تليها النوير، الشلك والزاندي.
وتمتاز جمهورية جنوب السودان بأنها منطقة غنية بالموارد الطبيعية، ويعتبر البترول من أهم الصادرات حيث تتركز فيه ما نسبته 85٪ من احتياطي السودان السابق، ومصدر الدخل الرئيسي لأغلب السكان هو الزراعة التقليدية، ويعيش أكثر من نصف سكان جنوب السودان في فقر مدقع الأمر الذي دعا الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول /ديسمبر 2012 إلى إضافته إلى قائمة البلدان الأقل نماء.
وحسب وكالة «الأناضول» فإن الأمم المتحدة حذّرت من «تفشي» الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) في دولة جنوب السودان، حيث أظهرت إحصائيات أعدها برنامج أممي، ارتفاعا حادا في معدلات الإصابة بالفيروس، بسبب ظروف الحرب الأهلية المندلعة في البلاد، منذ أكثر من عامين.
وأعربت المسؤولة الأممية ممتاز ميا، عن أسفها بخصوص قلة الوعي، لدى الشبان السودانيين الجنوبيين، الذين يشكلون ما يقرب من ثلاثة أرباع السكان، ويغيب عن معظم هؤلاء الوعي بمخاطر فيروس نقص المناعة البشرية وكيفية الوقاية منه، وذلك في ظل ارتفاع معدل انتشاره في بلدهم، ودعت إلى عدم التمييز في التعامل مع المصابين بفيروس «الإيدز».
وأظهرت إحصائيات أعدها برنامج الأمم المتحدة المشترك لفيروس «الإيدز «(UNAIDS) أن «الإصابات الجديدة بالفيروس، في جنوب السودان، قد ارتفعت من 13 ألفا إلى 18 ألف مصاب، وذلك في الفترة الممتدة بين العامين 2013 و2015. وأشارت الإحصائيات، أن «عدد الإصابات الجديدة يقدر بـ 18 ألف مصاب سنويًا، وأن نحو 190 ألف شخص، يتعايشون مع المرض، حاليًا».

آثار الحرب ومطالبة بالدعم

لكن تقريرا حكوميا يشير إلى أن أعداد المصابين بهذا المرض يقترب من ضعف هذا الرقم، وتشكل النساء أكثر الفئات المصابة بالإيدز ويليهن الرجال ثم الأطفال الذين يولدون حاملين لفيروس نقص المناعة الطبيعية.
وتعاني الدولة الوليدة من حرب استمرت منذ استقلت عن السودان في استفتاء شعبي لسكان الجنوب أعلن عن نتائجه النهائية في شباط/فبراير 2011 وتم الإعلان عن استقلال كامل للدولة في التاسع من تموز/ يوليو 2011.
وظلت الحكومة تطالب بمزيد من الدعم لمجابهة هذا المرض وتحتاج إلى 12مليون دولار لتوفير متلطبات علاجية للتعايش مع الإيدز وتساهم العديد من المنظمات الدولية والحكومية والأهلية على رعاية المرضى والتوعية بأخطار المرض وتوفير سبل الوقاية منه. ويقول بعض المواطنين القادمين حديثا من جنوب السودان إلى السودان، إن المرض ينتشر بسرعة، نسبة للظروف الصعبة التي تعيشها النساء في أماكن النزوح بسبب القتال والظروف البيئية السيئة وغياب الرعاية والتوعية الصحية. ويشير أحد الذين عايشوا فترات الحرب الأهلية التي تشهدها جنوب السودان منذ قبل إنفصالها من الشمال، إن المرض ينتشر بسرعة أكبر خلال الحرب، حيث يزيد بانتشار الجنس خارج نطاق الزوجية. ويقول إن الجنود وأفراد الميليشيات المسلحة هم أكثر الفئات التي تمارس مثل هذا النوع من الجنس والذي يصل في أحيان كثيرة لدرجة الإغتصاب.

الإيدز مسكوت عنه

تعمل ريتا خادمة منزلية في منطقة هامشية في الخرطوم وهي فتاة جنوبية لم تكن تسكن شمال السودان قبل الإنفصال، رفضت الحديث عن الإيدز في بادئ الأمر لكنها قالت إن المرض (كتير) والنساء لا يتحدثن عنه في الجنوب بسبب العزلة الاجتماعية من الناس ـ وحتى داخل الأسرة ـ لمن تثبت إصابتها بهذا المرض. والإرتباط الوثيق بين شمال وجنوب السودان جعل جهود المنظمات العالمية تقوم بعمل مشترك في الدولتين، وموجات النزوح المستمرة نحو الشمال. وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان، في الأول من شباط/فبراير الماضي، إرتفاع عدد اللاجئين من دولة جنوب السودان إلى السودان إلى أكثر من 120،000 لاجئ، بحسب الإحصاءات حتى الثاني والعشرين من كانون الثاني/يناير من العام الماضي.
وبحسب تقارير دولية، فإن منظمة اليونيسيف في السودان هدفت، مع حلول عام 2012، إلى أن تكون قد أسهمت في معالجة فيروس نقص المناعة البشري ومرض الإيدز، وذلك بتحقيق نتائج أساسية تشمل العديد من النتائج منها ضمان وصول 27 مليون طفل ويافع وشاب إلى المعلومات والخدمات التي تقلّل مستوى تعرضهم لخطر العدوى بفيروس نقص المناعة البشري/الإيدز. وضمان تلقّي 3،5 مليون امرأة حامل المشورة عن فيروس نقص المناعة البشري ـ اللاتي يقبل نصفهن إجراء فحص الكشف عن الإصابة بفيروس نقص المناعة البشري، وحصول جميع النساء الحوامل المصابات بهذا الفيروس وأطفالهن على العلاج الملائم،
ورفع مستوى الوعي والفهم الجماهيري، لكن هذه الخطط تعثرت ولم تحقق الهدف المنشود.وتعمل منظمة اليونيسيف جنباً إلى جنب مع البرنامج السوداني الوطني لمكافحة الإيدز في شمال السودان، ومع هيئة جنوب السودان لمكافحة الإيدز لإعداد برامج لمعالجة النقص في المعلومات والفهم بشأن فيروس نقص المناعة البشري»الإيدز». وينصبّ قَدْر متزايد من التركيز على الأساليب أو المناهج متعددة القطاعات، لضمان إدماج قضية فيروس نقص المناعة البشري في مجالات مثل التعليم، وشؤون اليافعين والشباب، والجيش.
وضمن هذا السياق، تم إطلاق حملة معلومات عامة متعددة الوسائط الإعلامية تستهدف الجماهير المعرضة لمخاطر عالية، في شمال السودان، لاستكمال نشاطات التثقيف الجارية حالياً بين الأقران أنفسهم، ورعاية الأشخاص المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية والإيدز.
وتدعم منظمة اليونيسيف سلسلة واسعة من مراكز الفحص والمشورة الطوعية وخدمات الوقاية من انتقال الفيروس من الأم إلى طفلها، حيث يتم تنفيذ هذه الخدمات الأخيرة من خلال مراكز رعاية الحوامل قبل الولادة.
وفي جنوب السودان، حيث يعتقد أن معدلات تفشي هذا الفيروس أعلى بكثير مما تشير إليه المؤشرات الرسمية، أسست وزارة الصحة وحدة مكرّسة لمعالجة الفيروس، وذلك للتركيز على تنفيذ خدمات تشتمل على المشورة والفحص الطوعي، والوقاية من انتقال الفيروس من الأم إلى طفلها، ومعالجة الأشخاص المتعايشين مع الفيروس وتقديم الرعاية لهم، بالإضافة إلى تنفيذ نشاطات التثقيف العام على نطاق واسع، وتساعد منظمة اليونيسيف أيضاً مشاريع تقدم الرعاية للأطفال والأسر المتأثرة بالفيروس.
وتم أيضاً بذل الجهود لضمان تقوية التشريعات من أجل تقديم حماية أفضل للأشخاص المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشري والإيدز.
وفي حديث لـ»الأناضول» قالت ممتاز ميا، المستشارة الاستراتيجية، لدى برنامج (UNAIDS) في جوبا، إن «معدل الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية، مرتفع بشكل حاد في جنوب السودان، وذلك نتيجةً لأكثر من عامين من النزاع، الذي ألقى بظلاله على فئتي النساء والأطفال في مخيمات الحماية» ملقيةً باللوم على الأزمة السياسية الجارية في البلاد.
وفي السياق، أوضحت «ميا» أن «الوباء يتفاقم، بشكل أساسي، في مخيمات النازحين، والمناطق الحضرية، وفي المنطقة الاستوائية الكبرى، بين فئتي النساء والشباب، الأكثرعرضة لخطر الإصابة بالفيروس، نظرًا للعوامل الاجتماعية والثقافية المحيطة بهم».

الجهل والتمييز السلبي

وأظهرت دراسة حديثة أجراها برنامج (UNAIDS) أن «80 ٪ من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم في جنوب السودان، تعرضوا لحوادث تمييز بسبب وضعهم الصحي».
وفي السياق ذاته، حذرت أليس كيني لاغو، مستشارة وكالة جنوب السودان لـ»الإيدز» (SSAC) من ارتفاع معدلات انتشار المرض، وصولًا إلى «تفشي وباء» على مدى السنوات المقبلة.
من جانبه، قال لول ليلى لول، رئيس «شبكة المصابين بـ(الإيدز)» في جنوب السودان إن «الجهل المدقع، والتمييز المستشري، في البلاد، تجاه الأشخاص المتعايشين مع فيروس (الإيدز)، تعتبر أمراضا مجتمعية، تتنامى في ظل ضعف التمويل الهادف لرفع مستوى الوعي».
وتبذل مجموعات من الناشطين مجهودات كبيرة في التوعية بمخاطر المرض، سواء عبر أجهزة الإعلام الرسمية في دولة جنوب السودان أو وسائل التواصل الاجتماعي أو الفرق الفنية في مجالات المسرح والموسيقى، لكن ينقص هذه الجهود الدعم المالي والتنسيق، لكن السبب الأكبر لعدم تأثير هذه الجهود هو عدم الاستقرار بسبب الصراع المسلح.
وحسب متابعتنا فإن السبب الرئيسي في إنتشار الإيدز في جنوب السودان يعود للصراع المسلح سواء بين الحكومة المركزية في الخرطوم والجماعات المسلحة قبل الإنفصال، أو بين حكومة الجنوب والجماعات الجنوبية المسلحة بعد الإستقلال.

إنتهاكات مروّعة

وأفاد تقريرحديث صادر عن الأمم المتحدة ويدور عن وضع حقوق الإنسان في جنوب السودان، أفاد بوقوع انتهاكات مروعة وخاصة من قبل القوات الحكومية، تتضمن حرق مدنيين وهم أحياء أو قطع أجزاء من أجسادهم واغتصاب فتاة من عشرة جنود.
وقال التقرير إن كل أطراف الصراع ارتكبت انتهاكات خطيرة ومنهجية ضد المدنيين منذ اندلاع الأزمة في كانون الأول/ديسمبر عام 2013. ولكن التقرير الدولي يفيد أن الأطراف الحكومية تتحمل المسؤولية الأكبر عن ذلك خلال عام 2015 في ظل تراجع قوة القوات المعارضة.
وقال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن نطاق العنف الجنسي يثير الصدمة، إذ تم تسجيل أكثر من ألف وثلاثمئة حالة اغتصاب في إحدى محافظات جنوب السودان العشر في الفترة بين شهري نيسان/أبريل وأيلول/سبتمبر من العام الماضي .
وذكر المفوض السامي لحقوق الإنسان أن كم الاغتصابات وحالات الاغتصاب الجماعي، في التقرير، هو جزء بسيط من العدد الحقيقي، مضيفا أن الجنود يعتبرون النساء والفتيات سلعة ينقلونها عبر القرى. وقال المفوض السامي إن الوضع في جنوب السودان يعد أحد أكثر الأوضاع المروعة في العالم، ولكنه لا يحظى بالاهتمام الدولي اللازم.
وأوصى التقرير، الذي وضعه فريق أوفده مفوض حقوق الإنسان إلى السودان، بأن يواصل مجلس حقوق الإنسان مراقبة التطورات في البلاد وأن ينظر في إنشاء آلية للإبلاغ عن التقدم المحرز على صعيد المساءلة.
ودعا حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية، بمجرد تشكيلها، إلى وقف الانتهاكات الحالية والاعتداءات على حقوق الأطفال ومنع تكرارها، وإنهاء العنف الجنسي والقائم على نوع الجنس، واحترام دور المجتمع المدني وكفالة حريات التعبير عن الرأي والتجمع السلمي.

صلاح الدين مصطفى