حوارات ولقاءات

معظم الفضائيات صورة مشوهة للتلفزيون القومي بعد انهياره وهؤلاء مجرد موظفي دولة ولا علاقة لهم بالإبداع


“عبد الرحمن محمد عبد الرحمن” مخرج سينمائي من طراز فريد، تتلمذ نظرياً بـ(أكاديمية الفنون) جمهورية مصر العربية على أيدي العديد من رواد الفن السينمائي على رأسهم المخرج ونجم الدراما العربية القدير الراحل “محمود مرسي” ونجم الدراما “حسين فهمي” وعملاق الإخراج السينمائي الراحل “يوسف شاهين”. وتمرس على فن الإخراج عملياً على يد العديد من عمالقة فن الإخراج السينمائي “كمال الشيخ” و”خيري بشارة”، قدم الكثير للمشاهدين من خلال إخراج عدد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية المتنوعة التي تميزت بحيويتها من بينها من الافلام (ويبقي الأمل) و(سلام يا بلد) و(تكلم الحجر)، ومن المسلسلات (دماء على البحر)، (العرضحلجي)، (شبابيك)، (الوجه الآخر للحب) و(أحلام مؤجلة).. كما يعد أحد المخرجين الشباب الذين ساهموا في التجديد في شكل الإخراج السينمائي بجدارة، كما أنه من الذين برعوا في إخراج (الأفلام الوثائقية ) والإعلانات التلفزيونية .. وعبر هذا الحوار تجاذبنا معه الحديث في عدة موضوعات خاصة بالعمل التلفزيوني..
في البداية قلنا له باعتبارك مخرجاً سينمائياً محترفاً..
كيف تنظر لواقع الدراما السودانية ؟
– حقيقة وللأسف نظرتي لها تشاؤمية، وأرى أنها لن تقوم لها قائمة إلا بمقدم جيل جديد قادر على تطوير هذه الصناعة مستقبلاً.
{ وفي هذا الواقع الخرب هل تتوقع مقدم جيل منقذ؟

– نعم يوجد الكثير من المبدعين الحقيقيين من جيل الشباب ليست لهم علاقة باتحاد الدراميين ولا بـ(منطقة الحيشان)، وهؤلاء لو أتيحت لهم الفرصة قادرون على إنتاج دراما تلفزيونية ممتازة وذات قيمة.
{ ما الذي ينقص الدراما السودانية كي تنتقل إلى مرحلة الإنتاج؟
– للأسف الدراما السودانية لن تصل لمرحلة الإنتاج على الأقل في هذا الوقت.

{ لماذا؟
– لسبب بسيط المسؤولون عن الدراما داخل جهاز التلفزيون ليست لهم رؤية أو مشروع قومي تجاه هذه الصناعة، وهم مجرد موظفي دولة ولا علاقة لهم بالأبدع التلفزيوني، والقائمون على أمر الدراما التلفزيونية نفسهم (خريجي معهد الموسيقى المسرح) والمسرح يختلف عن التلفزيون، والسينما هي الأقرب للتلفزيون، والسبب الثاني هو تخلي الدولة عن مسؤوليتها تجاه الدراما والدراميين وتجاهلها حتى للتلفزيون القومي نفسه (أداة العرض).

{ في رأيك لماذا العمل التلفزيوني عندنا هو الآخر في حالة تراجع مستمر؟
– المحزن هو أن السودان سبق الكثير من الدول العربية والأفريقية في مجال العمل التلفزيوني، وعندما قطعنا شوطاً كبيراً في فن الإبداع التلفزيوني في أم درمان دول الخليج كانت في بداية المشوار، لكنهم الآن تقدموا علينا بخطوات كبيرة، والمسافة بيننا وبينهم شاسعة، خاصة فيما يتعلق بصناعة الصورة التلفزيونية وتقنيات الصوت وفن الإخراج وغير ذلك.
{ وفي اعتقادك ما الذي جعل أهل الخليج يتفوقون علينا ونحن السابقون؟
– لأنهم استقطبوا الكفاءات وأصحاب الخبرة من الخارج في كل مجالات الإبداع التلفزيوني، ونأخذ مثالاً الدراما التلفزيونية عندهم استعانوا في تطورها بخبرات من جمهورية مصر في مجال السينما (التلفزيون الابن الشرعي للسينما)، والآن الخليجيون أصبحوا متميزين في مجال الدراما التلفزيونية في الإبداع التلفزيوني بصورة عامة بسبب ما اكتسبوا من مهارات حقيقية من خبرات السينمائيين.

{ وإذا عندنا للوراء ما الذي جعل التلفزيون السوداني في بداياته أفضل من الآن على مستوى الصورة والبرامج؟
– لان مجموعة الكوادر من السودانيين الذين تم ابتعاثهم إلى “ألمانيا” و”مصر” (لدراسة الفن التلفزيوني منذ بداياته)، هذه المجموعة التي أبدعت ثورة التلفزيون السوداني في ذلك الوقت أذكر منهم المخرجون “أحمد عاطف، فاروق سليمان، صلاح السيد وكمال المطبعجي”. وعلى المستوى الهندسي المهندس “حسن أحمد عبد الرحمن”، وعلى مستوى التقديم “حمدي بولاد” و”حمدي بدر الدين”، ونجد أن جميع الذين كانوا يشرفون على الدراما في التلفزيون درسوا أبجديات صناعة الصورة التلفزيونية منذ البدايات الأولى للتلفزيون.

{ وما سبب النكسة في التلفزيون؟
– النكسة بدأت بمجرد دخول خريجي معهد الموسيقى والمسرح إلى (الحوش) تراجع التلفزيون للوراء فنياً، وطبعاً التلفذيون (كميديا) يختلف عن المسرح (كميديا)، لذلك لا يمكن لأهل المسرح النجاح في التلفزيون والعكس صحيح، وفاقد الشيء لا يعطيه، والتلفزيون كما ذكرت مسبقاً هو الابن الشرعي للسينما، ولذلك نرى أن التطور الدائم في الفن التلفزيوني بجمهورية مصر وراءه صناع السينما.

{ في الآونة الأخيرة وبصورة فجائية ظهرت الكثير من الأسماء مقرونة بصفة مخرج تلفزيوني؟
– لان هذه المهنة للأسف الشديد صارت مهنة من لا مهنة له، وكل من هب ودب عمل فيها مخرج، ويجب على الجهات المسؤولة أن تحدد من هو المخرج ومن هو الممثل، ولابد من قوانين صارمة لتحديد مهنة كل شخص حسب المؤهلات العلمية. أما الذين ليست لديهم مؤهلات فعليهم ترك (الخبز لخبازه).

{ المخرج التلفزيوني لم يعد سيد الموقف وصاحب القرار؟
– لان كل الذين يطرحون أنفسهم الآن كمخرجين في الفضائيات المختلفة (ليس مخرجين)، وهم قد يكونوا اقرب للمخرج المنفذ.
{ وما الفرق بين المخرج والمخرج المنفذ؟

– المخرج مبدع صاحب رؤية فنية يمتلك مقومات صناعة الصورة التلفزيونية بمختلف الأشكال سواء كانت (برنامج أو دراما أو إعلان تلفزيوني) أو حتى نقل مباريات كرة القدم. وهذه الرؤية الإخراجية لا تتأتى لشخص إلا إذا كان ملماً بتفاصيل مقومات صناعة الصورة التلفزيونية، وهذا لا يتوفر لشخص إلا عبر الدراسة النظرية والخبرة العملية والمشاركة في حرفية المشاهدة السينمائية والتلفزيونية. أما المخرج المنفذ يجلس أمام (الدسك) ليقطع اللقطات بين كاميرا وأخرى وهؤلاء حتى في التنفيذ غير مؤهلين.

{ كيف تنظر لانتشار الفضائيات والمحطات الإذاعية؟
– لا شك أن انتشار الفضائيات والإذاعات ظاهرة صحية تقود للتطور والمواكبة وإتاحة فرصة للتجديد في الإبداع التلفزيوني وللتنافس الحر في هذه المجالات الإبداعية برؤى مختلفة، لكن للأسف الشديد معظم الفضائيات إذا لم تكن جميعها هي صور مشوهة من التلفزيون القومي بعد انهياره، ولذلك نلاحظ نفس الفكرة الواحدة تدور في جميع الفضائيات (برنامج متشابه) بل ومستنسخة بغباء.

{ ما تعليقك على ظهور واختفاء الفضائيات ومن بينها (إكسير)؟

– وقوف إكسير جريمة تاريخية المتهم الأول فيها وزارة الإعلام، لان إكسير جاءت بفكرة إنسانية لخدمة المواطن من حيث التثقيف الصحي والتوعية بالمخاطر التي تحيط بالإنسان ومكافحة الأمراض قبل وقوعها، وهذه الفضائية كانت تقدم برامج علاجية لمن يحتاجونها، لذلك كان يجب على وزارة الصحة أن تقف وراءها وتدعمها لتقديم هذه الخدمة النوعية من البرامج، ومن هنا أبشر الجمهور بعودة إكسير وقريباً جداً عبر (نايل سات) و(عرب سات).
{ وماذا عن فضائية (قوون)؟
– توقف (قوون) سببه سوء الإدارة، وأعتقد أن الإمكانيات التي وجدتها قناة (قوون) والدعم الذي وجدته من رجل الأعمال “صلاح إدريس” كان كفيلاً بأن يجعلها المحطة الفضائية الأولى ليس في المجال الرياضي فقط بل حتى في أي مجال المنوعات .

{ كيف تنظر لواقع الفن بشكل عام؟
– محبط الشباب مازالوا يدورون في المنتوج الإبداعي القديم وفشلوا في تقديم إبداعات توازي ذلك الإرث الإبداعي.

{ من خلال متابعك لتصوير أحداث مسلسل.. (وتر حساس) ما هو تقييمك لتجربة “طه سليمان” التمثيلية؟
– بدون مجاملة لاحظت أن “طه سليمان” يمتلك مقومات الممثل الناجح ومثلما هو فنان ناجح، فهو كذلك ممثل شاطر يمتلك موهبة الأداء التمثيلي والحضور أمام الكاميرا والمسافة بين الغناء والتمثيل قريبة، وأكثر شيء يعجبني في “طه” لديه الحرص على التجويد في تجسيد الدور والتعايش معه، بالإضافة إلى أنه قلق جداً على هذه التجربة، والإنسان القلق أقرب للنجاح، وأخيراً أقول إنه مسلسل سوف يحدث ضجة وح يعجب الناس.

{ لماذا وقع اختيارك على المطربة “ندى القلعة” دون غيرها لبطولة الفيلم الذي تنوي إنتاجه؟
– أولاً لان فكرة الفيلم تتناسب مع “ندى القلعة”، وتقريباً مفصلة عليها، الفيلم يعالج قضايا الهوية ونبذ الجهوية، و”ندى” نجحت من خلال غنائها لكل القبائل السودانية أن تؤكد بأن الفن واحد من أدوات الوحدة الوطنية، وأنا واثق من نجاح “ندى” كممثلة عبر هذه التجربة، وأنا قادر أن أصنع منها ممثلة متميزة.

أخيراً كيف ترى مستقبل المهرجانات؟
– ما طال وزير الثقافة مشغول بقضايا سياسية و(غير فاضي) للثقافة وللاطلاع على الأفكار الجديدة في هذا المجال، فلا أرى مستقبلاً للمهرجانات، وسنظل متوقفين عند محطة مهرجان الثقافة الأول والثاني والثالث.

المجهر