تحقيقات وتقارير

أثارت جدلاً بين القانونيين علماء السودان والمادة (179).. فتوى غير (مطابقة) للحالة


في الوقت الذي يتكاثف فيه الجدل القانوني حول تعديل المادة (179) من قانون الإجراءات المدنية الخاصة بالشيكات المرتدة والتي اشتهرت بـ(يبقى إلى حين السداد) فاجأ رئيس هيئة علماء السودان بروفيسور محمد عثمان صالح برفض الهيئة إلغاء المادة (179)، وشدد على ضرورة الإبقاء عليها في القانون الجنائي لقطع الطريق أمام المحتالين، صالح دعا في تصريح كان أقرب للفتوى من الرأي القانوني، لترك الأمر لتقديرات المحكمة باعتبارها الجهة التي لها حق تقدير الفرق بين المحتال والمعسر حسب وقائع القضية، قبل أن يشدد على ضرورة ردع المحتالين ليكونوا عظة لغيرهم. ونوه صالح إلى أن هناك فسحة للمعسرين في الشريعة الإسلامية. اللافت في فتوى هيئة العلماء أنها تناولت في فحواها الجانب الجنائي المتعلق بالمادة (179) من القانوني الجنائي، وهنا الجميع يتفق على الإبقاء عليه، وأغفلت الجانب الأهم في القضية، وهي المادة (234) من القانون المدني وهي مثار الجدل لأنها تنص على بقاء الشخص المعسر في السجن بعد قضاء ما عليه من عقوبة جنائية..

تعامل بالكاش
مطالبة أو قل أن شئت فتوى صالح وجدت تأييداً من رئيس الغرف الغذائية باتحاد الصناعات عبد الرحمن عباس، الذي رفض خلال حديثه للصيحة أمس تعديل العقوبة بإلغاء مادة يبقى لحين السداد، مشيرًا إلى أن هذا الإجراء سيكون له تأثير سلبي على مجمل الأداء الاقتصادي، كما أنه يقلل من تحصيل الدولة في الضرائب، وأشار إلى أن تعديل العقوبة سيستفيد منه من أسماهم بالتجار غير الطبيعيين، بجانب أن ذلك سيجبر التجار على التمسك بالبيع بـ(الكاش)، ويلغي نظام التسليف من التعامل في الأسواق ما يؤدي لخروج الكثير من التجار من السوق، ووصف عبد الرحمن فتوى علماء السودان بالجيدة وأنها تصب في جانب إصلاح الاقتصاد السوداني وتمنع المتلاعبين والمضاربين في الأسواق بما يضر ويخرب الاقتصاد.

سلطة تقديرية
أما الخبير القانوني أمين بناني، فإنه يرى حديث هيئة علماء السودان وقولها بأن الأمر سلطة تقديرية متروكه للمحكمة فإن ذلك يعني إلغاء هذه المادة، باعتبار أن المحكمة ليس لها حق الاجتهاد مع وجود نص، وأضاف بناني أن الأقرب للدِين هو أن المعسر لا يسجن لأن الدَين ليس جريمة تستوجب السجن، ويشير بناني في حديثه للصيحة أن هناك ربطاً بين مادة يبقى لحين السداد في القانون المدني والمادة (179) الخاصة بالشيك المرتد. وهنا يكون المتهم دائماً قد استوفى العقوبة الجنائية بالسجن لعجزه عن سداد الدين، وفي هذه الحالة من الأوفق أن يتم تنفيذ السداد عن الطريق المدني، ويرى بناني أن وجود أعداد كبيرة في السجون بهذا الإجراء أضحى أمراً مرهقاً مالياً للدولة من ناحية الصرف على إعاشتهم، كما أنه يعطل هؤلاء الناس من السعي للإيفاء بسداد ديونهم، وفوق هذا فإن له أثره الاجتماعي المتمثل في منعهم من رعاية أسرهم، وما يترتب على ذلك من آثار تربوية وأخلاقية تنعكس سلباً على المجتمع بكامله، لذلك فإن بناني يرى أن يترك المعسر بضمانات معينة ليسعى للكسب لسداد دينه.

مراجعة نظم
ويواصل بناني إفاداته للصيحة بقوله: بأن بقاء المعسر بالخارج أفضل من بقائه في السجن بهذه المادة التي وضعت في فترة من الفترات، لكن التجربة أثبتت أنها لا تقدم حلاً لمشكلة الإعسار، مما يحتم على الدولة أن تتدخل لإلغائها وعلى البنوك أيضاً أن تراجع نظمها التمويلية بحيث لا تمول أي شخص إلا بعد التأكد من موقفه المالي ومركزه وسمعته، بجانب مراجعة النظام المعمول به بحيث يساعد على إسقاط الديون المعسرة لجهة أن النظام المصرفي دائماً هو المدين، واقترح بناني أن تبتدع البنوك نظام التمويل للعجز، أما بالنسبة للأفراد فإن من الأوفق ألا يتم السجن مقابل الدين، لأن النص القرآني أشار إما أن تعفي الدين أو تنظره إلى ميسرة، ويؤكد بناني أن الفتوى التي أصدرتها هيئة علماء السودان في هذا الخصوص غير ملزمة للدولة ولا المجتمع للعمل بها في أي حال من الاحوال لأنها – كما يعتقد بناني – بطريقتها هذه تكون أبعد من روح الشريعة لأن المعسر العاجز عن سداد الدين لا يسجن والسجن أيضاً ليس عقوبة مثالية شرعية في هذه الحالة.

عدم عرض المطلوب
ولعضو لجنة التشريع والعدل بالبرلمان والقانوني محمد الحسن الأمين رأي فيما ذهب إليه رئيس هيئة علماء السودان في حديثه حول المادة (179) إذ يقول الأمين في حديثه للصيحة: يبدو واضحاً ومن نص الفتوى أنه لم يتم عرض التغيير المطلوب لهذه المسألة لهيئة علماء السودان بالطريقة الصحيحة، وبالتالي فإن ما أفتت به الهيئة حولها لا ينطبق على المعاني المقصودة، ويعتقد الأمين أن هيئة علماء السودان قصدت بفتواها عدم إفلات المجرم من العقاب وألا يكون طليقاً، عادّاً ذلك صحيحاً من ناحية المبادئ الإسلامية، وهي فتوى قائمة على مبادئ الشريعة، وهي أن أي شخص أكل أموال الناس بالباطل يجب ألا يفلت من العقاب، لكنه عاد وقال إن المسالة المتعلقة بالفتوى ذات شقين، فالشق الأول متعلق بالمادة (179) من القانون الجنائي وهي معنية بجريمة كتابة شخص لصك (شيك بدون رصيد) وهو متأكد من عدم الإيفاء بالمبلغ، وهذه جريمة يعاقب عليها القانون والنقاش الدائر الآن غير متعلق بها لأنها جريمة، ويشير الأمين في حديثه للصيحة أن الإشكال متعلق بالقانون المدني بعد أن قضى هذا الشخص فترة العقوبة لكنه لا يزال عليه دين واجب عليه سداده لكنه لم يف لأي سبب، مضيفاً بأنه هنا يبقى الجدل. هل يبقى في السجن حتى يسدد؟ أم يترك طليقاً؟ وهذا كما أشرت متعلق بالمادة (234) من القانون المدني التي تنص (على أن الشخص الذي لم يفِ بما عليه من دين يبقى إلى حين السداد)، ومن النص لا يفهم أن هناك جريمة..

ويرى الأمين أنه كان الأحرى بالجهة المستفتية، استفتاء هيئة العلماء بطريقة مباشرة (هل الشخص الذي عليه دين يسجن أم يترك طليقاً؟) مضيفاً بأنه وفي حال هذه الفتوى المباشرة، لجاءت فتواها بصورة أفضل ومغايرة لما صدرت به مؤيدة لسجن المدين المعسر، لأن الفتوى المطلوبة هل يسجن الشخص بسبب عدم الوفاء بالدين الذي فيه أكثر من تقدير للقاضي وتقدير الإعسار؟ وهل يبقى في السجن حتى يسدد؟، منوهاً إلى أن المعسر في هذه الحالة لا توجد عليه جريمة، ولا عقوبة، وأنه يسجن فقط للضغط عليه للسداد وليس هناك سبب لإبقائه في السجن، وبذلك يكون قد قضى عقوبة أدبية في لغة العامة بسبب ارتداد الشيك.

ويمضي الأمين قائلاً: أما جانب السجن بسبب عدم الإيفاء بالدين فهو إجراء مدني وليس جنائياً، وهناك اتفاقيات دولية تمنع السجن بسبب الدين، مشيراً إلى أن العمل به في السودان جاء من باب سد الذرائع لمنع التلاعب بأموال البنوك أو الأشخاص.

لكن هل تعد فتوى هيئة علماء السودان للعمل بها قانونياً؟، على هذا السؤال يجيب محمد الحسن الأمين بقوله: كما ذكرت أن الفتوى لم تؤسس على النحو المطلوب لأن الجهة التى ملكت المعلومات للهيئة لم تؤسس لها ما هو المطلوب لذلك جاءت الفتوى غير مطابقة على الحالة المقصودة، لكن بالنظر للفتوى بالمعني العام هي صحيحة،لأن هيئة علماء السودان تريد منع وسد الثغرات التي تؤدي لأكل أموال الناس بالباطل، لكن من ناحية تأصيل تحتاج لبحث من ناحية شرعية ونواحٍ أخرى، ويذهب الأمين بالقول إلى أن هذه القضية في حاجة لدراسة متكاملة من كل جوانبها في حجم المبلغ وغيره، حتى لا تكون قاعدة عامة نطبقها على الكل.

الطيب محمد خير
صحيفة الصيحة


تعليق واحد

  1. كلام الشيخ واضح وصريح المحكمة تقدر بناءا على حيثيات، المعسر يفكوه والمحتال يسجن الي حين الدفع .. المادة 179 وخلافه ، ظبطوا موادكم بطريقتكم. اتفق مع فتوى الشيخ تماما.