جمال علي حسن

بل ليبقَ إلى ما بعد السداد


التكييف القانوني لهذه الفكرة نتركه للقانونيين فحديثنا وتعليقنا على اتجاهات تعديل المادة 179 ليس منطلقاً من تخصص قانوني بل هو رأي منطلق من داخل ميدان الرأي العام وينظر لتعديل هذه المادة على أنه توجه غير مقبول عند الكثيرين ويفتح بالتأكيد أبواباً واسعة للاحتيال وسوء النية في تحرير الشيكات..
نعم هناك نسبة من المعسرين الذين تسبب عدم الاستقرار الاقتصادي في إعسارهم لكن من يعرف طبيعة السوق والمعاملات التجارية في السودان تبدو الصورة أمامه أوضح حول نسب الاحتيال وسوء النية مقابل نسبة الإعسار والعجز مع حسن النية من بعض محرري الشيكات فالاحتيال والتلاعب بحقوق الناس و(تشغيل قروشهم) هو الغالب.
الشيكات أصبحت عند البعض إحدى المهن الطفيلية الجديدة، حين تسأل عن طبيعة عمل شخص ما في السوق فيقولون لك (دا شغال شيكات طاقية دا في راس دا).
يحدث هذا في ظل وجود هذه المادة المتشددة كما يصفها منتقدوها، وهي التي تحمي حق المجني عليه وتحفظ وظيفة الشيك وهيبته نسبياً حتى الآن.. فماذا سنتوقع في حالة تعديل هذه المادة وتحويل جريمة تحرير الشيكات دون رصيد من جريمة جنائية إلى مدنية؟.. سيقيم المحتالون والجوكية و(المستهبلون) في السوق حفلات ويفرقعون الألعاب النارية ويموت ضحاياهم كمداً وحسرةً وهماً وغماً.
جريمة تحرير الشيكات من دون رصيد في قوانين الكثير من الدول المحيطة بنا يعاقب عليها القانون بالحبس والغرامة التي لا تقل عن قيمة الصك المحرر بسوء نية.
كما أن سوء النية مفترض أصلاً بمجرد إصدار صك لا يقابله رصيد.
يجب ألا تأخذنا العاطفة بالحديث المكرر عن أعداد الذين يقبعون خلف القضبان تحت مادة يبقى لحين السداد لأن مثل هذا العدد أو ضعفه من الدائنين وأسرهم وأطفالهم هم ضحايا لهؤلاء..
لا مجال للحديث العاطفي في قضايا مرتبطة بحقوق الناس وفي اعتقادنا أن توجهات الدولة لتعديل وتخفيف مادة يبقى لحين السداد ستترتب عليها مضاعفة لحالة الغبن في أوساط الدائنين والذي يؤدي إلى لجوء بعضهم إلى خيارات بعيدة عن مسار القانون لاسترداد حقهم بيدهم ما يعني توسيع وتعميق الآثار الخطيرة في هذا الملف.
نعم هناك الكثير من القضايا الأخرى غير (ناس الشيكات) والتي تقع تحت المادة 179 أو ما تسمى بمادة يبقى لحين السداد قد تحتاج لتعديل وتقديرات أخرى في حدود تلك الحالات فقط أما الشيكات في هذا الواقع الذي نعيشه بما فيه من ظواهر وملاحظات قيمية وأخلاقية خاصة في التعاملات المالية فإن المطلوب ليس تعديل المادة لتخفيف العقوبة بل تعديلها لتشديد العقوبة نفسها حتى ولو أصبحت (يبقى لما بعد السداد) حفظاً للحقوق بحسب تقديرات القاضي لطبيعة الجريمة ونوايا صاحب الشيكات.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.