مقالات متنوعة

عبد المنعم مختار : (وجع) الطنابرة !!!


لم تستهويني أغنية في عرف (الطنابرة) مثلما حرضتني على الاستماع أغنية (حبي أنا ليك كان زادي). فهذه الأغنية فيها (عافية) الحس .. وصبينة الشعور (وشفافية) أهل الشمال في عكس (الوجع) وكأنك تشرب في قهوة بالزنجبيل .. فيها صحة التوصيف والوقاية من أمراض التلاعب بالمشاعر والتغريد خارج النص.
إن بدايتها المحببة في استغراق العاطفة يكسبها الصدق .. وأن خاتمتها القاسية ترسم النبل والحزن على رمال النيل البيضاء وتحدد كمية الانفعال بالجرامات وتبين نوعية الاحساس.
كت بضاري من الناس
وخائفة عليهو من العين
والكلمات على لسان فتاة مقهورة بالشجن قدمتها دون تكليف أو مساحيق أو وقوف خلف مرآة عاكسة.
الأغنية حفظت (للطنابرة) الذين اضربوا قبيل الحقيبة مبررات التمرد المنطقي .. لأن قيمة الإبداع عندهم لا تحمل المساومة .. وبين البائع والشاري يفتح الله.
لم احس بتلك القسوة والغلواء لأنها أراحتني على الآخر .. وحفظت للكبرياء المكانة اللائقة بها خصوصاً في ظل (تركيع) الحس الناعم .. واذلال المحبة التي نشأت من أول نظرة..
أتاري أنا كنت فيك مخدوعة
كم من زي مخدوعين
وما قايلاك تلعب بي
تعيش اللحظة بس والحين
وما قايلاك حبيب آلاف
وقلبك قبلة للضالين
وما قايلاك تنسى حبيب
صبر راجيك سته سنين
إن طعم الحنين الموجود في غناء الطنبور هو الذي جعله يتمدد في كل جغرافية السودان دون ملاحظة (شلوخ) الشوايقة و (جرسة) الحب عند شعرائهم ويغذي عيون المنكوبين بالدموع وهو الذي جعل تذوق هذا اللون (المعطون) في الجروف وموشح بسبائط النخيل
كيفن هان عليك تنساهو
زولاً كان عليك حنين
تشغل بالك الاشواك لمن تزبل الياسمين
وكت دايراك بسمة عريضة
في وش الزمان الشين
وكت دايراك وكت الحارة
تبقى لي دخري خزين
انظر لهذه الصورة المفعمة بالتحنان وتحريض الإنسانية وهي تحتمي بهذا الرجل ليكون (ضراها) ويمنحها استمرارية الحياة بشرف ولا تنسى أن تذكره بقيمة السودانيين في الجسارة والشهامة والاحسان
وكت دايراك مقنع حوبة
وكتين المضاري تبين
وكت دايراك فارس أحلامي
تشاركني ونتم الدين
وكت دايراك شريك الروح
أخدمك حافية القدمين
وكت بحلمبك إنت معاي
مجترق بالعديل والزين
وجنبك في شمالك قاعدة
تسمع في دقر ياعين
هذه الأمنيات الممكنة والمستحيلة في عرف الوجد السوداني وضعها (الطنبور) على قافية في قارعة الحنين ليسمعها كل من به صبابة.. هذه الأغنية لا استطيع أن أملها أبداً فهي تقدم الود في عطاء مكشوف يشاهده كل الناس.