مصطفى أبو العزائم

(جوبا).. والطريق إلى الهاوية!


منذ انطلاقة الشرارة الأولى للأزمة بين الفريق “سلفا كير ميارديت” ونائبه الدكتور “رياك مشار” أواخر العام 2013م، ظلت الأفيال تتصارع بينما يدفع الثمن الحشيش.
نعم.. “صراع الفيلة” طحن أبناء الدولة الوليدة وجعلهم تحت رحمة الجيش الحكومي، وفي مرمى نيران الجيش الأبيض المتمرد، وأصبح المواطن المسكين فاقداً للبوصلة لا يعرف وجهته مع منظومة الظلم التي تفتك بالجميع، فإن رضخ لأمر الجيش الحكومي بات في مواجهة نيران المتمردين.. والعكس تماماً، فقد أصبح المواطن أينما اتجه كالمستجير من الرمضاء بالنار.
مواقف الخرطوم كانت محددة وواضحة، تطالب بفك الارتباط بين الفرقتين التاسعة والعاشرة والجيش الشعبي (لتحرير السودان) في المنطقتين، إضافة إلى الإسراع في ترسيم الحدود بين البلدين خاصة في المناطق الخمس التي يختلف حولها الطرفان، مع مطالبة الخرطوم لـ(جوبا) برفع يدها عن الحركة الشعبية قطاع الشمال، والامتناع عن توفير الأرض والسلاح والدعم والمعينات التي تعمل على تقويتها في مواجهة القوات المسلحة السودانية.
الرئيس الجنوب سوداني “سلفا كير ميارديت” وجد نفسه مواجهاً بتحديات داخلية قاسية، وتهديدات أشد قسوة تمثلت في المواجهات المستمرة بين جيش الحكومة والمتمردين، التي نتج عنها هروب مئات الآلاف من مواطني دولة جنوب السودان إلى مناطق أكثر أمناً من مناطق الصراع الدامي الذي يدور هناك، خاصة في مناطق أعالي النيل، وكل المناطق التي يقوم مكونها السكاني على قبيلة “النوير”، والقبائل المتحالفة معها، وهو ما جعل الأزمة تتفاقم يوماً بعد يوم، لينشأ جيش جديد ومهزوم قوامه المواطن الجنوب سوداني الذي وجد الحل في النزوح إلى معسكرات طارئة أنشأتها المنظمات الدولية، أو في اللجوء إلى دول الجوار، حيث كان نصيب السودان هو الأكبر من جملة اللاجئين، خاصة بعدما أعلن السيد رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” أن المواطن الجنوب سوداني يعامل معاملة المواطن السوداني، وأصدر توجيهات لجهات الاختصاص للتعامل مع اللاجئين وفق ذلك التوصيف، فكانت (الهجمة) الضخمة على السودان من قبل المتضررين والفارين من نيران الحرب، لكن أولئك لم يكونوا وحدهم، بل تسربت وسط صفوفهم جماعات وأفراد تم تجنيدهم لخدمة مصالح دولة جنوب السودان، وتم استغلال تلك الظروف الإنسانية القاهرة للدفع بكوادر مخابراتية، سرعان ما تم اكتشافها لينقلب موقف الحكومة السودانية مائة وثمانين درجة، وتدعو من خلال مجلس الوزراء الذي ترأسه الرئيس “البشير” إلى معاملة المواطنين الجنوب سودانيين كأجانب والتعامل معهم وفق القوانين الخاصة باللاجئين والأجانب وتوفيق أوضاعهم.
دافع الحكومة لذلك الموقف وإن لم تعلن عنه، هو استشعارها خطورة (الزحف المنظم) نحو السودان، مع الدعم غير المنقطع من قبل حكومة دولة جنوب السودان للجيش الشعبي لتحرير السودان التابع للحركة الشعبية شمال، ودعم حلفاء الحركة الشعبية شمال ممثلين في مكون الجبهة الثورية التي ضمت كل الحركات المتمردة وحملة السلاح في دارفور، بما وفر لهم الأرض والسلاح والعتاد و(الغطاء) إن دعا الحال، مقابل خوض الحرب ضد متمردي دولة جنوب السودان نيابة عن حكومة (جوبا).. ثم لإضعاف حكومة الخرطوم من خلال توجيه الضربات المتتالية لها، وزرع الخوف في بعض مناطق النزاع بولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وتهجير المواطنين منهما وتقوية الموقف التفاوضي للحلفاء داخل الجبهة الثورية.
هناك خطر آخر لا بد وأن تكون الجهات المختصة قد انتبهت له، بعد أن كشفت تقارير الأمم المتحدة عن أن معدل الإصابة بمرض فقدان المناعة المكتسبة (الايدز) في تنامٍ مستمر بعد أكثر من عامين من الصراع على السلطة، خاصة بعد أن ارتفع عدد اللاجئين إلى أكثر من (120) ألف لأجيء عانوا من ويلات الحرب.. مع ارتفاع عدد المصابين بمرض الايدز.. حيث ذكر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة المشترك لفيروس الايدز أن هناك (190) ألف حالة مسجلة لأشخاص يحملون فيروس الايدز مع وجود (18) ألف إصابة كل عام من بينهم ثلاثة آلاف طفل مصاب في العام.
دولة جنوب السودان تسير حيثياً نحو الهاوية، وقد ضعفت كل مكونات الدولة فيها.. وأصبح الجميع في انتظار صافرة النهاية ليقول المراقبون إن اللعبة انتهت.. (Game Over).