رأي ومقالاتمقالات متنوعة

محمد سيد احمد : قراءة للدلالة ذات المغزى والمحتوى البعيد المدى للمنظومة الخالفة المتجددة التي أوصى بها المرحوم الترابي


> مواصلة لما أشرت له أمس في رؤيتي الخاصة والمتواضعة التي أعربت فيها عن اعتقادي بأن النجاح المرتجى والمأمول والمنشود، لما يسمى بالمنظومة الخالفة المتجددة، التي دعا لها الزعيم التاريخي للحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة، وملهمها ومرشدها الزعيم الإسلامي الوطني الراحل المرحوم الترابي، في سياق المشاركة الفاعلة في الحوار الوطني الجاري في الوقت الحالي، سيكون ممكناً الى حد كبير اذا ما أفلح كل من السيد رئيس الجمهورية المشير عمر البشير والأمين العام المكلف لحزب المؤتمر الشعبي الشيخ الجليل الأستاذ إبراهيم السنوسي في إعادة الصفاء، وتجديد اللقاء والالتقاء من جديد، بين كل من الأستاذ علي عثمان محمد طه ود. علي الحاج محمد، فإن هذه الرؤية الشخصية المتواضعة التي أوحى بها قلمي، إنما تأتي بناء على ما هو معلوم بشأن الدور المحوري الكبير الذي أثبت كل من الأستاذ علي عثمان ود. علي الحاج مدى ما لديهما من قدرة مؤهلة، وذات كفاءة عالية، في التعبير عنه والاضطلاع به، وتجسيده وتطبيقه، وتنزيله على أرض الواقع السياسي، في إطار العمل المتمادي والمتفاني في سبيل التنفيذ العملي للرؤى البعيدة المدى وذات المغزى والدلالة الملهمة، والمتعمقة في تمعنها واستيعابها لما سعى له المرحوم الترابي، وأفنى عمره وجهده وفكره الرامي إليه، منذ أن تولى موقع القيادة والزعامة الرائدة والمتصدرة للحركة الإسلامية السودانية الحديثة والمعاصرة في ستينيات القرن الميلادي الماضي، وحتى رحيله عن الدنيا الفانية الى الدار الآخرة الخالدة في هذه الحقبة والفترة والمرحلة الفاصلة في تأثيرها المحتمل على المستقبل المنتظر للوضع الوطني السوداني بأسره بالمعنى الحضاري الشامل.
> وكما ذكرت أمس، في سياق هذا الإطار للرؤية، فإن المنظومة الخالفة المتجددة، التي دعا لها شيخنا الجليل المرحوم الترابي قبل رحيله، وعمل على الوصول إليها من خلال الحوار الوطني الجاري في الوقت الحالي، إنما تعني، كما أرى، أن تسعى الحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة الى توحيد صفها بكافة تياراتها المتفرعة نتيجة لتأثرها بالتجربة الراهنة للسلطة الحاكمة القائمة منذ تأسيسها لها عبر انقلاب ثوري مدني وعسكري أقدمت على القيام به مضطرة في العام 1989، ثم أن تسعى إضافة لذلك الى الاستفادة من العبر والدروس المستخلصة من هذه التجربة، البالغة الحدة والشديدة الوطأة، لتفادي سلبياتها والبناء على إيجابياتها في العودة إلى مواصلة التطوير والتحديث الرامي للاستمرار في الانفتاح على القوى الوطنية العريقة والحديثة الأخرى والفاعلة والمتفاعلة، ودمج جهودها معها في تحالفات متضافرة ومتلاحمة ومتناغمة ومنسجمة في الملحمة الهادفة للنهضة والارتقاء الوطني والحضاري المتكامل والفاعل على المستوى الداخلي والمحيط الخارجي الإقليمي والدولي على الصعيد السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي… الخ.
وتجدر الإشارة، بناء على ذلك، الى أن هذه الرؤية الملهمة، التي ظل الشيخ الجليل والزعيم الإسلامي والوطني الكبير المرحوم الترابي يعمل من أجلها، ويرمي ويسعى لها، ويأمل فيها، ويتطلع إليها، ويتمادي في التفاني المخلص والصادق والمتجرد لها، برؤية ثاقبة، وبصيرة نافذة وإرادة صلبة، ويقظة متحفزة ومتقدة في الوعي العميق والمحيط والمستوعب لها بكافة أبعادها وجوانبها، كانت قد جاءت متجلية ومعبرة عن نفسها بصورة شاخصة وماثلة لدى الإقدام على تأسيس الجبهة الوطنية الإسلامية للدستور عقب الاستقلال الوطني من الاستعمار الأجنبي البريطاني السابق في خمسينيات القرن الميلادي المنصرم، ثم لدى القيام بتأسيس جبهة الميثاق الإسلامي في ستينيات ذلك القرن، ثم لدى تأسيس الجبهة الإسلامية القومية في ثمانينيات ذلك القرن، ثم تأسيس كل من حزب المؤتمر الوطني الحاكم وحزب المؤتمر الشعبي المنفصل عنه والمعارض له، عندما أدى الاختلاف الجذري في الرؤى الى ما أفضى إليه وحدوث ما يسمى بالمفاصلة المدمرة في أواخر القرن الميلادي الماضي ومطلع القرن الجاري.
> وكما هو معلوم أيضاً فإن السيد رئيس الجمهورية، ورئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم ورئيس المجلس الأعلى للتنسيق بين الحزب والسلطة الحاكمة والحركة الإسلامية المؤسسة لهما. المشير عمر البشير ظل يسعى من جانبه لإرساء دعائم راسخة للوحدة الوطنية السودانية المتماسكة والمنفتحة، والمؤسسة على ثوابت وطنية وحضارية جامعة لكافة القوى والتيارات الفاعلة والمتفاعلة والمتنافسة من أجل السيطرة على سدة مقاليد الحكم والتأثير عليها.
> وبناء على ذلك، فقد ظل الرئيس البشير يدعو ويعمل من أجل تحقيق مثل هذا النمط المرتجى من الوحدة الوطنية والحضارية المرنة والمتلاحمة بين كل من الحركة الإسلامية السودانية الحديثة والمعاصرة من جهة، وحزب الأمة والحركة الوطنية الاتحادية المخضرمة على الجهة والجبهة والضفة الأخرى للمجرى الوطني، وكما هو معلوم فقد اقترح الرئيس البشير في مرحلة سابقة تعديل اسم المؤتمر الوطني وتغييره واستبداله باسم حزب الأمة الوطني الاتحادي في سبيل تحقيق هذا المسعى المأمول والمنشود والمطلوب والمرتجى.
> ورغم أن ما سعى له الرئيس البشير لم يصل الى ما يرمي له على النحو المشار إليه، إلاّ أن مانجح وأفلح في تحقيقه قد تجلى في خطوات متقدمة في المضي قدماً من أجل ذلك وهي خطوات لم تعد خافية، وربما قد يمكن أن تجوز الإشارة الى ما تحقق، في الاستجابة الفاعلة والمتفاعلة مع ذلك بما حدث من قبل تيار الحركة الوطنية الاتحادية العريقة بقيادة زعيمه وملهمه ومرشده الراحل الزعيم الوطني الكبير المرحوم زين العابدين الهندي، ثم ما تحقق مع التيار الأصلي والرئيس لهذه الحركة بقيادة زعيمها وملهمها المرشد الختمي السيد محمد عثمان الميرغني في المرحلة اللاحقة لاتفاقية نيفاشا المبرمة عام 2005 لتحقيق السلام الشامل في السودان، ورغم أن ما تحقق مع حزب الأمة بقيادة الزعيم الوطني الكبير السيد الصادق المهدي قد اتسم بالذبذبة المستمرة والمتواصلة، فإن الأرضية تبدو مهيأة للمضي في المحاولة الهادفة لاستكمال هذا المسعى بمعالجة ناجعة ومتطورة ومستندة ومرتكزة على منظومة خالفة ومتجددة ومستوعبة للأجيال الجديدة المعبرة عن المرحلة الراهنة لظاهرة العولمة المؤثرة عليها بحدة بالغة الشدة وثقيلة الوطأة.
وربما كانت لنا عودة..