يوسف عبد المنان

ما بعد الحرب


نفذت القوات المسلحة وقوات الدعم السريع المساندة لها واجبها في بسط سيطرة الدولة على جبل مرة.. وتأمين الطرق والقرى، لكن العمليات العسكرية أفرزت آثاراً جانبية تمثلت في أعداد النازحين الذين كانوا محتجزين داخل جبل مرة بسبب التمرد الذي يتخذ المواطنين (عمالة) رخيصة تزرع ليأكل التمرد، وتحصد من أجل المتمردين.. وقد تقاعست حكومات دارفور الولائية عن واجبها في إعادة تعمير المناطق التي سيطرت عليها القوات المسلحة، لذلك تدفق (90) ألف من النازحين نحو معسكرات “طويلة” في غرب الفاشر، ومعسكرات “زمزم” و”عطاش”، ليشكل هؤلاء إضافة جديدة لازمة النازحين المتطاولة.. وعجز حكومات ولايات دارفور عن القيام بمسؤولياتها في تأسيس حياة مدنية بعد تحرير الجيش لجبل مرة يعود لفقر تلك الحكومات وهي لا تملك أي شيء ولأنها لا تمنح أي شيء!!
في هذه الأيام تقوم القوات المسلحة بواجبها في جبال النوبة وتخوض معارك شرسة جداً مع المتمردين، استبسل فيها الرجال أيما استبسال، وبدأ مهر التضحيات بصعود أرواح الشهداء بتقدم ابن قرية القضيمة الفارس الشهيد “نور الدين حسين” الشهير بـ(الهرع) الذي زغردت لروحه بنات (الجميعية) والرواوقة، وأولاد غبوش في الوادي (كجار).. وطحنت القوات المسلحة التي يقودها اللواء “ياسر العطا” والفريق الركن “كمال عبد المعروف” قائد القوات البرية في صمت وصبر وثبات، وقد جزع التمرد وبث الله في قلوب قوات “عزت كوكو” الرعب والخوف، وولوا الأدبار مرعوبين في كل من (شات الصفيا) وأنقارتو.. وعمليات الصيف تمضي لوضع التمرد في (علبة) و(معط) ريشه، وقديماً قيل (الممعوط ما بطير).
بعد أن تحرر القوات المسلحة محليات جنوب كردفان من التمرد يفترض أن تبدأ عمليات تعمير تلك المناطق، وإعادة السكان إليها، وتقديم خدمات الصحة وفتح المدارس وانتقال السلطة المدنية من ضباط إداريين وموظفين، وشرطة ونيابات وقضاء لتعود تلك المناطق إلى حضن الوطن بعد أن (نزعت) منه منذ خمس سنوات، وهناك مواطنون كثر موجودون في القرى التي تسيطر عليها حركة التمرد ولا علاقة لهم بها، لكنهم فجأة وجدوا أنفسهم تحت رحمته، استخدمهم دروعاً بشرية.. ورفع صورهم في وسائط الإعلام بدعوى أنهم جوعى ومرضى من أجل تسول الدعم.
الآن واجب الحكومة المركزية وضع خطة إسعافية لإعادة تعمير تلك المناطق، على أن تتولى حكومة الولاية تنفيذها بعيداً عن الصناديق التي فاحت منها الروائح (النتنة) وأزكمت أنوف المدن والحضر، وأن تنشئ الحكومة الولائية مفوضية خاصة بالإعمار والتوطين على أن يتم تعيين مفوض لها من قبل رئيس الجمهورية، تكون تحت إشراف وسلطة الوالي.. وتعتمد ميزانية استثنائية لمواجهة إعادة الاستقرار والتوطين للمناطق التي تم تحريرها من قبضة التمرد إن كانت هناك جدية حقيقية في استقرار المنطقة والقضاء على التمرد.
وفي ذات الوقت، وحتى نصل تلك المرحلة، فالواجب يقتضي أن تنهض كل قطاعات الدولة بمسؤولياتها في دعم الجيش الآن بتسيير قوافل الدعم لكادقلي، وإعداد زاد المجاهدين، وأن تدفع الولايات المقاتلين الآن قبل الغد لسد الفرقة، وأن يخصص البرلمان ميزانية استثنائية للقوات المسلحة حتى يستريح الوطن من التمرد وينكسر ظهر الحركة الشعبية، وتعود لرشدها وترتضي السلام، لأن القتال وحده لن يحقق السلام مثلما التفاوض وحده لن يحققه.
وعلى عاتق أبناء جبال النوبة خاصة في الحزب الحاكم ونعني بأبناء جبال النوبة حوازمة وأولاد حميد وكواهلة ونوبة أن يعودوا لمناطقهم والمساعدة في التعمير والتوطين وبث الطمأنينة في النفوس وزيارة المناطق المحررة بدلاً عن الهتافات (الله أكبر الله أكبر) في الخرطوم ومرافقة المسؤولين المركزيين عند زياراتهم للولاية، ويعودون مسرعين للخرطوم مع أن أغلبهم يعيش على قضية جبال النوبة أو جنوب كردفان.