ضياء الدين بلال

دفن الليل!


في كل يوم تتكشَّفُ معلوماتٌ جديدةٌ عن الطُّلاب العرب ومحاولة تسريب امتحانات الشهادة السودانية.
فُوجئت بمقطع فيديو، يتمُّ تداوله عبر وسائط التواصل الاجتماعي، يحوي مقابلة تلفزيونية بفضائية مصرية، مع وليِّ أمرِ طالبٍ مصريٍّ قيل إنه مُحتجزٌ في قضية التسريب لدى السلطات الأمنية السودانية، ضمن خمسة وخمسين آخرين، أغلبهم من منطقة واحدة، وهي (كفر الشيخ)، وهذا هو الغريب والمُريب!
-2-
للأسف، ما هو متاح من معلومات من الجهات ذات الاختصاص، لا يزال شحيحاً، ويشي بعجز كاملٍ في التعامل مع القضية، بكُلِّ أبعادها وتوفير إجابات مُقنعة لأسئلة مُلحَّة.
رغم مُضيِّ كُلِّ هذا الوقت، منذ الكشف عن القضية إلى اليوم، لا يزال الغموض سيِّد الموقف، بل المُدهش كُنَّا نُتابع قضية الطُّلاب الأردنيين، فإذا بـ(55) طالباً مصرياً يُضافون للقضية.
تصريحات وزارة التربية والتعليم، تُنتج كثيراً من التساؤلات، ولا تُقدِّمُ حتى القليل من المعلومات.
وما هو متاح من معلومات متناقضٌ وهزيل.
-3-
من الواضح أن القضية أخطر وأعمق من الوقائع العينيَّة للأحداث الأخيرة؛ يبدو أن لها جذوراً وفروعاً ومتوناً وحواشيَ.
الصُّدفة وحدها هي التي ساعدت على اكتشاف ما يستدعي الآن الإجراءات المُتَّخذة من قِبَلِ السلطات.
الظنُّ الرَّاجح أنها إجراءات وقائية، أكثر من كونها عقابية، وستكون أكثر فائدة إذا جاءت في سياق تحقيق مُعمَّق عن الأسباب التي تدفع بطُلاب من دول عربيَّة لا تنقصها المدارس الثانوية، للجلوس لامتحانات الشهادة السودانية، رغم اختلاف المناهج وعدم وجود صلات للطُّلاب بالسودان.
-4-
لا أستبعد ما يقال، عن أن للظاهرة علاقة بممارسات سيِّئة، تتمُّ عبر سماسرة متخصِّصين في هذه الأنشطة المشبوهة.
التحقيقات وحدها هي التي ستكشف الأبعاد، وترفع الأغطية عن ما هو مختبئ في العوالم السريَّة.
كثيرٌ من المسؤولين في الدولة، لا يملكون الشَّجاعة للإفصاح عن المعلومات وتوضيح أسباب العلل، ومنافذ التجاوزات وتحديد مواضع القصور، ولهم عقيدة في الصمت، باعتباره البوابة الذهبيَّة للهروب.
اخرون تجدهم دوماً بارعين في التَّبرير والتَّسويف وإطلاق التَّصريحات الصابونيَّة، التي يصعب الإمساك بها.
-5-
صحيحٌ أن مثل هذه القضايا لحساسيتها تستدعي عدم التعجل في إصدار الأحكام، وتحديد قوائم الاتهام؛ ولكن مع ثورة المعلومات وسهولة وسرعة تشكيل الانطباعات، ورسم الصور الذهنية، لا بدَّ من تقديم ما يؤكد الجدية في كشف الحقائق؛ لذا من المُهمِّ صدور قرارات تتجاوز إلقاء القبض على الطلاب إلى البحث عن الشبكات التي تدير هذا الأمر من داخل الوزارة أو خارجها، وما هو أهم لا بد من تمليك الحقائق بكل شفافية ووضوح للرأي العام، حتى تُعاد الثقة في المؤسسة التعليمية السودانية؛ فبكُلِّ تأكيد ما هو متداول الآن ألحَقَ بها كثيراً من الأضرار والأذى.
-6-
قناعتي أن الجهاز المناعي للدولة السودانية ضعيف وغير فاعل في مواجهة الفيروسات المستوطنة أو العابرة للحدود.
أجهزة الرقابة الإدارية والمحاسبية ضعيفة، لا ترصد ولا تتابع، الصدف وحدها هي التي تكشف التجاوزات والعمليات السرية ذات الطبيعة الإجرامية، وحتى بعد الاكتشاف تأتي العقوبات ضعيفة وغير رادعة، بل في بعضها إغراء لآخرين بأن عواقب ما يفعلون أقل وقعاً عليهم من المكاسب التي يجنونها في مغامراتهم.
أمرٌ آخر لا بدَّ من لفت الانتباه إليه، وهو أن كثيراً من المؤسسات لضعف الميزانيات واتساع قاعدة الاحتياجات، تجدها تتساهل في تطبيق القوانين واللوائح في مقابل الحصول على المال، خاصة من العملات الأجنبية ذات الوزن والقيمة، ومن هذه المنافذ يتسلل السماسرة والمجرمون.