مقالات متنوعة

احمد مصطفى التاي : إذا لم تستحِ


قبل شهرين من الانتخابات الرئاسية العام الماضي كان الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل يتحدث في مؤتمره الصحافي عن جملة أشياء من بينها البرنامج الانتخابي للمؤتمر الوطني والذي قال إن من أهم ملامحه، الاستمرار في “الإصلاح الشامل” وتأمين “الحرية” للجميع، في وقت كانت الرقابة الأمنية تقض مضاجعنا، وطبعاً الكلام “شالو الهوا”، وذهب أدراج الرياح، فلا إصلاح شامل أنجزوا، ولا الحريات أفرجوا عنها.. مناسبة اجترار هذه المغالطات التي وردت على لسان إسماعيل يومذاك، هي أنني سمعت مسؤولاً بالمؤتمر الوطني في لقاء عام يطلب من العضوية الاستعداد لانتخابات 2020، (ياخ نحن انتخابات 2015 فهمنا منها حاجة )..
الآن وهم يستعدون للانتخابات المقبلة، إذا سألنا أي شخص من المؤتمر الوطني وذكرناه بالوعود “المضروبة” والتعهدات “الفالصو”، والبشريات “السراب” سينبري للمغالطة والجدل السفسطائي، واللجوء إلى فلسفة التبرير وفنونه، ويؤكد لك أن كل الوعود قد تحققت، وأن العيب فيك أنت الذي تجادله لأن نفسك بغير جمال، والذي نفسه بغير جمال قطعاً لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً، أو أنك تنظر بعين السخط التي تبدي “المعائبا”، ويؤكد لك أن الحرية في السودان أفضل من أمريكا وأوربا، وأن مستوى دخل الفرد في السودان هو الأفضل في أفريقيا والخليج، وسيثبت لك أنت “سيد الكارو المشلهت” الذي تتحدث معه أفضل منه حالاً من حيث الدخل الشخصي، وسيثبت لك أن نسبة الفقر في السودان هي الأقل عربياً وأفريقياً..و..و.. طبعاً… وهو نحن حنعرف أكتر من الحكومة..
هؤلاء القوم ما عادوا يتورعون أبداً في إطلاق الوعود والتعهدات والبشريات ولا يحملون هم أن تتحقق تلك الوعود أم لا، أو أن يقول الناس عنهم إنهم كاذبون، لا يرون عيباً ولا حرجاً في أن يخرج وزير المالية أو غيره ليعلن في الناس أن موازنة العام ليس فيها زيادة لأسعار الوقود أو الغاز، وليس فيها رفع الدعم عن الكذا والكذا، ولا يلبث إلا قليلاً حتى يرى الناس عكس ما بشّر به، وليس هناك تفسير غير واحد وهو افتراض السذاحة وفقدان الذاكرة في الآخرين.. وإذا أبديت تبرماً من هذا سيذكرونك بأفضال الإنقاذ عليك وهي التي علمتنا “البيتزا والهوت دوغ” ودولاب الملابس الممتلئ بعد أن كان قميصاً أو اثنين، وكذا قصة الصابونة..
للمؤتمر الوطني أن يقول ما يريده في كل مناسبة طالما أن الأمر مجرد كلام والسلام، وطالما أنه لا أحد يحاسب أحداً على (قول) أو (فعل) أو أي ممارسة سياسية خاطئة، وطالما أنه متيقن من أن الناس يعيشون بلا ذاكرة، فيقل ما يشاء ..
المؤتمر الوطني لا يزال يتوهم أن هناك حريات وإصلاحاً شاملاً قد حدث وبشّر به الناس في برنامجه الانتخابي السابق وسيبشرهم به كذلك في “اللاحق”، ويفترض أنه حقيقة يشعر بها وحده، وليس هذا فحسب بل يفرض على الآخرين أن يشاركوه هذا الشعور الزائف المحرّف المزّور، أو ليتبوأ مقعد العمالة والارتزاق والخيانة..
هذا التسلط والكبت ما من شك أبداً حمل الناس حملاً على النفاق السياسي والرياء، وهل من إفساد لأخلاق الناس أكثر من هذا، وهل من إفساد للحياة السياسية أكثر من ذلك..
أريد والله فقط أن أعرف ولو جزءاً يسيراً من نتائج الإصلاح الشامل الذي رفع المؤتمر الوطني شعاره منذ أن بشّرنا بالجمهورية الثانية، ثم ببرنامج الإصلاح الشامل والذي انتهى بتغيير بعض الأشخاص فيما تبقت السياسات المتكلسة كما هي بل أسوأ مما كان عليه الحال قبل وثيقة الإصلاح الشامل الذي أعلنه، والآن نحن في رحاب برنامج إصلاح الدولة ونسمع “جعجعة” ولا نرى طحيناً، ربما لأننا ننظر بعين السخط، أو أن نفوسنا بغير جمال.. الإصلاح ليس بتغيير الأشخاص وحدهم، وما فائدة التغيير والإصلاح إذا استهدف الأشخاص، واستثنى السياسات..
اللهم هذا قسمي فيما أملك..
ـ نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.