أبرز العناوينحوارات ولقاءات

حوار مختلف مع القيادي الجنوبي “عبد الله دينق نيال”: هذه قصة صفعي النائب البرلماني واحتدادي مع الرئيس البشير، انتهاء باعفائي من الوزارة


حوار مختلف مع القيادي الجنوبي “عبد الله دينق نيال” (1-2)

نشأت مسلماً عكس الفطرة أذهب إلى الخلوة ووالدي نصرانياً ملتزماً
أصبحت وزيراً للأوقاف بعد تسعة أيام من مجيء الإنقاذ.. وهذه قصة الترشيح…!
هذه إرهاصات المفاصلة.. وكنا عارفين إننا ماشين على صدام لأن الخلافات زادت
لم أندم على اختياري لـ(معسكر المنشية) لأنني كنت على حق

حوار ـ هبة محمود- المجهر

داخل مكتبة مُجمع اللغة العربية بشارع الجمهورية، جلس القيادي الجنوبي “عبد الله دينق نيال” المنحدر من قبيلة (الدينكا) يقلب بين الأوراق وينهل من علوم لغة الضاد، يبحث هنا وهناك، دون أن ينسيه بحثه ذاك الصراع القائم في الجنوب، وتلك الدماء التي أريقت والتي لم يجدِ معها الانفصال نفعاً.
في حديقة المُجمع جلست إليه أتبادل معه أطراف الحوار، أقلب بين ذكرياته وأسترجع معه تلك اللحظات التي أخذته من مهنة التدريس لترمي به في دروب السياسة الوعرة والشائكة، ودهاليز الحركة الإسلامية التي التحق بها عندما كان طالباً بـ(الأزهر الشريف) بـ”القاهرة”، كان “عبد الله” شديد الحب والولع بالدين الإسلامي الذي اختاره ديناً له منذ صغره، رغم نشأته في أسرة (نصرانية)، حيث إن والده كان (نصرانياً ملتزماً)، يذهب إلى الكنيسة أسبوعياً ويقرأ الكتاب المقدس يومياً، ولكن ظل يردد دوماً (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)، وعلى هذا النهج كبر (المسلم الصغير) قابضاً على جمر دينه، حاملاً لقضايا وطنه. سألته عن أشياء كثيرة في مسيرته الحياتية وتنقله بين المناصب الوزارية، تحدثنا عن المفاصلة، واختياره لـ(معسكر المنشية)، وما هو شكل حكومة الجنوب عقب الانفصال، وما الذي عجل برحيله من منصب وزير الكهرباء بـ(دولة الجنوب) عقب ثلاثة أيام من توليه المنصب والكثير من الأسئلة التي تطالعونها في حلقتين..
{ ونحن نقلب معك بعض الذكريات.. بداية كيف كانت نشأتك الدينية (الإسلامية)؟
– أنا لم أنشأ إطلاقاً في أسرة مسلمة، والدي رجل مسيحي ويعمل معلماً منذ الثلاثينيات، وتتلمذ على يديه أشخاص أصبحوا لاحقاً زعماء أمثال “جوزيف لاقو” و”أبيل ألير”، لقد كان والدي (نصرانياً)، جاء مهاجراً من “بور” في أواخر الخمسينيات واستقر به المقام في “الرنك” شمال أعالي النيل، ولأنها ـ أي الرنك ـ كان طابعها الإسلام حيث أغلب سكانها مسلمون في ذاك الزمان، وبحكم نشأتي مع أترابي من (المسلمين)، أصبحت مسلماً فقد كنت أذهب معهم إلى الخلوة والمسجد، يعني أنا في عمر أربعة أو خمسة أعوام كنت ارتاد الخلوة الملحقة بالمسجد العتيق في “الرنك”، وكنت (أعمل نفسي) مسلم، رغم أنني لست في سن يقرر إسلامي من غيره ورغم نصرانية أمي وأبي.
{ ألم يؤثر والداك على (إسلاميتك)؟
– على العكس تركوني وراحتي، بل كنت أصوم (رمضان) ويصنعون لي طعام الإفطار، ويحضرون لي (جلابية العيد) وكذا، وكنت أذهب لصلاة العيد، رغم أن والدي نصراني ملتزم يذهب إلى الكنيسة، وكان يلبي لي طموحاتي (كشافع) مسلم.
{ في هذا الجو بين أقرانك وأسرتك كيف كانت صلتك بالنصرانية؟
– ما عندي صلة بالنصرانية أبداً، كنت أذهب مع أبي إلى منطقة تسمى “السالم بنجة”، لأن منطقة “الرنك” في مطلع الستينيات لم تكن بها كنيسة واحدة، ولذلك كانت “السالم بنجة” جنوب الرنك، تحوي كنيسة كاثوليكية مشيدة منذ وقت طويل وكنت أذكر القسيس تماماً، فقد كان ايطالياً أبيض البشرة معقوف الأنف وعيونه خضراء اللون، يتحدث لغة (الدينكا) بطلاقة، ورغم إعجابي به إلا أنني لم أمل إليه، بل كنت كثيراً ما أسأل أبي عن طبيعة دينه الذي لا يحوي ركوعاً أو سجوداً، وكنت رغم حداثة سني ألحظ ذاك الاختلاف بين ديني وما يفعله أبي مع هذا القسيس، كنت أشعر كأنهم جماعة معزولة في بحر.
{ عشقك لوالدك وإعجابك بالقسيس ألم يجعلانك تعدل عن رأيك حول الإسلام؟
– أنا كنت أحب والدي جداً، لكن دينه دا ما حبيتو.
{ سبحان الله؟
– ضاحكاً.. (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)، أبي كان نصرانياً ويقرأ يومياً الكتاب المقدس وكل يوم (أحد) أذهب معه بـ(العربية) إلى الكنيسة بالعكس، لم أحاول أن أفعل ما يفعلون، بل كنت أفعل ما يفعله المجتمع من حولي، درست في المدارس “الدين” و”السيرة النبوية”، وكنت في كل مرحلة تمر ازداد ثقلاً بالدين الإسلامي ويتضح لي ماذا أفعل.
{ ألم تحاول أسرتك التأثير عليك عندما كبرت؟
– أبداً، أنا كما ذكرت لك كنت أصوم “وأهلي يعملون لي أكلي براي” ولم يؤثروا عليّ، لأنني أعتقد أن الأديان في الجنوب ليست لها جذور عميقة، حتى في النصرانية فما كان في جذور تؤدي إلى التعصب.
{ إذا تحدثنا عن “القاهرة” كمحطة درست بها.. كيف كانت بالنسبة لك وما الذي اكتسبته منها؟
– يوم 26 ديسمبر سنة 76 وصلت “القاهرة” في منحة دراسية قادماً من الجنوب إلى (جامعة الأزهر) بعد أن أعطانا الأزهر منح دراسية، وأنا كنت ضمن عدد من الدارسين، ولذلك سافرنا عبر “وزارة الشؤون الدينية والأوقاف” في الخرطوم وتم إخطارنا بذلك، وفي يوم 1/ 1/ 1977م كنا منسوبين للكليات المختلفة، وأنا كنت منسوباً لـ(كلية اللغة العربية شعبة عامة إلى أن تخرجت في (مايو 82) فيها بدرجة الإجازة العالية في “اللغة العربية وآدابها”، لم تكن مصر غريبة عليّ، كنت أشاهد المسلسلات والأفلام وأعرف عنهم ظُرفهم وفكاهتهم، ولم يكن غريباً عليّ أن أعيش في مجتمع مثل مجتمعها، يمكن أكثر شيء تعلمته من العيش بها هو أن كل فرد يجيد عمله ويتقنه ويدقق فيه، بجانب أنني تعلمت من الشعب المصري البال الطويل والنظام إلى حد ما، فهم أشبه إلينا في الفوضى، لكن في داخل الوحدات الحكومية تجد الانضباط والاحترام.
{ داخل الجامعة التحقت بالحركة الإسلامية؟
– في الجامعة كنت أتعاطف مع الاتجاه الإسلامي لأني مسلم من الجنوب، كانت هناك اتجاهات كثيرة (بعثيين ـ ناصريين ـ شيوعيين)، وأنا طبعاً كان لازم اختار التيار الإسلامي، ولو ما مشيت معاهم كنت بتعاطف معهم.
{ عقب الجامعة اخترت التدريس مهنة لك؟
– أنا أصلاً كنت معلماً في الجنوب منذ (1974م)، عينت معلماً في مدارس الأساس أدرس “اللغة العربية” و”الدين”، ودا الصلح لساني وأداني دربة ومران وخلاني أتمكن من “اللغة العربية”، فلما مشيت الأزهر، وزارة التربية والتعليم العام اعتبرتنا معلمين معارين للدراسة الجامعية، وعندما أنهيت دراستي في عام 82 تم نقلي إلى المدارس الثانوية، ثم ابتعثتني الوزارة لدراسة (الماجستير) في الخرطوم عام 1983م، وبعد ذلك عدت للجنوب معلماً للثانوي، وفي أكتوبر 85 تم تعييني محاضر مساعد (كلية التربية – شعبة اللغة العربية جامعة جوبا)، ومكثت بها إلى أن جاءت الإنقاذ عقب الانقلاب، وبعد 9 أيام أصبحت وزيراً للإرشاد والأوقاف.
{ بجانب التدريس كنت تمارس نشاطات سياسية؟
– كنت عضو الجبهة الإسلامية، فكما ذكرت سالفاً، انضمامي للحركة الإسلامية كان نشاطاً طلابياً منذ زمن الجامعة، ولما تكونت الجبهة الإسلامية هنا، حضرت التأسيس في أم درمان بـ(قصر الشباب والأطفال) وبقيت عضواً فيها.
{ عند قيام الإنقاذ أين كنت؟
– كنت في الخرطوم.
{ يعني كيف دخلت تشكيلة الحكومة الجديدة؟
– أنا كنت عضو الجبهة الإسلامية، والناس العملوا الانقلاب ديل إسلاميين وعارفني يعني، ففي اليوم الثاني من الانقلاب جاني واحد وكان يوم (سبت)، وطلب مني أن أشارك في الوزارة وأكون وزير الإرشاد والأوقاف، وحينها انتابني قلق فقلت له: (إنت عايز تضيعني ولا إيه أنا لسه ما أتزوجت وشباب).
{ منو عرض عليك منصب الوزارة؟
“فضل السيد أبو قصيصة” رحمه الله، وهو أحد شهداء طائرة (ربكونا) التي سقطت بـ”بانتيو” في سبتمبر 1993، ومعه نسيبي “محمد الرضي جابر”.
{ قلقت من شنو؟
– لان الانقلاب جديد عمره يوم وما معروف البيحدث شنو.
{ ووافقت؟
– إصرار “أبو قصيصة” عليّ جعلني أوافق، فيبدو أنه كان قد كلف بتبليغ الأشخاص الذين تم اختيارهم للحكومة الجديدة، المهم أصر عليّ وقال لي “ديل ناسنا وكدا”.
{ توقعت أن يستمر حكم الانقلاب الجديد 26 عاماً؟
– لا لا.. ما أتوقعت، أنا كانت عندي مخاوف لأني ما كنت عارف حجم العمل اللي اتعمل شنو، وغير كدا البلد كانت في ظروف سيئة وعشان كدا شعرت بمخاوف كثيرة وقلق.
{ من التدريس للوزارة.. تفاصيل أول يوم؟
– كانت حاجة جديدة عليّ، لكن لقيت تعاون من ناس استقبلوني استقبال رسمي.
{ كنت حينها أصغر وزير مش كدا؟
– كان عمري 35 سنة.
{ كم من الوقت مكثت بالوزارة؟
– أربع سنوات منذ عام 89 وحتى مايو عام 93، وكنت إلى جانب وزارتي أنوب عن وزير الخارجية “علي سحلول”، ووزير التربية والتعليم الاتحادي، وأسير عملهما بدلاً عنهما حال غيابهما لأي ظرف.
{ إنجازات تحققت وأخرى لم يكفِ الوقت لها؟
– عقب ترأسي منصبي الوزاري، جابوا ليا فريق عمل ممتاز جداً من الجامعات يضم شخصيات ممتازة، مثل وكيل الوزارة الدكتور “أحمد خالد بابكر” ومدير عام الأوقاف دكتور “أحمد المجذوب”، وكان فريق عمل ممتاز وعملنا عملاً جيداً في الزكاة والأوقاف، يعني كل معالم الزكاة الموجودة الآن قامت في فترة الأربع سنوات حينما كنت وزير الإرشاد والأوقاف، أيضاً أتوا لي بمولانا “محمد إبراهيم محمد” أمين عام ديوان الزكاة، وهو قاضٍ شرعي وعضو محكمة عليا، وقام بتطوير الزكاة وعمل المباني الانتو شايفنها دي فيمكن أن تقولي إننا أحدثنا ثورة في هذه الفترة في الزكاة والأوقاف، التي تم تطويرها وحصرها لأول مرة في السودان، حيث قام دكتور “أحمد المجذوب”، قام بحصر جميع الأوقاف وتصنيفها، أيضاً الدعوة كذلك نشطت في ذلك العهد، فقد أحضرنا علماء أقاموا دعاوى والقوافل في كل السودان، لكن بالرغم من دا فإننا لم نبلغ الطموح، لان العمل حجمه كبير والمطلوب كان أكبر.
{ ما الذي عجل برحيلك من الوزارة عقب هذه الثورة التي أحدثتموها؟
– تم نقلي إلى وزارة السلام وإعادة التعمير لان البلد كانت في حالة حرب، وهي وزارة معنية بالنازحين والإغاثة والشؤون الإنسانية وعلاقات المنظمات الطوعية وجزء من مباحثات السلام كنت اشترك فيها، لكوني عضو وفد الحكومة في المفاوضات السلام ومكثت بها سبعة أشهر.
{ الحرب والمفاوضات مستمرة.. وأنت تترك منصب وزارة السلام لتصبح والياً لولاية “النيل الأبيض”؟
– عندما تم تشكيل الولايات تم تعييني أول والٍ لولاية “النيل الأبيض”، ومكثت بها سنة وثلاثة أشهر، أحدثنا بها شغل لأنها ولاية جديدة وبها مشاكل كثيرة خاصة في مجال التعليم ومجال الصحة والأمن وكله.
{ مرة أخرى تعود إلى المركز ولكن داخل البرلمان كيف كان الوضع؟
– تم تعييني رائد مداولة في المجلس الوطني ضمن ثلاثة رواد للمداولة في البرلمان، ومكثت حوالي ثلاث سنوات وشوية إلى أن حدثت المفاصلة، إلى جانب ذلك كنت عضواً في المكتب القيادي ونائب رئيس الشورى في المجلس الوطني فيما يتعلق بالجانب الحزبي.
{ ما هي الإرهاصات التي سبقت المفاصلة.. هل توقعت حدوثها؟
– أيوة كنا عارفين انو نحن ماشين على صدام، لأن الخلافات كانت على قضايا أساسية في الدستور (قضايا انتخاب الولاة)، ودي كانت القضية المختلف عليها، وما كنا مقدرين انو يصل إلى درجة إصدار قرارات أشبه بالانقلاب رغم أننا كنا عارفين انو خلاف شديد.
{ لحظة وقوع (المفاصلة) أين كنت؟
– في “اليمن”.
{ لماذا اخترت الذهاب لـ”المنشية”؟
– لأني كنت مؤيد جانب انتخاب الولاة ودا الخلاني أمشي مع شيخي “الترابي”، أنا من الأول كنت واضحاً.
{ ندمت لاختيارك (معسكر المنشية)؟
– أبداً ما ندمت لأني كنت على حق.

حوار مختلف مع القيادي الجنوبي “عبد الله دينق نيال” (2-2)
هنالك (مليشيات) قاتلت مع الحكومة ولكنها (بيعت)، فاضطر جنوبيو الداخل للإنضمام للحركة
* عند الاستفتاء ، صوت للانفصال ، لانو كان رغبة أهلي
* هذه قصة صفعي النائب البرلماني واحتدادي مع الرئيس، انتهاء باعفائي من الوزارة
حوار ـ هبة محمود
* تفاجأت باختياري ، مرشحاً للحزب، في الانتخابات الرئاسية

{ عقب خمسة أعوام من المفاصلة أتت نيفاشا بـ(سلبياتها) و(ايجابيتها).. في كلمات، كيف قرأت بنود هذه الاتفاقية؟
– نيفاشا كانت تفصيلاً لمذكرة تفاهم وقعناها مع الحركة، والتي بسببها تم الزج بنا في السجون، حيث تضمنت تسع نقاط، ولكن نيفاشا دخلت فيها كونفدرالية قرنق دون أن يذكر، بحيث إن الجنوب أصبح خارج سلطة الدولة، والرئيس السوداني ما كان عندو سلطة على الجنوب بعد نيفاشا، يعني الجنوب كان يدير نفسه عبر حكومة الجنوب.
{ من خلال نظرتك للاتفاقية وبنودها.. هل كنت تعتقد أن العمل على خيار الوحدة الجاذبة يمكن أن يجدي نفعاً؟
– أبداً ، لأن نيفاشا فصلت الجنوب، والذي عُمل كان مجرد إخراج، أنا قلت ليك الجنوب خرج من سلطة الدولة في الشمال!.
{ يعني كنتم تعلمون النتيجة مقدماً؟
– يعني رئيس جمهورية لا يستطيع أن يزور الجنوب إلا بإذن حكومة الجنوب دا معناهو شنو؟ إن الجنوب ماشي في طريقه للانفصال، ودا كان واضح في الأيام الأخيرة، لذلك حاولوا إنقاذ ما يمكن إنقاذه بما يسمى بالوحدة الجاذبة.
{ أين دوركم أنتم (جنوبيي الداخل) من العمل على ضرورة الوحدة؟
– نحن تم إقصاؤنا من الجنوب، ولم يتم إشراكنا في الفترة الانتقالية (ست سنوات)، و(70%) من الجنوب تم إعطاؤه للحركة الشعبية (سلطة ومال)، أضف إلى ذلك أنهم كانوا يمتلكون جيشاً غير الجيش المشترك مع الحكومة، يعني (جنوبيو الداخل) لو اشتركوا مناصفة أو قريباً من المناصفة لاختلفت النتائج، هنالك (مليشيات) قاتلت مع الحكومة ولكنها (بيعت)، ولذلك اضطر جنوبيو الداخل أن ينضموا للحركة، وكان ممكن يقيفوا مع الحكومة لو أنهم أشركوهم في الحكم، عشان كدا كان واضحاً أن الاتفاقية فصلت الجنوب، والحكومة حاولت تصلح ما يمكن إصلاحه عبر الوحدة الجاذبة، لكن سبق السيف العذل.
{ عقب الاتفاقية والانتخابات كانت المفاجأة أن يتم ترشيحك أنت من قبل حزب (المؤتمر الشعبي).. هل توقعت هذا الترشيح؟
– الحزب عمل شوري. نحن كنا أربعة مرشحين، لكن مجلس الشورى اختارني بنسبة (76%) . وكان دا قرار الحزب، وأنا ذاتي فوجئت.
{ ما هي فلسفة شيخ “الترابي” عليه رحمة الله في ترشيحك لرئاسة الجمهورية؟
– ضاحكاً والله ما عارف، لكن أنا البعرفو انو الحزب بمبادرة من الأمين العام، وافق على ترشيحي، جائز يكونوا عايزين يعملوا وحدة جاذبة.
{ يقال إن “الترابي” دفع بك رامياً إلى الوحدة؟
– جائز.
{ توقعت الفوز؟
– لا.. لأننا كنا نعلم أن الحكومة ستعمل على تزوير الانتخابات، لكننا كنا عاوزين نرسخ تجربة.
{ في الاستفتاء لمن صوت؟
– أنا صوت للانفصال، وجابتو قناة (الجزيرة) في برنامج ضيف المنتصف، دي رغبة أهلي لان التيار بقي واضح.
{ عقب الانفصال ، وأنت تحزم أمتعتك في طريقك إلى الجنوب.. ما هو شعورك وأنت تفارق وطنك الشمال الذي ترعرعت فيه، والشماليين الذين تربيت معهم؟
– أنا إلى الآن شمالي، ولكني كنت أشعر بقلق وحزن وأنا في طريقي مغادراً نحو بلدي الجنوب، إحساسي كان زي وكأنني فقدت أحد أطرافي، ولكن كان هذا واقعاً وقدراً لازم الزول يمشيهو.
{ كيف استطعت التأقلم مع الحكومة هناك.. وكيف كان شكلها؟
– طبعاً أنا في البداية كنت رئيس حزب (المؤتمر الشعبي) وعضواً في مفوضية المراجعة الدستورية في الجنوب، وأستاذ في جامعة جوبا، وأتيت الحكومة بعد سنتين، حيث تم تعييني وزيراً للكهرباء والسدود والمياه لمدة ثلاثة أيام، ثم تم إلغاء القرار لأن الكتلة البرلمانية اعترضت عليه، واجتمع ما يفوق الثلاثمائة عضو، وقالوا للرئيس (كيف تجيب الإسلامي هذا وتعينه وزيراً لأهم وزارة خدمية)، وتعللوا للرئيس بأنني من الممكن أن أنجح في الإتيان لمدينة “جوبا” بالماء والكهرباء، لأن العمل فيها بالمولدات، فهم كانوا خائفين من نجاحي، واستطرد: غريبة أنهم يعترضوا على شخص ممكن أن يحقق خدمات ضرورية للمنطقة.
{هل تعتقد أنهم سعوا وراء سوء الأوضاع المعاش بالجنوب الآن؟
ما عارف.. يسألوا هم عن هذا الأمر، ولكن منطقهم كان غريب، حتى أن الرئيس رد عليهم ،واتهمهم بالفشل، وقال لهم أنتم من 2005 وحتى 2013 فشلتم في أن تأتوا للعاصمة بالكهرباء أو المياه، ولك أن تصدقي أن موية مفلترة ونظيفة في المواسير غير موجودة، المستطيعون في الجنوب يشربون مياهاً معدنية، أما باقي الشعب فيشرب مياهاً ملوثة، وبعد رد الرئيس عليهم ما كان منهم إلا أثاروا موضوعاً آخر، فقالوا إنني من مدينة “بور” وهناك وزيران آخران من نفس المنطقة أيضاً، كيف له أن يأتي من “بور” فقط بثلاثة وزراء اتحاديين، فقد كان هناك وزير دفاع ووزير الإعلام وأنا من نفس المنطقة.
{ بماذا أجابهم الرئيس؟
– رد عليهم قائلاً: ( نحن جبناه من حزبه ما جبناه لانو هو من بور لكن صادف أن يكون من بور)، وبعد ثلاثة أيام قام الرئيس بإعفائي من منصب “وزارة الكهرباء والسدود” ونقلني إلى وزارة البيئة، ومكثت بها حوالي أربعة أشهر تقريباً.
{ صفعك للنائب البرلماني هو الذي عجل برحيلك من وزارة البيئة؟
– أيوة، فالرجل كان على قرابة مع الرئيس.
{ لماذا أقدمت على مثل هذا التصرف وأنت قبل كل كنت وزيراً للإرشاد؟
– لأنه كان يجلس بالقرب مني و(يشتمني)، يعني ما كان في طريقة، غير أن أضربه، يمكن لو كانت المسافة بيني وبينه بعيدة كان من الممكن أن تمتص غضبي، أنا كنت في قمة الغضب لأنه سب (أمي وأبوي)، وتصرفت هذا التصرف وكان تصرفاً لا إرادي، والإنسان لما يكون في قمة الغضب يكون غير مدرك لما يفعل.
{ هذا التصرف انقص منك واهتمت به الوكالات العالمية حتى صحافتنا هنا؟
– والله للآخرين أن يقولوا ما يقولوا، أنا كنت مثاراً لأقصى درجة والقانون الجنائي يحميني، ولو كنت قتلته القانون سوف يحميني.
{ على ماذا كان خلافكما؟
– دا كان قدر عارض، نحن كنا في البرلمان في مكتب رئيس لجنة التشريع والعدل، وأنا عادة قبل بدء الجلسة أميل إلى الجلوس في مكتبه عندما يكون المجلس منعقداً، وهناك ألتقي بأعضاء برلمانيين ووزراء، نجلس لتناول فنجان قهوة ونتحدث في السياسة العامة، وهذا الشخص عندما دخل علينا وجدنا نتحدث في موضوع (أبيي)، سلم علينا وجلس إلى يميني، وبدأ يشترك معنا في الحديث، وقال إن ناس أبيي مش فاضين للحكومة ولا “الأمم المتحدة” ولأي شخص، وعملوا استفتاءهم وقرروا مصيرهم أن يتبعوا للجنوب، في هذا الأثناء رد عليه وزير العدل السابق “جون لوك”، وقال له إن هناك برتوكولاً لأبيي، ومن ضمن البرتوكول أن يقوم بالاستفتاء ثلاث جهات، وهي حكومة السودان وحكومة “جنوب السودان” و”الأمم المتحدة”، وما فعله سكان “أبيي” لا قيمة سياسية وقانونية له، وأنا هنا قلت له إن “أبيي” نفسها واقعة في مملكة قديمة تسمى (مملكة تقلي) وهي مملكة نوبية، وما أن فرغت من حديثي حتى وجدته يسيئني بفاحش القول ويتهمني بالخيانة وبيع الجنوب، وحتى هذه اللحظة لم أزعل لانو دي كانت شتائم سياسية، فسألت الناس وقلت لهم من هذا؟، وقبل أن يجيبوني وجدته يسب (أمي وأبي)، ولذلك قمت بصفعه لأنني شعرت بأن هذا الرجل بحاجة إلى تأديب.
{ على الفور قام الرئيس بإعفائك؟
– الرئيس كان في “الكويت” لحضور مؤتمر قمة عربي وأفريقي، اتصلوا به وحكوا له الواقعة، وقالوا إنني اعترف بشمالية “أبيي”، وطبعاً الرئيس جاء مشحوناً من هناك، وفي اجتماع يوم (الجمعة) في مجلس الوزراء اجتمعنا، ولما بقت الساعة واحدة ونص ظهراً استأذنت لأداء صلاة (الجمعة)، عندها الرئيس تذكر الموضوع، وقال لي: (إنت ضربت زول يا السيد الرئيس)، فقلت: له نعم، لكن ناديني في المكتب لان هذا مجلس وزراء ولا ينفع لمناقشة هذه الأمور، فقال لي لا هذا الأمر يجب أن يناقش هنا، وعندها جلست وسردت له تفاصيل ما حدث، فدخل معي في نقاش وعندها احتدينا و…
{مقاطعة.. هل تدخل أحد الحاضرين؟
– أبداً مافي حد تدخل، أنا والرئيس حوالي نص ساعة نتحدث واحتدينا، لان كلامه بالنسبة لي لم يكن منطقياً، فقد كان يقول لي ما كان تضربو، كان تشتمه زي ما شتمك وإنت وزير ليس من المفترض أن تضرب الناس، وما تعرف (إيش) وانتو ناس المؤتمر الوطني من زمان بتشتمونا وووو، وأنا صراحة احتديت معه، وبعدها قمت لصلاة (الجمعة) واستأذنت منهم، وعندها قال لي: أنا بناديك، فقلت له: أنا موجود، لكن بعد كم يوم أصدر قراراً بإعفائي من منصب وزير البيئة، وبعد أسبوع من القرار مشيت مصر.
{ لماذا؟
– أسرتي قاعدة هناك، مشيت ارتاح، ما زول مرفود. أخذت راحة شهر ونص، تلفزيون الجنوب ما بفتحو عشان ما أعرف الحاصل شنو وتأسفت للوضع الحاصل.
{ عدت للجنوب مرة أخرى؟
– أيوة عدت مرة أخرى ،ووجدت نفس الحكومة موجودة ،عدا أنا الشالوني بقرار طبعاً.
{ كيف كان شكل الحكومة هناك؟
– الحكومة معظمها حركة شعبية، أنا بس من قدمت من حزب المؤتمر الشعبي، وهناك ثلاثة أو أربعة وزراء من أحزاب أخرى فقط، لكن الغالب حركة شعبية.
{ هل كانوا جميعهم على وفاق؟
– أيوة ما كان عندهم مشكلة، لكن كانوا مختلفين في رئاسة الحزب ومتصارعين على قيادته (نائب الرئيس) و(الرئيس)، وكان خلافهم ظاهراً للعيان.
{ توقعت أن يحدث ما حدث بينهم؟
– كنت متوقعاً أن يشتبكوا لأنهم وصلوا إلى سقف الخلافات إلى درجة أنهم في اجتماع مجلس التحرير، وكان منقولاً على الهواء، رفض نائب الرئيس أن يسلم على الرئيس وكذلك الرئيس.
{ دوركم في إيقاف الحرب؟
– دعانا نائب الرئيس كرؤساء أحزاب ووزراء في القصر، لحضور اجتماع شورى حول قرار عدم ذهاب وفد الحكومة للمفاوضات في “أديس أبابا”، بسبب بيان قادة الإيقاد المشترك الذي اشتمل في الفقرة (10 و11) على مجموعة العشرة ناس “باقان أموم” وديل وهو ـ أي الرئيس ـ لا يريدهم أن يظهروا في البيان المشترك، وأن يشاركوا في مفاوضات السلام، فقام بدعوتنا والجميع أجمعوا على قرار الرئيس بمقاطعة المفاوضات، عدا أنا عارضت وقلت لهم من غير الممكن أن تكون هناك حكومة راشدة تقول ما ماشة المفاوضات والبلاد تشتعل، وقلت لهم إن القرار غير حكيم، وفي النهاية الرئيس قرر ذهاب الوفد للمفاوضات، ومن حديثه شعرت أنه متأسف على رفدي لان أهله ضغطوا عليه.
{ شعرت أنه من الممكن أن تعود قريباً وزيراً لأي وزارة؟
– ممكن، هو ناس قتلوا أبرياء رجعوهم أنا عملت شنو يعني؟.
{ أنت الآن في الخرطوم منذ حوالي عام.. ماذا تعمل هنا؟
– شغال بحث.
{ في إحدى الندوات الأخيرة ذكرت أنه لا مانع من التطبيع مع “إسرائيل”؟
– أنا ما قلت كدا، أنا سألت الوزير “غندور” وهو كان يتحدث عن علاقات السودانية الأمريكية، ويتحدث عن مآخذ الأمريكان على السودان، وذكر مآخذ منها الإرهاب وإيواء الإرهابيين وهكذا ، أنا في مداخلتي قلت للسيد الوزير، أنا صدفة بقيت وزير خارجية بالإنابة لمدة ثلاث سنوات، وأعلم أن الأمريكان من وراء الباب لديهم مآخذ غير التي ذكرتها واحدة من هذه المآخذ هي البترول، باعتبار أننا أعطيناه للشعب (الأصفر) وهم الصينيون والماليزيون ودي واحدة من المآخذ، لأن شركة (شيفرون) هي التي اكتشفت بترول السودان والأمريكان يفتكروا انو السودان يجب أن يقوم بطرد الصينيين ويعودوا بدلاً عنهم، والشيء الثاني هو (التطبيع)، حيث إنكم تقفون عقبة أمام التطبيع مع “إسرائيل”، وسألت الوزير، دي مآخذ ما قاعدين يقولوها ليكم؟ فرد عليّ قائلاً: يا عبد الله تطبيع مع إسرائيل! ثم قال سندرس الأمر، فهو ما قال تطبيع ولا أنا قلت تطبيع، ووسائل الإعلام أخذته بهذه الطريقة، وقالوا “عبد الله” هو القال، ومرة يقولوا الوزير هو القال، أنا وريتو انو هنالك مآخذ يقولونها في الخفاء وليس العلن.
{ من وجهة نظرك.. إلى أي مدى طرد الشركات الصينية مهم في علاقاتنا مع “أمريكا”؟
– مهم طبعاً، لان تكنولوجيا البترول الحقيقية لدى الأمريكان، لكن مشكلة الأمريكان أنهم سيسوا الأمر منذ عهد “نميري” لما طبق الشريعة الإسلامية، وقاموا بقفل الآبار وخرجوا.

حوار – هبة محمود
المجهر


‫13 تعليقات

    1. حدثت قصة طريفة أيام توليه للأوقاف

      قاد وفدا لمؤتمر في الجزائر من صفوة علماء السودان…..فانتبهوا إلى أنهم من ذوي البشرات الأبنوسية وسط البشرات البيضاء

      فابتدر أحدهم ببيت المتنبي الذي يهجو فيه كافور الإخشيدي :

      كأن الأسود اللابي فيهم *** غراب حوله رخم وبوم

      ثم عقب مستدركا : غايتو أنا بوم ما رخم …أخف الضررين أن يكون بوما ولا يكون رخمة

  1. هو صوت للانفصال، و مشى و بقى وزير هنك ! تاي قاعد عايز شنو ؟ و كمان بتدخل في الشئون الداخلية و يوجه أسئلة ؟ بلد فوضى !!!

  2. دا النوع البنفع معاكم . يكفت ويدق وينفصل ويجي تاني وعينو حمراء . الدود النتر عافي منك .

    1. ركّز شوية يا حبوب !

      الدق و الكفت دا كلو حصل في الجنوب بعد الانفصال .

      أما حكاية يجي تاني دي، عادي ما هو البلد مليانة لاجئين أجانب !!

  3. برغم اختلاف العقيدة الا انه رجل فوق الاحترام بس غلطتك الضرب ……بس فى ناس الخرطوم مسلمون برضو بيشبهوك وهم أمل السودان …..فقد شيخكم لكبير نتمنى ان تتجاوزوه……وبرغم اسلامك الا ان مكانك موجود فى وطنك الجنوب وارفع راسك فانت جنوبى

  4. ياسلام عليك الاستاذ عبدالله دينق نيال ابن السودان البار
    استاذي العظيم
    حوارك حوار صادق وامين وواضح
    شخصك شخص فريد في التعامل فريد في العمل الوطني
    انت ابن كل السودان جنوب وشمال انت كل الوطن جنوب وشمال يفتقدك في هذه اللحظات
    الوطن فقد البوصله انت بوصلة هذه الدوله بصدقك بنذاهتك بعملك وبعلمك
    الاحقاد في الحثاله الحاكمه في الشمال او الجنوب انهم لم يهتموا بالمواطن ولو لحظه
    ولم يهتموا بالوطن ولو لحظه
    عش بين اهلك في السودان او الجنوب مرحب بيك والف مرحب
    بعيد عن العصبيه الدينيه حتي لو كنت مسيحي مرحب بيك
    حال اسرتك التي وصفتها هذه هي حال السودان منذ تاسس وحتي قريب
    لكن منذ ان تسلط علينا هؤلاء عرفنا من المسلم ومن المسيحي وتاكل مع من وتمشي مع من
    نسال الله ان ينتقم منهم جميعا ويعود سوداننا كما كان عليه الجار يعامل جاره كجار وكاخ وصديق
    بعيد عن القبليه او العقائديه او الجهويه او اللونيه . هكذا كان السودان لمن لا يعرفه

  5. حوار ممتع مع قامة سامقة من قامات بلادي لك التحية اينما حللت الدار دارك اذا كان الجنوب او الشمال فانت ابن البلد .

  6. رجل محترم عبد الله دينق وصريح وصادق؛
    لك التحية البلد بلدك، الحكاية جايطة جنوب شمال.

  7. صراحة لو السودانيون اختاروا د. عبدالله رئيسا للسودان لما انفصل الجنوب ولما قامت حروب في الغرب ولا الشرق ولا غيرها ولعاش السودانيون قمة الوطنية ولخطا الوطن نحو التقدم والتماسك ورفاهية شعبه الصابر. والرجل كفء لهذا المنصب وواضح لا يعرف اللف ولا الدوران . فهو من جنوب السودان وهذه ميزة تنتفي معها العرقية والعنصرية وفوق ذلك فهو مسلم مخلص -والله حسيبه-يقبله جميع
    مسلمي السودان وسوف يكون مفتاحا مهما للدعوة بالجنوب لشعور الجنوبيين بالرضاء وإذا زاد عدد المسلمين على المسيحيين فسوف تنحل كل العقد والخلافات بين الشماليين وبين الجنوبيين والتي وطدتها الكنائس الاستعمارية الغربية. والله أعلم.

  8. انا حبيت هذا الرجل وعندما علمت انه ترشح للرئاسة سجلت نفسي لاصوت له … الاستاذ عبدالله دينق رجل مؤدب ومحترم ومثقف ويحترم الاخرين … يا ليت لو قد عين الجنوبي النجس