منصور الصويم

جزيرة الدكتور مورو


جزيرة معزولة وغير مكتشفة ذلك هو مسرح أحداث فيلم “جزيرة الدكتور مورو”، مكان استوائي فطري بدائي الدكتور مورو (مارلون براندو) مع مساعده مونتجمري، الدكتور الطريد والمنفي، مهووس بتجارب المزج والتشطير الوراثي والتخليق الجيني وما يقترب من عملية الاستنساخ البيولوجي التي عرفت بعد زمنه بوقت طويل، ويسعى من وراء ذلك إلى إيجاد نموذج بشري مثالي اعتمادا على تجاربه التي يجريها على مجموعة من حيوانات الجزيرة، حيث ينجح بالفعل في “كسر التراكيب الوراثية” لها ويتوصل إلى صيغة جينية/ وراثية تحولها إلى كائنات قابلة للتشكل البشري والانتقال الكامل من خانة الحيوانية إلى حيز الإنسانية.
وقد نجح في تخصيب وتهجين “لبوة” بمولود بشري تماما وهي ابنته الجميلة إيسا، لكن غرائبية شخصية الدكتور مورو وطرائقه في التعامل مع هذه الكائنات نصف البشرية بمحاولاته تهجينها حتى على المستوى النفسي والعقلي، وتكوينها وفقا لما يتصوره من مثالية بشرية، تجعله يبدو لدى هذه الكائنات المسخية أقرب إلى الإله فتدين له بولاء غريب ملتزمة بقوانينه الخاصة التي سنها للسيطرة عليها “أكل اللحوم ممنوع، المشي على أربع ممنوع، قتل الآخرين ممنوع”.
تتصاعد أحداث الدراما حين يصل إدوارد بريدنيك David Thewlis إلى الجزيرة بعد غرق السفينة التي كان يستقلها في المحيط، فوجوده في المكان يضخ طاقة جديدة بين الكائنات شبه البشرية ويدفعها إلى التمرد على محولها ومهجنها – الدكتور مورو – فيلجأ الدكتور إلى محاولة عكس تجاربه الجينية والوراثية بحيث يتم تطبيقها على إدوارد وبالتالي تحويله من إنسان إلى حيوان في ما يشبه “التبادلية الداروينية” مع كائنات الجزيرة الهجين، بيد أن الابنة الجميلة تتحالف مع إدوارد ضد والدها الجيني وتشارك في الثورة عليه.
وفي النهاية تساعد إيسا إدوارد على الهرب من الجزيرة والتخلص من آثار عملية التهجين طبيعيا، في حين تقود ثورة الكائنات إلى قتل الدكتور مورو ومساعده وتدمير معمله وحرقه.
الفيلم له أكثر من بعد تحليلي، فالبعد الجمالي والفني الذي من خلاله نتعرف على قدرات إخراجية متفردة للمخرج جون فرانكينهايمر، وتحقيقه درجة عالية من استهامية سينما الخيال العلمية، وإدارته الحرفية العالية لفريق العمل في كل جوانبه بالدرجة التي تجعل مشاهد الفيلم يتماهى مع أحداثه المتحولة والمتسارعة لحظة بلحظة دون حدوث أي فراغات تتابعية أو شروخ فنية؛ من حيث الأداء الدرامي، المكياج التحويلي، الموسيقى، المكان، التصوير..الخ.
البعد الثاني للفيلم هو مناقشة الآثار التي يمكن أن تترتب على البحوث والتجارب العلمية المتعلقة ببيولوجيا الموروثات والتحول الجيني، والعبث الذي يمكن أن ينتج عنها في حال تمت على يد علماء مهووسين أو غير أخلاقيين على شاكلة الدكتور مورو.
كما يتناول الفيلم في بعد ثالث قيمة الثورة وهي – ثيمة مركزية في الأفلام السينمائية – والتوق إلى الحرية والتمرد على الدكتاتور/ الأب وكسر القوانين/ النظام واختيار الحياة التي تلائم الطبيعة “البشرية – الحيوانية – ومخلوقات مورو في الفيلم”.
الفيلم نجح إلى حد بعيد في تقديم الأبعاد الثلاثة، ونصل إلى هذه النتيجة حين نمزج هذه الأبعاد لنخرج ببعد واحد، نصل من خلاله إلى ذلك الإحساس بالخوف والرعب في حال نجحت مثل هذه التجارب العبثية، كما تنجح أحداث الفيلم في جرنا إلى التعاطف مع الكائنات المهجنة والمشوهة والمراهنة على ثورتها على الدكتور مورو وأحقيتها في اختيار الحياة التي تناسبها بالتمرد على قوانين الدكتور، وهو انحياز يرمز إلى ميلنا إلى قيم الثورة إطلاقا ورفض كل محاولة للسيطرة وتفريغ الإنسان من إنسانيته وتحويله إلى مجرد كائن بيولوجي أو إلكتروني – صناعي، كما تقدمه أفلام أخرى.
“جزيرة الدكتور مورو” أنتج كفيلم أكثر من مرة أولها كان في العام 1977، مما يدل على القيمة السردية والدرامية للراوية التي يستند عليها.