الصادق الرزيقي

فن صناعة السلام


> قضينا يوم أمس بولاية النيل الأزرق في عاصمتها الدمازين، برفقة مساعد رئيس الجمهورية ورئيس وفد الحكومة لمفاوضات السلام حول المنطقتين المهندس إبراهيم محمود حامد ووفد كبير من القيادات السياسية ورموز ولاية النيل الأزرق وزعاماتها، وهي زيارة استغرقت ساعات طويلة مضنية، ولكأنها أيام في دقة تفاصيلها وظرف مهمتها، وما خرجنا به واستخلصناه من اللقاءات والتنويرات والاجتماعات المغلقة واللقاء الجماهيري الكبير والحاشد بميدان المولد بقلب المدينة، أن السلام بات قاب قوسين أو أدنى في النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور.. وهو لا مناص منه ولا مهرب.. سترفرف راياته قريباً شاء من شاء وأبى من أبى كما قال رئيس الوفد..
> رغم المتفق عليه، إن صناعة السلام مهمة أقسى وأصعب من صناعة الحرب، وتحتاج إلى صبر وأناة وشدة وقدرة على التحمل وجلد وطول بال وسعة صدر، إلا أن مدينة الدمازين وجماهير النيل الأزرق بعزيمتها وتصميمها على تغيير الواقع وقطف ثمار الاستقرار والتنمية والسلام وحسن تقدير المصالح، كانت على موعدها كما وعدت وجعلت من السلام عنوان الزيارة وقلبها. فالمواطنون هناك تميزوا بوعي ملفت لقضاياهم الملحة وبأهمية إيقاف الحرب وجلب السلام مهما كان الثمن باهظاً، على كل مستوياتهم في النيل الأزرق القيادات الشعبية والإدارات الأهلية وغمار الناس المتوافدين يوم أمس من القرى والوهاد والأصقاع النائية البعيدة وحواضر المحليات، كانوا كلهم على قلب رجل واحد ولسان حالهم يقول إن فرصة خارطة الطريق التي وقعتها الحكومة في أديس أبابا مؤخراً يجب ألا تفلت من الأيدي ولن تضيع هباءً منثوراً، فهي معالم الطريق نحو الاستقرار والسلام، إن لم يوافق عليها الطرف الآخر ويضع السلاح، فهم قادرون ومستعدون على فرض السلام على من يرفضه.. انفعالاتهم وهتافاتهم سبقت أقوال وأفعال الحكومة، وهم مستعدون بكل الوسائل لإنهاء الحرب بعد أن أحرقت نيرانها حياتهم ولم تبقِ حتى على الآمال الصغيرة بعيش هانئ كريم في ولايتهم.
> في اللقاء الجماهيري والاجتماعات التي عقدها مساعد الرئيس ووفده بالدمازين أمس، تم استعراض خارطة الطريق وتفاصيلها ولماذا وقعتها الحكومة، وتدابيرها التي ستتخذها لجمع الصف وكلمة كل السودانيين الحادبين على مصلحة البلاد وعلى الاستقرار، ورغبتها في أن يلتحق الجميع بالحوار والعمل معاً على بناء الثقة وتثبيت دعائم السلام والتنمية والبناء وخيارات الحكم والنظام السياسي وكيفية إدارة البلاد التي يرتضيها الجميع، ولم تستثنِ الحكومة كما جاء في أحاديث المهندس إبراهيم محمود مسؤوليتها في حماية المواطنين ومواجهة التمرد، وهو يُدبر عن الحلول السلمية ويختار الحرب، فالحكومة كما قال ستفرض السلام بالقوة إذا اختار التمرد السلاح بديلاً للتفاهم والحوار والتفاوض.
> ما على الحكومة إلا أن تتعامل بجدية وتفهم كبيرين، لما ظلت تقوله الفعاليات الشعبية والقيادات الأهلية وأعيان وزعماء النيل الأزرق، وسبق أن قالته نفس الشرائح في جنوب كردفان، وهو ضرورة إشراكهم في التفاوض مع التمرد خاصة أن القيادات المتمردة عدا رئيس الوفد من قطاع الشمال ياسر عرمان، كلهم من أبناء المنطقتين وهم قادرون على إقناعهم والتفاهم معهم ومواجهتم بالحقائق، وكيف أن الحرب دمرت المنطقتين وجلبت الخراب وشظف العيش وقضت على الأخضر واليابس!.
> بالأمس عدد من القيادات السياسية من المؤتمر الوطني والأحزاب والتنظيمات السياسية بالولاية المشاركة في الحكم منها والمعارضة، تحدثت عن أهمية إشراكهم في المفاوضات، وحسناً فعل المهندس إبراهيم محمود بتفهمه لهذا المطلب ووعده بوضعه في الاعتبار والاستعانة بهم في هذه القضية الشائكة، بجانب ذلك.. وأوضح أن الحكومة جادة وساعية بلا هوادة في تأمين المواطنين واستعادة المناطق التي يتواجد فيها التمرد وكسر شوكته الى الأبد. فبجانب السعي للتفاوض والسلام، لا تنسَ القوات المسلحة ومعها القوات النظامية الأخرى مهمتها في دحر المتمردين وجعل السلام واقعاً يمشي على قدمين.. فالتفاف جماهير النيل الأزرق أمس حول راية السلام والقبول الداوي لدعوة مساعد الرئيس بالاستعداد للسلام عبر التفاوض وخارطة الطريق أو بالقوة، دليل على أن الرسالة واضحة لا لبس فيها، وأن المواطن يعي ما يدور حوله وقد كشف زيف ما يسمى بقطاع الشمال ومن يقف وراءه ومن يحرضه ويسلحه ويدفعه للحرب والدمار!!..