حوارات ولقاءات

“غازي صلاح الدين”: كنت لا أعبر عن آراء “الترابي” الفقهية لأنني أحياناً لا أرى ما يراه


دكتور “غازي صلاح الدين” رئيس (حركة الإصلاح الآن) في حديثه لـ(المجهر) (1/2)
مجموعة محددة غادرت قوى المستقبل ويمكننا ضم أضعاف الذين خرجوا
لم نقدم طلباً إطلاقاً للانضمام لقوى الإجماع الوطني وهذا ليس من فلسفتنا
لم ندخل في إجراءات الحوار ولسنا وسيطاً بين المعارضة والحكومة
حوار- فاطمة مبارك
مقدمة:
منذ خروج دكتور “غازي صلاح الدين” من المؤتمر الوطني وتأسيسه لـ(حركة الإصلاح الآن) رافعاً شعار الإصلاح، قبل كل شيء لاحظ المراقبون التحولات التي طرأت على الدكتور وقادته إلى الجلوس مع مجموعات قد تختلف معه في الوسائل والأدوات والقناعات من أجل الوصول إلى قواسم مشتركة تقود إلى تحقيق تصالحات ومن ثم استقرار سياسي شامل، كان آخرها الأحزاب التي انضمت لقوى المستقبل للتغيير، وقد بدت لبعضهم غرابة هذا المسلك وفهموه في إطار التكتيكات والمكاسب السياسية، لكن “غازي” عدّ هذه التحولات تأتي في إطار منهج وفلسفة حركته والتجارب التي استقاها من الحياة على مستواه الشخصي التي تتطلب تفاعل الإنسان معها، ويبدو أن هذه القناعات هي التي دعته للخروج من الحوار الوطني والمطالبة بإدراج المبادئ الجوهرية ممثلة في الحرية والديمقراطية، والاتفاق على المكتسبات الدستورية المهمة الخاصة بصلاحيات أجهزة السلطة، أو كما قال لنا في حوار شامل تناولنا فيه راهن الأوضاع السياسية.. فماذا قال؟؟

{ نود بداية التعرف على رأيكم في خارطة الطريق التي طرحتها الوساطة الأفريقية ووقعت عليها الحكومة وتحفظت المعارضة؟
_ خارطة الطريق التي عرضت في أديس أبابا على المجموعات المعارضة كان يمكن أن تستكمل مشروعيتها من خلال توقيع المجموعات المسلحة، لكن ذلك لم يحدث وأدى إلى هذه المواجهة التي نعيشها الآن، لكن كما عبر الإمام “الصادق” في تقييمه للخلاف أن الخلاف ليس بهذه السعة وأنه يمكن الوصول إلى اتفاق حولها، من المهم الاتفاق على خارطة الطريق ومن المهم أن توقع عليها المجموعات المسلحة، ومن المهم أيضاً بالنسبة لنا هنا في الداخل أن تشمل القوى السياسية بالداخل لأن ذلك من شأنه توحيد مسار التفاوض، وتوحيد مسار التفاوض من القضايا المهمة للغاية والشروط الضرورية لنجاح عملية الحوار لأن توقيع اتفاقات في أديس أبابا دون أن توازيها اتفاقات في الخرطوم سيحدث ازدواجية، وهذا شيء مضر بالعملية التفاوضية والسياسية بصورة عامة.
{ هل اشتملت على الأساسيات المطلوبة كما قالت الحكومة؟
_ القضايا المثارة التي تشكل الخلاف قضايا مهمة. هناك قضية تعريف الحوار الوطني القائم الآن الذي ترعاه الحكومة في قاعة الصداقة، هل هو الحوار الوطني المعرّف (بالألف واللام)؟ بمعنى أنه هو الحوار النهائي أم أنه حوار وطني تجريه الحكومة بشروطها؟ ومهما كانت شروطها دقيقة لكن هناك طرفاً آخر لابد أن يكون مشاركاً، فتعريف الحوار الوطني واحدة من القضايا المهمة، والمعارضة مجمعة ونحن معهم أن الحوار الذي جرى ليس هو المعرّف بالألف واللام، ولكنه حوار مهم وينبغي أن يقرأ ويدرس قبل الدخول في المرحلة التالية والأخيرة من الحوار. المسألة الثانية هي تعريف المجموعات السياسية الأخرى لأنها مذكورة بهذا التعميم، وهذا يمسنا نحن وآخرين في الداخل، لم يذكر اسمنا في الورقة، وهذا يثير شكاً في أن الحكومة تريد أن تتحاور في مسارين. الورقة في مجملها تتناول القضايا الرئيسة لكن الاختلاف حدث في هذه النقاط التي ذكرتها، والاختلاف أكثر في الناحية الإجرائية لأن المعارضين طُلب منهم التوقيع في وقت ضيق لم يمنحهم فرصة للتنسيق والتفكير.. على كل حال في اعتقادي أن هذه الاختلافات مفهومة وطبيعية ويمكن تجاوزها وهذا ما نسعى إليه نحن.

{ تسعون مع من؟
_ نحن لسنا وسيطاً بين الحكومة والمعارضة، لذلك نحن نوصل مقترحاتنا للآلية إن كان الأمر متعلقاً بالحكومة، أما إذا كان الأمر متعلقاً بالمعارضة فإننا نوصل لهم آراءنا ومقترحاتنا مباشرة فليس بيننا حواجز.
{ قلت الاختلافات حول خارطة الطريق يمكن تجاوزها.. فهل تتوقع أن توقع المعارضة عليها؟
_ أتوقع ذلك إذا حدثت التعديلات الضرورية. هناك بعض التعديلات التي أرى أنها ضرورية ومتفق عليها من قبل المعارضين في كل الحالات الورقة التي وقُع عليها ليست نهائية، في العادة أنت توقعين على ورقة ربما تقطع (70%) من المشوار من ناحية الأسئلة والإجابة عنها، وبالتالي لا نتوقع أن تستكمل أية ورقة (100%) من استيعاب الأسئلة المطروحة وإيجاد الأجوبة عنها.
{ إلى أي مدى لديكم استعداد لإلغاء المؤتمر التحضيري إذا نجحت خارطة الطريق؟
_ لا نستطيع أن نقول ذلك، المؤتمر التحضيري مهم لتجميع الآراء المعارضة وهذا شرط ضروري لإنجاح الحوار لأن تفريق المعارضة والقوى السياسية من شأنه أن يؤدي إلى تشتيت وجهات نظرها ومقاربتها للمشكلة وهذا سيؤدي لاشتجار واختلاف وفوضى في المواقف لن يسلم منه أحد، بالتالي فإن اللقاء التحضيري هو عملية بسيطة جداً يمكننا خلالها الاتفاق على الأجندة والإجراءات، ومن الضروري أن تقوم حتى تستوفي ثقة المعارضين.
{ حال تم تجاوزكم هل ستقبلون؟
_ طبعاً لا، أما ماذا نفعل هذا رهين بالوقت والظرف.
{ إذا وافقت قوى نداء السودان ماذا ستفعلون؟
_ إذا وافقت على الورقة القائمة الآن دون ذكر القوى الداخلية وهي مذكورة لكن بالتعميم القوى السياسية المهمة، سيكون من مطالب الحركات السياسية بالداخل أن تكون جزءاً من ورقة خارطة الطريق وهي عندئذ ستتقدم بأطروحتها أيضاً ومطالبها، لذلك من الأفضل من البداية أن تكون الورقة شاملة وجامعة بحيث تغنينا عن هذا الصراع.
{ عندما التقيت “أمبيكي” هل طلبت توضيح هذه التعميمات؟
_ نحن عندما التقينا بـ”أمبيكي” هنا كان الموضوع هو كيف يمكن معالجة القطيعة السياسية القائمة الآن بين الحكومة والحركات السياسية المعارضة في الداخل، وبالتالي ما ينصب جهدنا إليه هو إيجاد أجندة مشتركة للتفاهم حولها والسبب الذي علقنا به مشاركتنا في حوار الوثبة كان هو عدم شمولية الحوار، فمهما وصف أصحاب الحوار حوارهم بأنه كان جيداً ومستوعباً للمشاكل والقضايا لكن الحقيقة هي أنه لم يكن مستوعباً من حيث المشاركين فيه، وبالتالي الإجابة عن سؤال هل يكفي هذا الحوار لإيقاف الحرب؟ الإجابة لا.
{ لماذا؟
_ لأن المنخرطين في الحرب لم يكونوا جزءاً من الحوار وبالتالي نقول للطرف الحكومي نحن نسعى لإيجاد تفاهمات تحقق شمولية الحوار، ولكن تعليقنا لمشاركتنا في الحوار قائمة لأن السبب قائم فحتى الآن نحن لم نوافق على الدخول في إجراءات الحوار كما ذكرت بعض وسائل الإعلام أننا وافقنا على المشاركة فيه هذا ليس صحيحاً. نحن وافقنا على مبادرة الآلية الأفريقية للنقاش مع الجانب الحكومي حول كيف يحقق الحوار شموليته ومقوماته الأخرى المذكورة في خارطة الطريق، لأنه بدون ذلك يستحيل أن يقوم حوار حقيقي. ما نقوم به يسمى في فض النزاعات “حوار حول الحوار” وهو حوار ضروري لأنه يحدد المنطلقات والأهداف والإجراءات. إذا كنت جاداً لا يمكن أن تدخل غرفة التفاوض كما تدخل مطعم أكلات سريعة.
{ أذن في أي سياق يمكن فهم هذه التفاهمات؟
_ نحن بصدد وضع أجندة للتفاهم مع الحكومة حول كيف يمكن معاً أن نتعاون لنحقق شمولية الحوار، عندما تحقق شمولية الحوار وتشارك فيه كل القوى السياسية بالداخل والخارج والقوى المسلحة أيضاً نكون قد استكملنا الشرط الضروري لقيام حوار جامع، هناك قضية متفرعة من هذه القضية يثيرها أهل الحكم يقولون ولكن هناك حواراً قد تم.
{ المعارضة بالمقابل تتمسك بحوار جديد أليس كذلك؟
_ أظن أن المعارضة الموجودة في الداخل والخارج مرنة في هذه المسألة، هم يقولون إذا استوفينا شروط الحوار الحقيقي لا بأس أن ننظر في أية ورقة تقدم لنا باعتبارها ورقة عمل إن كانت الورقة هي مخرجات الحوار أو أية ورقة أخرى أعتقد أن هناك مرونة في هذه الناحية أكثر مما يتصورها الناس، من الضروري في نهاية المطاف أن يكون الحوار شاملاً، أي حوار غير شامل لن يؤدي إلى وقف الحرب وتمام العملية السلمية.
{ ما تقيمكم لمخرجات الحوار الوطني؟
_ المهم بالنسبة لنا ليس هو الكلام الوصفي وتبني شعارات سياسية نبيلة ومحترمة، هذا كله موجود أصلاً في الدستور وفي أدبيات الحوار الوطني الذي جرى في السنوات الماضية، وموجود في الأدبيات الإنسانية بصورة عامة، الكلام حول أن تكون هناك حرية وديمقراطية وشورية واحترام لحقوق الإنسان وهوية متفق عليها.
{ تقصد لا ينبغي أن يكرر؟
_ ليس سيئاً أن يُعاد ويُكرر، ولكن في النهاية المهم بالنسبة لنا أن يتحول ذلك الوعد السياسي إلى خطوات محددة للإصلاح السياسي، القضية ليست وعوداً هناك قضايا محددة في الإصلاح السياسي ينبغي أن يفرزها الحوار، هذا الحوار مهما فعلنا فيه واستكملنا من شروط التمام والكمال وكان جامعاً مانعاً ومستوعباً لكل فئات المعارضة والشعب، إذا لم تتفرع منه مكتسبات دستورية محددة لن يكون مفيداً.
{ ما هي هذه المكتسبات الدستورية التي تقصدها؟
_ مثال لذلك هو ما يتداوله بعض الناس وما ورد في الأدبيات في الفترة الماضية ونسب لدكتور الشيخ “حسن الترابي”- رحمه الله- هو مسألة وضعية جهاز الأمن والسلطات والصلاحيات الواسعة التي تخول له دون أن تكون هناك رقابة تشريعية على أفعاله، وقضية إيجاد وسيلة للرقابة على الأعمال التنفيذية لرئيس الجمهورية الآن في نظامنا رئيس الجمهورية لا يمثل أمام البرلمان وبالتالي لا تستطيع أن تحاسب بعض الجوانب التي تهم الدولة وبعض الوزراء المتنفذين لذلك صارت قضية الفصل ما بين سلطات الرئاسة التي هي شرفية مراسمية وبين سلطات الرئاسة التي هي تنفيذية، وقدم مقترحاً تلي علينا وقيل إن هذا المقترح قد حدث فيه نوع من التدخل أزيح من المخرجات، هذه مسألة لا شك عندما نجلس إلى الطرف الآخر سنثيرها.
{ هذا يعني أنكم بصدد مراجعة المقترحات الإصلاحية؟
_ ذكر لنا وصدر في الصحف أن هناك مقترحات إصلاحية كالتي ذكرتها كانت موجودة لكن أزيلت من الأوراق عندما قدمت للموفقين، هذه مسألة ينبغي أن نستقصيها لأن المسائل التي ذكر أنها أزيلت هي المسائل الجوهرية التي نتحدث عنها.
{ مثل ماذا؟
_ مثل قضية الحريات ووضعية سلطات جهاز الأمن وسلطات رئيس الجمهورية وقضية تشكيل الجهاز التشريعي بما يُمكن من الرقابة على تنفيذها، أخيراً قضية الترتيبات الانتقالية (يعني) كيف نضع كل ذلك في سياق انتقالي إلى المرحلة الجديدة.. هذه قضايا مهمة للإصلاح السياسي، وهذه القضايا ينبغي أن تكون هي خاتمة مطاف. الحوار إذا انتهى بقصائد جميلة في مدح الحرية والديمقراطية وما غير ذلك فلن نكون فعلنا أكثر ما فعله السوفيت في الاتحاد السوفيتي.
{ ماذا فعلوا؟
_ الاتحاد السوفيتي كان دستوره يوصف بأنه أفضل دستور من حيث الصياغة والحريات والمبادئ الكريمة، لكنه عملياً لم يكن مطبقاً أو لم يستوفِ الأهداف التي من أجلها كتب، لابد في النهاية أن يكون هناك ناتج لهذا الحوار ولا يكون مجرد فرقعات فكرية ووعود مبهمة معلقة في السماء لا علاقة لها بالأرض إذا كان هناك استعداد للتجاوب مع هذه المطالب التي من شأنها أن تصحح أوضاع السودان في الاقتصاد والعلاقات الخارجية والسياسة الداخلية والحرب وما إلى ذلك، إذا كان هناك استعداد للتعامل مع هذه القضايا بهذا المنهج العملي سيجدون منا كل عون، أما إذا كانت العملية تدور حول نصوص نظرية ووعود وأماني فهذا لن يفيد كثيراً.
{ لكن هذا يتطلب مرونة من المعارضة؟
_ في الحقيقة الموقف الذي اتخذته المعارضة موقف مرن، حتى الحركة الشعبية بنص عبارة أمينها العام قالت يمكن أن نعتبر الحوار الذي جرى مرحلة أولى ونضيف إليه مرحلة ثانية، هذه المرحلة الثانية ستقصر جداً إذا كان هناك وفاء بشروط الحوار، (يعني) قضية الشمولية وتهيئة المناخ ووجود الضمانات بصورة عامة.
{ بالمقابل هناك من يرى أن للمعارضة شروطاً لابد من تقديم تنازلات فيها؟
_ أنا أعتقد الموقف الذي تتخذه المعارضة في هذه الناحية موقف مرن. هي لم تقل نحن رفضنا هذا الحوار وما أنتجه بالجملة، حتى في ورقة خارطة الطريق هناك إقرار بأن هناك حواراً جرى في الخرطوم برعاية الحكومة اسمه الحوار الوطني، ولكن في الفقرة الثانية من ورقة خارطة الطريق إشارة إلى أن هناك إقراراً من الجانب الحكومي بأنه لم يكن شاملاً، وبالتالي الهوة أو الاختلاف بين الطرفين قابل للردم والتجسير، الطرف المعارض لا ينكر أن حواراً قد قام لكنه يقول إنه ناقص والطرف الحكومي يعترف بأنه حوار ناقص لكنه يصر أنه قد قام. تجسير هذا الأخدود الصغير ممكن ومحتمل.
{ تحدث الناس عن خلافات وسط تنظيمكم الوليد “قوى المستقبل للتغيير” قيل إن بعض أحزابه رفضت رئاستكم بسبب تحفظاتها على توجهاتكم الإسلامية؟
_ هذه المسألة ليست بهذا الحجم، لكن أصحاب هذه القضايا كالعادة يضخمونها جداً. صحيح أن هناك أربعة من سبعة عشر تبنوا هذا الرأي وبالتصويت الديمقراطي فاز الرأي الآخر. ما هو الجديد والضجة في هذه المسألة؟!
{ ماذا عن الإجراءات التي قيل إنها غير صحيحة؟
_ الحديث عن إجراءات غير صحيحة غير صحيح، هذا العدد الكلي للهيئة القيادية وهؤلاء هم الذين اعترضوا وبرروا اعتراضهم بالحجة التي ذكرتِها والغالبية لم تتفق معهم. فكرة قيام التحالف أصلاً نشأت في حاضنة (الإصلاح الآن)، وعرضت على الأحزاب الأخرى وأجازتها ومنذ البداية كان هناك من اعترض على الصيغة، ولكن غالب الناس كانوا يؤيدون هذا الاتجاه ومضى القرار الديمقراطي.
{ صيغة (شنو)؟
_ صيغة التركيبة التنظيمية، نحن عندما قدمنا الورقة من (الإصلاح الآن) وطورنا المبادرة وعرضناها على الآخرين وكانت في شكل أطروحة تنظيمية مبسطة سميناها تحالف شبه عضوي من أجل التغيير، وبسطنا فيها الهيكل التنظيمي جداً وأنشأنا شبكة للعمليات بمعنى العمليات السياسية المشتركة بين الأحزاب السياسية والتنظيم كان مبتكراً ليس كالتنظيمات العادية، وحدث تداول في الشكل التنظيمي وحدثت بعض التعديلات ثم كان من الضروري إنشاء التحالف على ما اتفق عليه وحدث ما جرى.
{ هل غادر المعترضون؟
_ هم الآن اختاروا طريقاً لوحدهم لكن ذلك لن يؤثر.

{ هناك من قال هذا التحالف خطوة لإنشاء تحالف جديد خاصة أن الإمام “الصادق” تحدث عن تحالف جديد؟
_ لا عيب أن ينشأ تحالف جديد يكون أوسع من التحالفات الماضية، ولا مانع عندنا للتفاوض مع مجموعات تريد أن تنضم في تحالف أوسع مما هو قائم الآن، هذا سيكون شيئاً إيجابياً وأنا لا أرى سبباً للغيرة في هذه المسألة.
{ يعني الفكرة موجودة؟
_ نعم، أنا لو أستطيع طرح فكرة لتحالف أوسع من الذي نحن عليه الآن سأفعل، وهذا أمر يُقضى مع الآخرين لا أفعله وحدي، لكن من حيث إنه فكرة أنا أؤيدها جداً إذا استطعنا أن نوسع التحالف الحالي إلى ما هو أوسع ثم نوسعه مرة أخرى ثم مرة ثالثة هذا شيء إيجابي.
{ إذن نتوقع ظهوره قريباً؟
_ الفكرة لديّ على الأقل أنا موجودة، لا أقول موجودة على مستوى التحالف، لكن أنا لا أرى بأساً، هذه محمدة، نحن عانينا ما عانينا من تشرذم وتشظي القوى السياسية وقابلية الأحزاب للانقسام مرة ثم مرة، إذا استطعنا أن نعكس العملية بدلاً عن الهدم، بمعنى أن تكون هناك عملية بناء جديد لتكوينات سياسية ومستوعبة فهذا شيء إيجابي.
{ ما علاقة “الصادق المهدي” بتحالف “قوى المستقبل للتغيير”؟
_ الثابت لنا أن الإمام السيد “الصادق” وأعوانه في الداخل يرحبون بهذه الفكرة جداً ونحن عندما اقترحناها ذهبنا إلى دار حزب الأمة وعرضناها عليهم وعرضنا المشاركة فيها، وهم من حيث التعاون معنا متعاونون جداً وحتى في مسألة خارطة الطريق لدينا تواصل معهم وتشاور حول كيفية تجاوز هذه المشكلة.
{ قلت إنكم تسعون إلى هذه التحالفات لتجاوز التشظي الذي لازم الأحزاب والآن ظهر الخلاف في “قوى المستقبل للتغيير”؟
_ لا توجد اختلافات، الاختلافات تضخم لديكم أنتم في الإعلام، هناك مجموعة محددة بأعدادها وأسمائها رأت أن لا تواصل المشاركة، ولا بأس، ونحن ليس لدينا مشكلة في أن نضم أضعاف أضعاف العدد الذي خرج، الأحزاب الرئيسة التي تشكل الهيكل الصلب للتحالف موجودة لم تغادر.

{ فهم الناس تأسيسكم لتحالف “قوى المستقبل” كان رد فعل لرفض قوى الإجماع الوطني طلب انضمامكم إليها؟
_ هذا غير صحيح إطلاقاً.
{ لم تقدموا طلباً لقوى الإجماع؟
_ هذا لم يحدث أصلاً، وهؤلاء أساءوا فهم الحراك الذي قمنا به للتواصل مع القوى السياسية الأخرى. بعضهم توهم من زيارتنا لهم أننا كنا نريد تقديم طلب انضمام، لكن ذلك لم يكن قصدنا. نحن كنا نريد أن نضع أساساً نظرياً للتوافق بين القوى السياسية حتى المتعادية منها في التعايش في ظل نظام يحقق الاعتراف بالآخر والتحول السياسي السليم، لذلك نحن أردنا أن نوضح بصورة علنية أننا التقينا حتى بالحزب الشيوعي وبأحزاب تعتبر نفسها خصماً لنا لأننا نرى أن هناك حداً أدنى يجب أن يتفق عليه السودانيون جميعاً وبدون هذا الحد الأدنى لا نستطيع أن نمارس السياسة وستكون هي سياسة التعادي بيننا.
{ هل فكرتم في الانضمام لتحالف قوى المعارضة؟
_ إذا كان المقصود هو تحالف أحزاب الإجماع الوطني، فنحن لم يحدث إطلاقاً ولم نفكر في الانضمام إليهم، لأن هذا لم يكن من فلسفتنا أصلاً أن نتقدم للانضمام لأية مجموعة قائمة أصلاً لم نشارك في تأسيسها. وكنا نقول للذين كانوا يطالبون بأن نوقع معهم أحلافاً نحن نفضل أن نكون مرنين ومستقلين وجاهزين في أية لحظة للتفاهم حول أي عمل مشترك لكن من موقع مرونة واستقلالية، لذلك لم تكن لدينا فكرة لنقدم طلباً للالتحاق بأي من التشكيلات الموجودة في الساحة مع تثبيت حقيقة أننا كنا مستعدين بالمقابل للمشاركة في أي عمل مشترك يؤدي لتحقيق الأهداف السياسية التي كنا نسعى إليها.

دكتور “غازي صلاح الدين” رئيس (حركة الإصلاح الآن) في حديثه لـ(المجهر) (2/2)

توحيد الإسلاميين فكرة نبيلة أثيرت في الزمن الخطأ
كنت لا أعبر عن آراء “الترابي” الفقهية لأنني أحياناً لا أرى ما يراه
وعي السياسي اليوم أعمق مما كان قبل (30) عاماً لكن قيمي لم تتغير
حوار – فاطمة مبارك
{ بعض الناس عدّوا أنك في سياق التحولات التي تحدث للإنسان بدأت تقدم نفسك بطريقة جديدة ربما تتجاوز فيها تجربة الإسلاميين.. وآخرون قالوا إن سعيك لجمع الآخرين اتخذته مخرجاً بعد أن مرت حركتكم بعقبات.. أي الرأيين أصوب؟
_ كلاهما صحيح، وهي من طبيعة البشر، الإنسان الذي لا يتعلم من تجاربه ويستقي حكمة من أحداث حياته إنسان متبلد، لا شك أن الوعي في السياسة اليوم هو أعمق وأكثر نفاذاً مما كان قبل (30) عاماً، هذا شيء طبيعي، فلابد من التفاعل بدلاً عن التجاسر على الحقيقة واعتبار أن شيئاً لم يحدث والتحول إلى كائن جامد متحجر.. أن يتفاعل الإنسان مع التجارب التي تتراكم ويستقيها من أحداث الحياة هذا شيء جيد، لكن قيمي الأساسية لم تتغير، لا تزال قناعتي أن الإسلام حين يقدم بصورة صحيحة يمكن أن يساهم في سلام البشرية وازدهارها ويقدم حلولاً في الاقتصاد والسياسة وأبواب المعرفة كلها. وأدرك أن هذا لم يحدث من خلال التجربة التي شاركت فيها ولكن هذا لا يعني أن التجربة حتى بأخطائها لم تكن ذات فائدة.. بالنسبة لي استفدت منها جداً، وأحاول أن أطور نفسي وأنا في هذا العمر من خلال القراءة والتدبر، وأنوي الكتابة في مستقبل الشهور القادمة إن شاء الله حتى يستفيد الآخرون، لكن من الطبيعي أن يتفاعل الإنسان مع الخبرة التي يكتسبها والحكمة التي تتراكم لديه ومن تطور أحداث الحياة.
{ يلاحظ أنه على مستوى الفعل السياسي أصبح خطابكم بعيداً عن الخطاب الإسلامي؟

_ هذا انطباع خاطئ، قيمي هي نفس القيم، والتزامي هو نفس الالتزام. ومن السهل أن يقول إنسان إنني تركت ما كنت فيه لأتكسب ود الخصوم، لكن هذا ليس من طبعي أنا أجادل من أجادل سواء أكان من ينتمون إلى الحضارة الغربية من غير السودانيين أو السودانيين المخالفين سياسياً، أجادل بقناعة ومن منظور الإسلام، وأجادل ولديّ ذخيرة من التجربة في هذا الصدد. ولكن في قضية المصطلح مثلاً أنا أقول ناقداً لتجربتنا إننا كنا دائماً نتبنى مصطلحاً صعباً معقداً بعيداً من مزاج المجتمع.
{ لماذا لم تعبروا بلغة قريبة من المجتمع؟
_ كنت أفضل لو أنني كنت أملك لغة أبسط من لغتي الحالية التي ربما تصلح لكتابة علمية أو فكرية. هذا شيء، الشيء الثاني أنا مدرك، لأن الطريقة التي يقدم بها الإسلام الآن، خاصة تلك التي تتبنى مناهج عنف منظمة ومسلحة بحجج تظن أنها من الدين، هذه الطريقة يجب أن تقاوم وتدحض بالحجة وبالمثال العملي. ينبغي أن نقدم الإسلام بصورته الحقيقية التي قدمها به الله سبحانه وتعالى والتي كانت عليها سنّة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا طبعاً باب من العمل واسع جداً، وصعب.
{ أين تكمن الصعوبة؟
_ صعب أن يعيد الإنسان تقديم فكرة ودين عظيم كالإسلام مرة أخرى بصورة مختلفة مما قدمها به، هذا صعب للغاية، لكن أنا لا أرى خطأ في أن نقدم نفس القيم والمعاني والمضامين بلغة أكثر خصوبة وإنعاشاً (ليس لغة بائتة أو قديمة). كذلك أعتقد أن التاريخ الإسلامي يجب أن يقرأ بصورة نقدية، كما نقرأ التاريخ الإنساني العام، حتى نستخرج منه الحكمة اللازمة لتعيننا على أن نخطط للمستقبل، وهذا في وقت ما كان يعدّ مطلباً بعيداً لا يمارسه إلا القلة من المتبحرين في السيرة والفكر الإسلامي.. أنا لم أغير شيئاً من هذه القناعات والمبادئ.
{ هل الإقبال على الآخر يأتي في سياق سياستكم الانفتاحية؟
في ما يتعلق بالانفتاح نحو الآخر، لم أعتقد في أية مرحلة من مراحل حياتي أنه شيء سيئ. العقبة كانت في الطبيعة الشخصية، مثلاً أنا مدرك أنني لا أنفتح عاطفياً بسهولة تجاه أي آخر، خصم أو صديق. هذا شيء موجود في طبائع البشر، لكن الذي يعمل في العمل العام عليه أن يتجشم الابتسامات والانشراحات على مدار الساعة، وهذه موهبة ليست لدى كل الناس.
{ في بداية عملكم السياسي كنتم لا تجلسون مع من يختلف معكم فكرياً عكس الآن؟
_ هذا غير صحيح إطلاقاً، وهو انطباع خاطئ للغاية. حتى عندما عشت في الغرب كانت سياستي هي مجالسة الآخرين ومشاركتهم في كل منشط، إلا ما كان حراماً. الإسلام يحضنا على المخالطة والصبر على الأذى الذي قد يترتب عليها، نحن لا نجالسهم في الحرام.
{ (حركة الإصلاح الآن) ولدت على ضوء متغيرات سياسية.. ما طبيعة توجهاتها إسلامية أم ماذا؟
_ من حيث العضوية هي حزب مفتوح للجميع، أما بالنسبة للإسلام فوثيقة التأسيس تنص على تعريف إيجابي للإسلام ولدوره من حيث كونه منظوراً كلياً للمبادئ والمرجعيات الست التي أثبتناها في وثيقة التأسيس. هذا التعريف المفصل للإسلام في الوثيقة يتجنب اختزال الإسلام في التعريف القانوني الذي تلخصه عبارة “الشريعة مصدر التشريع”. الإسلام دين شامل، يهتم بمسألة التشريع لا شك، لكنه يدعو إلى الحوار والتعاون مع الآخرين على البر والتقوى، وينهى عن العدوان، والإفساد في الأرض وتخريب البيئة، ويحض على العدل وعلى حفظ الحرث والنسل، وعلى حقوق الإنسان التي يسميها الحرمات، بل وحتى على حقوق الحيوان، ويدعو إلى الشورى والحريّة. التعريف الإيجابي الشامل للإسلام هو المقاربة الصحيحة، بدلاً عن إهمال تعريفه جملة واحدة وترك تلك المهمة للغلاة والمتطرفين، وبدلاً عن أن نعرفه تعريفاً ضيقاً في عبارة نمطية واحدة. ولا نرى تعارضاً بين هذا وبين أن تكون لنا قيم في تبني الشورى والديمقراطية ونظم الحكم الحديثة التي تحقق العدل، لأن الشرط الأول والنهائي في الإسلام في الحكم هو العدل، فإذا كانت هناك آليات مستقاة من التجربة الإنسانية الواسعة تحقق العدل بأفضل مما تحققه الأنماط السابقة حتى لو كانت تلك التي نتبناها نحن في العالم الإسلامي باسم الإسلام، فهذا مدعاة إلى تبنيها.
{ هل لديك مثال؟
_ على سبيل المثال في مجال الإدارة إذا وجدت نظماً حديثة في الإدارة تحقق العدل بصورة أفضل هذه حكمة إنسانية يجب تبنيها، كما فعل سيدنا “عمر ابن الخطاب” عندما دون الدواوين التي كانت تتخذ في فارس والروم وهي نفس دواوين الدولة الحالية، والفكرة برمتها مأخوذة من الحضارة الرومانية والحضارة الفارسية لكنه استوعبها دون أية عقبة وعقدة، لم يقل هذا تدبير من قوى الكفر وما إلى ذلك.
{ إلى أي مدى أنتم مستعدون للاهتداء بحكمة الآخر؟
_ الأفق منفتح أمامنا وسقفنا السماء فيما نختار ونعد، وفي اعتقادي الذي يتمسك بالدين والإسلام بصورة عامة يمتلك بالضرورة طاقة كبيرة يمكن أن توظف سلباً، ويمكن أن توظف إيجاباً، ونحن نسعى إلى أن نتبنى أطروحة تقول إن الدين ينظر إليه نظرة إيجابية منذ البداية.
{ ما رأيكم في دعوة توحيد الإسلاميين التي أطلقت مؤخراً؟
_ هذه القضية تثار دائماً في الوقت الخطأ، وهذا لا يعني أنها خطأ، هي مطلب نبيل جداً وأنا أفتخر وأتشرف أن أكون أحد الذين يوحدون الكلمة إذا قدر لي ذلك، ولكن الطريقة التي كانت تطرح بها في سياق الجدل السياسي أعطت إيحاءً بأن الإسلاميين يريدون أن يحوزوا الثمرة مرة أخرى لأنفسهم ويجروا تصالحاً فيما بينهم وتجسيراً للهواة ويتركوا بقية الشعب وبقية السودان.
{ ماذا ترى أنت؟
_ أنا كنت أقول، والشيخ “الترابي”- رحمه الله- كان يقول نفس الكلام وإسلاميون آخرون عقلاء يقولون نفس الكلام، إن هذا مطلب شريف لا غبار عليه، لكن الأولوية الآن في إصلاح المعادلة والتركيبة السياسية السودانية ثم من بعد ذلك دع الإسلاميين يتحدون، والاتحاديين يتحدون، وفصائل حزب الأمة تتحد، واليسار يتحد لا غبار على ذلك.
{ أنت تعتقد أن توحيدهم ليس أولوية الآن؟
_ ليس أولوية، بل قد يرسل رسالات خاطئة الآن. أقصد أن عرض المسألة بهذه الصورة يغيّب جانبا مهماً من الصورة، فالذين يحتاج أمرهم لمعالجة بالأولوية هم السودانيون البشر، والسودان البلد. أي معالجة كهذه لا غبار عليها إذا جاءت تالية في سلم الأولويات لمعالجة الوضع العام.
{ هم يتحدثون عن تحديات تواجه الإسلاميين.. كيف يمكن تجاوزها؟
_ يمكن أن يكون هناك تنسيق إستراتيجي في العمل بين الإسلاميين. خذ عندك مثلاً مسألة مهمة تجري بين أعيننا هي الحوار الوطني، لا يوجد فيها حتى تنسيق بين الفصائل الإسلاميين. لا بأس في ذلك، لكن السؤال التالي سيكون، لماذا لا ينشأ تنسيق بين الإسلاميين وغير الإسلاميين في ذات الموضوع، إذا أقمنا هذه المعادلة يمكننا الحديث عن وحدة الإسلاميين كناتج جزئي من الناتج الأكبر، وهو المواطنون والبلد الذي يجمعهم.
{ ربما أيضاً ما حدث في مصر للإسلاميين دفعهم لهذا الطرح؟
_ عندنا في السودان ليست الحالة مشابهة، ولكن حتى هذه الحالة لا أعتقد أن الإخوان في مصر أخفقوا من تلقاء أنهم لم ينسقوا مع بقية التنظيمات الإسلامية وإنما أخفقوا لأسباب أخرى، لكن النقد الذي وجه لكثير من العلمانيين والحركات العلمانية كان صحيحاً، أنهم لم يقفوا الموقف المبدئي الصحيح في قضية الانقلاب، وهذا يثير علامة استفهام على بعض هؤلاء، أمثالهم لدينا هنا في السودان الذين يتحدثون عن الديمقراطية وفي الحقيقة تاريخهم لا يسعفهم في هذا الادعاء.
{ هل قدمت لك دعوة وحدة الإسلاميين؟
_ لا توجد دعوة أساساً من مؤسسة رسمية.
{ ولا من الناشطين في هذا الشأن؟
_ نتقابل في المناسبات، لكن لم يحدث نقاش بصورة جدية في هذه القضية.
{ إلى أي مدى أنت مستعد للمشاركة فيها حال انتهت مرحلة الأولويات؟
_ أفضل أن نترك ذلك للمستقبل، لكن هذا الأمر شخصي ولا علاقة لـ(حركة الإصلاح الآن) به.
{ لاحظ الناس أن علاقتك بـ”الترابي” كان فيها شيء من الالتباس رغم أنك من أقرب الناس له فكرياً؟
_ هو ليس فقط أستاذي، لكن له أفضالاً شخصية عديدة عليّ تجعله في أي خلاف صاحب الكلمة النهائية والكاسب حتى قبل أن يبدأ الجدل. وأنا ذكرت هذا الكلام مراراً وتكراراً حتى لا يختلط السياسي بالشخصي. صحيح أنه حدث خلاف سياسي حاد (نسبة لطبيعة ساخنة فينا كلينا) في فترة من الفترات كانت له أسبابه، والوقت الآن غير مناسب للحديث عنه.
{ ألم يؤثر هذا الخلاف على علاقتكما؟
_ من جانبي أنا لم يؤثر في تقديري واحترامي له في شخصه، أنا كنت حريصاً جداً للتواصل معه، والنَّاس ربما يذكرون المراسلات بيننا عندما كان في المعتقل وكلها تفيض بأشواق الوحدة والتعافي. وحتى لما نشأت (حركة الإصلاح الآن) عدد المرات التي طلبنا فيها مقابلته خلال عام كانت سبع مرات وذهبنا إليه وتحدثنا معه حول الشأن العام وحول الحوار الوطني، أما في الجانب الاجتماعي فأصلاً نحن لم ننقطع عن بعضنا البعض في كل المناسبات.. صحيح حدثت مشكلات واختلافات في فهم بعض القضايا والتعامل معها لكن ذلك لم يقلل من قيمته ومعدنه بالنسبة لي منذ أن عرفته، وشرف بالنسبة لي أنني كنت قريباً منه وقد تعلمت منه شيئاً كثيراً.
{ كيف استقبلت نبأ رحيله؟
_ لا شك أن رحيله كان مفاجئاً بالنسبة لنا في وقت كلنا يعلم أن الساحة السياسية كانت تحتاج إليه، وأحزنني هذا الرحيل وعبرت عن ذلك في وسائل إعلامية عديدة، وهو في النهاية كما ذكرت في المقابلات كان إنساناً له أخطاؤه ونجاحاته، ولكنه كان إنساناً متميزاً بمعنى الكلمة من النادر أن يأتي الزمان بشخصية تتكامل فيها قوة الشخصية وقوة الرأي والفكر وقوة الاقتحام والجدل من منطلق إسلامي.. أعتقد أنه نجح لحد كبير أن يضع بصماته في التاريخ.
{ متى كان آخر لقاء معه؟
_ التقيته بعد عودته من قطر ذهبنا له للتهنئة للعودة بالسلامة، والتقيته يوم (الجمعة) بمسجد القوات المسلحة في مناسبة عقد القران التي مات بعدها، وكان كعادته متدفق الأفكار والكلمات وكان يبدو في صحة جيدة، لكن الحقيقة أنه في تلك اللحظة كان يموت.
{ هل شعرت أن هناك حديثاً لم يكتمل معه؟
_ نعم.. أحاديث كثيرة.
{ شخصية أم عامة؟
_ في الإطار الشخصي والعام أكثر، لكن طبيعتنا نحن الاثنين، وهو على الوجه الأخص، لم تكن تسمح بالاندلاق العاطفي إذا جاز التعبير.
{ رغم أنك قريب من “الترابي” فكرياً إلا أنك لا تتحدث عن آرائه الفكرية واجتهاداته الفقهية؟
_ صحيح حتى لما كنت قريباً منه وأعد من تلامذته، لا أدري لكن كنت أشعر أنني أعبر بطريقة مختلفة، يعني أتأثر به لكن أعبر بطريقة مختلفة، لم يكن عملاً مقصوداً لكني كنت ألاحظ ذلك، ولعل هذا كان شيئاً حسناً بمعنى أنه لا يمكن لشخص أن يكون نسخة من شخص آخر أو ليس شيئاً جيداً أن يكون شخص نسخة من شخص آخر، حتى التلميذ مع الأستاذ لابد أن يتميز بطريقته ومنهجيته.
{ عدم التعبير نابع من احترام أم اختلاف معه؟
_ بصورة عامة نعم، لكن هناك أسباب، أحياناً أنا لا أرى ما يراه هو لكن أنا لا أعد نفسي فقيهاً مفتياً وبالتالي لا أحب أن أعترض عليه في هذه المسائل وأستحسن من آراء الفقهاء ما أفهمه، فقد أختلف معه في بعض القضايا، لكنني كنت لا أرى مصلحة في الجدل معه في المسألة المطروحة. هو كان يستند إلى منهجيته الخاصة وكان مجازاً عند الناس أنه مُفتٍ. أما أنا فلست مجازاً عند الناس ولا عند نفسي بأنني مُفتٍ ولا أحب أصلاً أن أكون مفتياً ولا أنصب لنفسي مقعداً أو مجلساً للفتوى.
{ ماذا استفدت منه؟
_ من منهجية تفكيره، ومحاولته لإيجاد مغزى للأشياء ورؤية وهداية للعبادات التي نتعامل معها عادة بغير تفكير كالصلاة والصيام وكالسياسة والدولة على حد سواء، هذا حديث يطول.
{ قيل إنه دعاك للمنظومة الخالفة؟
_ هذا غير صحيح، وأنا لا أدري إن كانت هناك منظومة خالفة، قيل إنها موجودة، ربما كان يدخرها لوقت لاحق حتى يعرضها علينا، لكن أنا لا أعرفها.
{ حال تمت دعوتك للانضمام هل ستوافق؟
_ إذا دعيت إلى شيء لابد أن أتبين ما الذي دعيت إليه.