مقالات متنوعة

التجاني حاج موسى : قبل أيام في المقابر


قبل أيام قبرنا صديقي المغفور له إن شاء الكريم “صلاح مطر” بـ(مقابر أحمد شرفي) بأم درمان، والذي حدثت وفاته فجأة بـ”القاهرة”.. كثر موت الفجاءة هذه الأيام.. هل اقتربت الساعة؟ يقال إن الموت بغتة من علامات الساعة.. البعض يدعو قائلاً “يا رب من القوة للهوة”، والقبر هو “الهوة”. ذلك المساء كان مهولاً فقد اصطفت العربات تحيط (مقابر أحمد شرفي) حتى مدخل (شارع الوادي).. أمَ صلاة الجنازة جمهور من الناس ورفعوا أكفهم بالدعاء له بالرحمة، وحملوا نعشه الشباب والكهول وهم يهللون بلا إله إلا الله، وصلوا عليه مئات من المشيعين، ويقال إن أمة محمد إن شيعت متوفٍ بذلك الشكل قرينة مرجحة إن المتوفي في ذمة الله في حرز أمين.. يرحمك الله يا “صلاح” رحمة واسعة.. صديقي الشاعر “عبد الله بشير” أيضاً حزن حزناً عظيماً، فالراحل صديقنا وبيننا الود والمحبة.
والمقابر العريقة والمعروفة بالعاصمة المثلثة امتلأت على سعتها بمن رحلوا والعثور على قبر صار أمراً صعباً.. أخونا درمة – بارك الله فيه – وجد لراحلنا قبراً بالناحية الشمالية الشرقية لـ(أحمد شرفي) بالقرب من السور، وعلمت أن من رحلوا حديثاً كانت قبورهم ناحية سور المقبرة والموت سبيل الأولين والآخرين.. أها!! ما العمل؟! ونفس الحال ببقية مقابر العاصمة المثلثة!! والسؤال بالطبع لمعتمدي عاصمتنا القومية ولواليها.. وجاء في كتب علماء الدين “من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة”، والدعاء إذا حلت المصيبة “إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيراً منها”، وحين نغمض عيني الميت نقول “اللهم أغفر لفلان (نسمي اسمه) وأرفع درجته من المهديين، وأخلفه في عقبة من الغابرين، وأغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفسح له في قبره، ونور له فيه”، ومن الأدعية للميت عند الصلاة عليه “اللهم أغفر له وأرحمه، وعافه، أعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله، وأغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار”. ومن الدعاء في التعزية “إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب”، وأيضاً “عظَّم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك”، وعند إدخال الميت القبر نقول “بسم الله وعلى سنة رسول الله”، وبعد دفنه نقول”اللهم أغفر له، اللهم ثبته”، لو زرنا القبور نقول “السلام عليكم أهل الديار، من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون”، (ويرحم الله المستقدمين منا والمتأخرين).
أقول للقارئ الكريم ما كتبته نقلته من كتب بعض علمائنا يعلموننا ماذا نقول إذا جاء أجل الله، قلت أحدث به الأبناء والبنات ليحفظوه ويقولونه رحمة لموتانا، لأن هنالك من يرفع يديه ويطويهما بسرعة فائقة في بيوت العزاء، وأخشى أن يأتي يوم لا ندعو فيه لموتانا بالقول الحسن.. والحق أقول إن بعضنا لا يذهب للعزاء إلا مخافة اللوم.. عشان ما تبقى في الوجه، فيصبح العزاء من قبيل مخافة اللوم لا لواجب ديني.. وأهل السودان – وهذا حسن – لازالوا يقيمون سرادق العزاء، ولازال كثير من المعزين يبذلون المال لأهل المتوفى، – وهذا حسن _ أيضاً لأن أهل الميت يمدون موائد الطعام والماء البارد والشاي والقهوة في يومي العزاء، يخففون من فجيعة المصاب بشغل بتلك التفاصيل التي جرى عليها عرف أهل السودان في مراسم العزاء.
أسأل الله أن يطيب أعمالنا جميعاً، فذلك هو رصيد من يرحل يوم لا ينفعك إلا عملك الطيب.. عقب تشييعي لصديقي الراحل “مطر” مباشرة كتبت:
الدنيا وألفيها
معدودة بالأنفاس..
خطوات بنمشيها
بمشوها كل الناس
في سكة الأحزان
تعبت خطاوينا..
كل يوم بيرحل زول
وتزيد مآسينا..
ولمن تجي الأفراح
بسراع تعدي تفوت..
نحتار متين نرتاح؟!
يا ربي لما نموت!!
ومواسم الأتراح
شيدنا ليها بيوت!!
قول ليا يا إنسان:
درب السلام بي وين؟!
موجود في ياتو مكان؟!
وريني، قلبي حزين
وريني هسه، الآن..
ما تقول تعال بعدين!!
ولسه الأمل معقود
تتبدل الأحزان
تشرق شمس باكر
تتحقق الآمال
والباقي من آجال
إن شاء الله حسن الفال