الصادق الرزيقي

خطاب الفاشر.. وتفاهمات الأمريكان والروس..


> أهم ما يميز خطاب الرئيس عمر البشير أمام جماهير ولاية شمال دارفور أمس، في بداية زيارته للولايات الخمس، إنه خطاب القضية الرئيسة التي تسببت في أزمة دارفور، ففرض هيبة الدولة وسلطانها وجمع السلاح من أيدي المواطنين، هما الطريقان اللذان لا ثالث لهما في تحقيق الأمن والاستقرار. ففقدان هيبة الدولة وضياع سلطانها، هو الذي شجع التمرد على الظهور والنمو والنشاط. فلو حسم التمرد مذ كان في بداياته وسد الذرائع، لما وصل الحال إلى ما عليه الآن. وكلنا يعلم أن التفريط الذي حدث في الفترة التي سبقت ولادة الحركات ونشاطها، أن حكومات الولايات الثلاث يومئذ كانت ضعيفة وعاجزة وغير قادرة على فعل شيء، ولم تقدر يومها الأمور حق قدرها، وتم التقليل من خطورة المعلومات التي كانت ترد في ذلك الأوان عن وجود حركات تمرد ومسلحين في جبل مرة، ويذكر الناس جيداً أن رئيس لجنة الأمن والدفاع في المجلس الوطني في ذلك الوقت (2002م) الفريق حسين عبدالله جبريل قدم تقريراً في البرلمان عن قوات مجهولة الهوية تتمركز في أعلى جبل مرة وفي بعض المناطق، تم استنكاره من بعض حكومات الولايات في دارفور، وعابه عليه البعض هنا في المركز، وعندما اندلعت الحرب لات حين مندم.
> أما في ما يتعلق بجمع السلاح، فهو الطريق الثاني لاستعادة الأمن وتحقيق الاستقرار. فأهميته ناتجة من كون السلاح في أيدي المواطنين، فاقم من احترار وزيادة اشتعال الحروبات القبلية التي حصدت أرواح عزيزة من أبناء دارفور، ولم تكن الحروبات بين القبائل بهذه الضراوة والعنف، فتزايد السلاح بمختلف أنواعه جعل من الصعوبة بمكان احتواء النزاعات المحدودة وحصر نطاقها.
> فهاتين الركيزتين فرضتا هيبة الدولة وسلطان القانون. وجمع السلاح، يمهد الطريق أمام سلام مستدام في كل ربوع ولايات دارفور، ويعجل بالتنمية وتستعيد دارفور عافيتها ومكانها، ويرجع إليها دورها السابق وأهمه حلقتها المفقودة في دورة الاقتصاد الوطني..
> فعلى الدولة أن تبدأ فوراً في سد المنافذ التي يتسرب منها السلاح، وهي الحدود الطويلة المفتوحة مع ليبيا وتشاد، ثم دولة جنوب السودان، فهذه هي البؤر التي يتم من خلالها تهريب السلاح ونشره، فالصراعات المسلحة في ليبيا وعبر حدودها الجنوبية الطويلة مع تشاد وصراعات تشاد السابقة نفسها وذيول ما جرى في إفريقيا الوسطى ثم الوضع في جنوب السودان، هي من أهم مصادر السلاح غير المرخص الذي يصل إلى أيدي المواطنين.
> اما الحركات المسلحة، فقد انتهت ولم يتبقَ منها إلا جيوب صغيرة في أعلى جبل مرة، فواجب الدولة التركيز على المعابر التي تعبر منها الحركات من الأراضي الليبية وجنوب السودان، فماتزال هناك مجموعات صغيرة تتواجد في أراضي الدولتين الجارتين، كما أن العمل الاستخباري والأمني يجب توسيع مظلته لمنع عمليات التجنيد لصالح الحركات داخل مجتمع دارفور، فبعض قيادات الحركات تحاول إرسال عناصر من ليبيا وبأموال كبيرة لإغراء بعض الشباب للحاق بالحركات أوتجنيدهم. وتود منظمات أجنبية يُشاع أنها تساعد في تذليل مهام التجنيد خاصة داخل معسكرات النزوح..
> بقية القضايا التي طرحها الرئيس في خطابه بالفاشر أمس، تمثل معالم الحل لقضية دارفور، وتحمل جديداً لابد من تنزيله إلى أرض الواقع، ولابد من تكامل الأدوار ما بين المركز والحكومات الولائية، وما تبقى من وقت للسلطة الإقليمية لإكمال مشروعات التنمية والإعمار وشق الطرق وإعادة المشروعات السابقة للحياة، مثل مشروع جبل مرة ومشروع غرب السافنا ومشرع ساق النعام وأم عجاجة وأبو فاطمة والمشروعات الصناعية ومشروعات الطاقة، فهذه وحدها ستجعل الروح تسري في أوصال دارفور من جديد..
وترحيل الأسد!!..
> هنالك فرق بين رحيل الرئيس السوري بشار الأسد من السلطة وبين ترحيله منها إلى دوامة ثالثة كما قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري حول تفاهمات مع روسيا في هذا الصدد. ونشرت صحيفة «الحياة اللندنية» الصادرة أول من أمس معلومات وافية في هذا الصدد..
> قبل أيام وفي عاصمة قريبة من نبض الأحداث ولها رأي معتبر، استمعنا إلى إفادة مسؤول عربي كبير ورفيع للغاية يتحدث في إطار محدود للغاية، عن أن التفاهمات الجارية بين روسيا والولايات المتحدة تشبه تلك التي حدثت في الحقبة الاستعمارية بين الدول الكبرى لتقسيم المنطقة وفق اتفاقية (سايكس بيكو) الشهيرة التي وضعت في العام 1916م، فقبل مائة عام تم تقسيم المنطقة العربية إلى دويلات بعد تفتيتها وإنهاء وجود الخلافة العثمانية في تركيا، وذلك الحدث في تلك السنة هو التمهيد لوعد بلفور المشؤوم الذي أعطى فلسطين لليهود لإقامة الكيان الصهيوني ووصف حينئذ بأنه إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق.
> ما يجري اليوم في 2016م، هو إعادة إنتاج سايكس بيكو، «جديدة»، يجري تقسيم التفاهم بين الأمريكان والروس على تقسيم سوريا إلى ثلاث دويلات دولة سنية ودولة شيعية للعلويين ودولة للأكراد، بينما تقضم إسرائيل الأجزاء المتبقية من الجولان والمناطق الجنوبية الغربية من سوريا ومعها أجزاء من لبنان، كما سيتم تقسيم العراق ثم الاتجاه لبقية دول المنطقة حسب من عليه الدور الذي يلي. خطورة هذه التفاهمات الروسية الأمريكية المعلنة عياناً بياناً، إنها تجري وسط غياب كامل للقوى الحية في العالم العربي وغفلة الحكومات والشعوب وانشغال الجميع بصراعاتهم وبالحرب على الإرهاب وداعش .. سنصحو غداً لنجد واقعاً جديداً، وشراً قد اقترب من أمة العرب ..!