تحقيقات وتقارير

حكومة اليابان بالتنسيق مع البرنامج تخصص 4 ملايين دولار من أجل تحقيق الاستقرار المجتمعي في البلاد، نصفها للولايات الحدودية الجنوبية والآخر للولايات الشرقية.. ربما تحقق التنمية ما عجزت عنه المفاوضات


لا أمر يؤرق الخرطوم ويقلق مضجعها، مثل تصنيفها من قبل أمريكا ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، والاتهام الدائم لها بتصدير العنف والتطرف، ومع كل موجة تفجيرات تدوي في إحدى العواصم الغربية وعلو وتيرة الخوف من التطرف يُشير الغرب بسبابته صوب العالم العربي والأفريقي، موجهًا الاتهامات إلى بعض دولهما بتصدير تلك الأزمات.
ثمة ما يجعل السودان في قلب تلك التصنيفات، فالحرب الدائرة في بعض أنحائه هي السبب الأبرز، إلا أن ما يتبعها من مغريات تدفع بآلاف الشباب من قاطني تلك المناطق للانزلاق نحو العنف والتطرف، إذ يجدون الطريق ممهدة وسالكة إلى الانخراط في كافة أشكال العنف جراء البطالة وانعدام وسائل كسب العيش، ما فاقم أيضًا أعداد الهجرة غير الشرعية والنزوح بعيداً عن دوامة الحرب والموت والفقر، فما قعقعة السلاح وانفجار الحروب في حسابات تلك الدول إلاّ بداية لخلق تلك الأزمات.
وحينما تعالت موجة تلك التهديدات وتطايرات شظايها ومست تلك الدول، لم تجد الأمم المتحدة وعدد من الدول الداعمة سبيلًا غير البذل بسخاء – وإن بدت تحقق جزءاً من مصالحها – من واقع ما تظن أنه يمكن أن يسهم في تحقيق الاستقرار المجتمعي وتوفير سبل كسب العيش في المناطق القصية والمأزومة من البلاد.

وكمن يغلق الباب أمام ضخ وتصدير المزيد من التطرف – وان اختلف حول تعريفه – أعلنت حكومة اليابان عن تخصيص مبلغ في جملته مليونا دولار لدعم برنامج تحقيق الاستقرار المجتمعي في الولايات الحدودية الجنوبية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بالإضافة الى مليوني دولار لخلق وظائف للشباب في ولايات شرق السودان، ورغم أن الجهات القائمة على المشروع الذي يعتبر الأول من نوعه أوضحت أنه يهدف إلى تحقيق الاستقرار وبناء قدرات الشباب العاطلين عن العمل خاصة الذين لديهم القابلية للتطرف والاستجابة للتعبئة التي تدعو للانخراط في الصراعات المسلحة في الولايات الحدودية الجنوبية وولايات شرق السودان وجنوب وغرب وشمال كردفان والنيل الأزرق والنيل الأبيض وسنار.
إلا أن تلك الجهات أغفلت السبب الرئيس الذي يجعل الشباب يستجيبون للتطرف، وهو الحرب التي ظلت تراوح مكانها لعدم التوصل إلى حلول ناجعة تضع حداً لها، وإن بدأت الخرطوم تبث تطميناتها من حين لآخر بقرب إنهاء التمرد والصراعات في كافة أنحاء البلاد ليعم ربوعها السلام والأمن والاستقرار.
ولحماية الشباب من الالتحاق بالتطرف والعنف، يرى القائمون على المساهمة الموصوفة بالسخية أن من شأنها تمكين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من دعم حكومة السودان للشروع في تحقيق الاستقرار المجتمعي في الولايات المشار إليها آنفًا، وذلك من خلال خلق فرص وظيفية ودخل مستدام لنحو 3000 شاب وشابة تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 34 سنة من منسوبي المجتمعات المحلية الأقل نموًا، في ولايات شرق السودان الثلاث.
الأطراف الداعمة والمنفذة للمشروع استهدفت به الشباب العاطلين عن العمل والأسر التي تعولها نساء والنازحين والمقاتلين السابقين والعائدين والمهاجرين.

ويبدو أن تلك الجهات أفرطت في تفاؤلها بأن ما يوفره مشروعها من فرص عمل عبر وسائل (كسب عيش بديلة) أو فرص عمل مؤقتة للنازحين واللاجئين يمكن أن يحقق أهدافه بسهولة دون الالتفات إلى أن حقيقة وطبيعة مشروعاتها تلك غير واضحة على الأقل بالنسبة للمستهدفين، رغم أنها تشدد على أن تنفيذ المشروع سيتم بالتعاون مع المجتمعات المحلية وبالشراكة مع مفوضية نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج وغيرها من المؤسسات الاتحادية والوزارات الولائية والسلطات المحلية ذات الصلة، إضافة الى المنظمات المحلية غير الحكومية والمجتمعية.
المشروع الذي تموله حكومة اليابان وأسهمت في رسم بعض أهدافه الجهات محلية المعنية لا يتوقف على توفير سبل كسب العيش للمستهدفين فحسب، بل يمضي إلى تأسيس مرافق للبنية التحتية الاقتصادية داخل المجتمعات المحلية المستهدفة ما يساعد في انعاش اقتصادياتها المتأثرة بالنزاعات.
ما جعل اليابان ربما تبادر بخطوتها تلك، تجربة سابقة مماثلة، في ولاية النيل الأزرق وذلك بحسب ما ذكر السفير الياباني، هيدكي إيتو، لدى تدشينه المشروع الجديد، معتبرًا أن هذه المشاريع يمكنها لعب دور كبير ليس فقط على مستوى الأفراد بل على مستوى المجتمع، كما تعزز العلاقات بين اليابان والسودان.

وهذا ما ذهبت إليه المنسق المقيم للشؤون التنموية والإنسانية والممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالسودان مارتا رويداس، إذ قالت: “هذه المساهمة المقدمة من حكومة وشعب اليابان ستعزز من جهود الحكومة السودانية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تحقيق استقرار المناطق التي تتعرض للنزاعات”.

الخرطوم – سلمى معروف
صحيفة اليوم التالي