أبشر الماحي الصائم

مهنتك.. حياتك وعنوانك


* استوقفني أحد معارفنا ذات يوم طالبا مساعدته في توظيف ابنه.. سألته عن مهنة الابن فقال.. أي مهنة يمكن أن يشتغلها؟! قلت ولتقريب المعنى.. ممكن يشتغل في مجالنا الصحفي على سبيل المثال!! قال لا.. قلت يمكن أن يعمل ميكانيكي سيارات!! قال لا.. قلت.. إذن أي المهن يجيد !! قال إن ابني معافى ويمكن أن يشتغل حاجات كتيرة !! قلت له إن القوة الحقيقية تكمن في إتقان حرفة بعينها وإجادة فنونها وضروبها.. (القوة المهنية).. على أن الذي لم تسعفه الظروف في إكمال دراسته والتخصص في مهنة بعينها، بإمكانه تعويض خسارة الدراسة بربح التلمزة في أي مهنة في سوق الله أكبر، ومن ثم سيصبح (جدع وكسيب)..
* فعلى الأقل بين يدي الآن تجربة واقعية جداً.. فمنذ فترة انتبهت إلى أن سيارتي الكورية الجنوبية.. وبالمناسبة أصبح بعض الأصدقاء يعرفونها من خلال مقالي (يا صاحب الكلك)!! انتبهت إلى أن هذه الكورية التي أقودها منذ نحو ست سنوات دون توقف للصيانة أصبحت تصدر أصواتاً مزعجة من أسفل، ومذ يومها وأنا أخرج من ورشة لأدخل إلى أخرى دون جديد!! إلى أن انتهيت إلى صناعي شاب ماهر.. أخبرته بأنني استخدمت في هذه الفترة مجموعة من قطع الغيار سيما (المساعدات ومساعد المساعدات)!! والميكانيكي الشاب كما الطبيب الحاذق الذي لا يقتنع بتشخيص الآخرين.. أخذ العربة في (مشوار تشخيصي) ثم عاد لي بوصفة العلاج.. باختصار شديد انتهى الأمر إلى شراء قطع غيار جديدة بألفي جنيه ومصنعية بألف جنيه، فتعافت بحمد الله سيارتي وليست هذه هي القضية التي شددت إليها رحالي !!
* فبيت القصيد في هذه الحالة هو أن هذا الميكانيكي الشاب الذي لم يتخرج في هندسة جامعة السودان!! بل هو بالكاد خريج ورش (حلة كوكو).. أصبح يمتلك مهنة من ذهب.. على أن ما يتقاضاه في ثلاثة أيام يساوي راتب أحد الأفندية خلال شهر بأكمله يغدو خماصا ويروح أيضاً خماصا!! غير أنه – الميكانيكي – أصبح (سيد نفسه) ولا يحتاج أن يوقع في دفتر الحضور أمام كائن من كان !!
* رأيت أن أنتهي إلى أننا في المجتمع السوداني يفترض أن نأخذ بقوة (ثقافة الامتهان) والتخصصات، وأن نقيم لها الورش والمعاهد الإعدادية التي يمكن أن تستوعب متسربي مراحل الأساس فضلاً عن الثانويات، على أن نقيم لهذا الموضوع المهم (مأتما وعويلا).. أعني أن نقيم له الإعلانات والمهرجانات التحريضية.. كأن يكون تحت شعار (مهنتك سلاحك.. مهنتك حياتك) !! على أن يحدد كل سوداني منذ وقت مبكر وجهته المهنية التي تفيد بلده ومجتمعه وتأمنه من جوع وخوف، وقديما قيل (الصنعة أمان من الفقر).. أتصور أنه قد انتهت إلى الأبد قصة (الزول الكايس شغل) على غير هدى مهني!! وهو لا يمتلك يومئذ تجربة ولا مهنة (ولا في إيدو جواز سفر).. أن تكون سائقاً ماهراً.. أنت تكون كهربائياً أو ميكانيكياً أو سباكاً أو سفرجياً وطباخاً أو مزارعاً أو ترزياً.. فأنت ساعتئذ تمتلك مهنة محترمة.. ولئن تكون قوي الجسد غير ممتهن مهنة فأنت حينئذٍ ضعيف جدا برغم قوتك الجسدية !! أنت قوي بمهنتك ضعيف بقوتك غير الممتهنة !!
* يفترض أن ينتهي بنا هذا التطواف إلى استحضار ثقافة (التعليم المهني).. التي هي بمثابة شفرة الدخول إلى عوالم ماكينات ومحركات التنمية، على أن تكون مناهج ومقررات (الثورة المهنية المفترضة) وفق مطلوبات مشروعاتنا التنموية.. على أن أعظم مهننا الاستراتيجية التي هي الزراعة.. ظللنا نمارسها (كيري وجربندية).. بحيث تراجعت ثقافة البحوث والتوعية الزراعية بحزمها التقنية.. ومن ثم تراجعت محصولاتنا وتقهقهر جنيهنا، وفي المقابل تجبر الدولار واستبد في بلاد النيل والشمس والصحراء !!
* قديما قال الراحل نزار قباني عند زيارته للخرطوم.. قال.. في السودان إما أن تكون عاطلاً أو شاعراً!! ألا ليت نزار يعود يوما فأخبره بما فعل الحكم الاتحادي.. أما الآن فإما أن تكون عاطلاً أو أن تكون بغير عمل!! أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.. رصوا صفوفكم وقوموا لإعمار أرضكم..


تعليق واحد

  1. وخير دليل على انعدام الرؤية والهدف . مازال جهاز المغتربين والسفارات والقنصليات بـ ملاحقها الاعلاميون .. يعرضون عدة الجرتق والدلكة بجناح السودان في الاسبوع الثقافي العالمي بكل مدن العالم. وخير دليل أكان داير تشوف جناح السودان تشم ريحة الخمرة وتباريها ، وتجد جناح العروس والفركة والقرمصيص وصحن الحنة. ونقرأ نحن الذين علمنا العالم صهر الحديد بمنطقة مروي البجروية واسبوع ثقافي بنهر النيل لعرض الدلوكة وود بطان وسيف وصوت. ولا صلة ناشفة في بلد الشمس المشرقة. وحدها مخازن التبرير حتى بجهاز المغتربين مازال التبرير هو سيد القفة