منى سلمان

لا بترحم ولا بتخلي رحمة الله تنزل


مع هموم الحياة، ودوران ماكنتها التي لا ترحم، ينشغل كل منا بهم نفسه، ونتقاعس جميعا عن مساعدة الضعفاء والمحتاجين بيننا، ولكن عندما يتصدى للمهمة من يرفع عنا حرج التقصير في ان نكون كالجسد نتداعى بالسهر والحمى لوجعة البضعة منه، يبادر بعض المتقاعسين بتكسير مقاديف مراكب الخير، واعاقة ابحارها بمحاربة الفكرة ومحاولة تشويه الامر ليبدو على غير حقيقته .. في ثقافتنا نقول عن اولئك النفر أنهم لا بيرحموا ولا بيخلوا رحمة الله تنزل، والقول على علاته -نحسب ان لا احد يستطيع ان يمنع رحمة الله لعباده -ولكنه يصلح لتوصيف هذه الحالة لان له فعل العين والعارض ..
كنت قد طالعت من قبل، قصة مؤلمة تابعتها زاوية (الى حضرة المسئول)، تعرض معاناة صبية في الثانية عشرة من عمرها، تعيش مع جدة كبيرة في السن وتكفل اخوتها الصغار وتحمل هم اطعامهم وحدها بعد وفاة والدتها، ومن قبلها مغادرة والدها لجهة غير معلومة هربا من مسئوليتهم، لينتهي المطاف بالصغيرة وهي تحمل امانة عجز عنها رجال بـ شنبات ..
وجود هذه الاسرة المنقطعة في مجتمعنا بما عرف عنه من التراحم، دون ان ينتبه أحد لاطفال يبيتون (القوى) كلما لم تجد شقيقتهم من (اليومية) ما يقيم أودهم، تجعلنا نتحسس مكان الضمير المجتمعي لندرك مدى الضرر الذي الحقته به طاحونة العناء .. فالكل يقول نفسي .. نفسي، فمن يهتم بجوع مثل هذه المسكينة واشقائها الصغار ؟!!
عندما طالعت ذلك التقرير، فكرت في (الآلية) العملية التي تجعل في الامكان الوصول لهذه الفئة المغلوبة على امرها من بين الناس، فلم أجد ما هو أكثر فاعلية من كيان أو جسم شبيه باللجان الشعبية للاحياء، فعن طريق مثل تلك الكيانات يمكن الوصول لاصغر وحدات المجتمع وهي الأسرة، واستطلاع أحوالها والتواصل معها بصورة تتيح ايصال العون لها في الازمات، بعد ايجاد وتفعيل مثل تلك القنوات- غير المستغلة لاغراض اخر – يبقى البحث عن من يقوم بتقديم تلك المساعدات لمن يحتاجها، بصورة تضمن أن تصل لمن يحتاجها فعلا، وأن لا يتدخل (في النص) سماسرة القوم والطفيليون من المنتفعين، فان قصرت الجهات الرسمية من زكاة ورعاية اجتماعية في تغطية الاحتياج، يكون المجال مفتوحاً لكل من له فضل نعمة ليجود بها على المحتاجين عبر المنظمات الخيرية والمبادرات الشبابية وغيرها من اوجه الخير، التي تفتقر لقنوات توصيل سليمة لا تشوبها شائبة النفعنجية لتصلها بالمستهدفين ..
هذه المحصلة تعود بنا لموضوعنا الاولاني، ألا وهو مساعي شرذمة المعوقين، الذين لا يكتفون بالتقاعس عن فعل الخير، بل يتعدى الامر لمحاولة اعاقة من يقوم به على طريقة المثل اياه، فقد تابعت اغرب حملة الكترونية صادفتها منذ وعي على الفضاءات الاسفيرية يدعو من يقف وراء الحملة لوقف برنامج مع كل الود والتقدير !!
ولا يتفوق على غرابة الحملة إلا حجتها التي يقدمونها، فهم يقولون بأن الاعلان عن الصدقات يفسدها ويدخلها في باب الرياء، كما ان من تقدم لهم تلك الاعانات يعرضون انفسهم للاهانة والاذلال العلني بقبول الصدقات امام اضواء الكاميرات !! مالكم بالله كيف تحكمون ؟
ان كان هناك بعض من منطق، فكان في تداخل بعض العاملين في العمل الطوعي، الذين اشاروا ان اعانات البرنامج تذهب لمن لا يستحقها، فمن بين من قدمت لهم المساعدة سيدة متزوجة وزوجها ينعم بالصحة والعافية حتى انه (يجر التمساح من البحر)، على حد قولهم، ورغم ذلك ادعت انها ارملة تربي ايتاما وحصلت على المساعدة على هذا الاساس !!
اذن المشكلة ليست في فكرة البرنامج، فهو نقطة في بحر ما يجب ان يقوم به العمل الطوعي في ظل قصور الجهات الرسمية وتنامي شريحة المسحوقين، ولكن المشكلة في ايجاد القنوات الصحيحة التي تصل الاعانة لمن يحتاجها، وفي ذلك لكم اسوة حسنة برائدة عالمية من رائدات العمل الخيري وهي (اوبرا)، فقد وضعت قيودا شديدة في تحديد من يقوم البرنامج بمساعدتهم، ومن بينها أن يقوم أهل منطقة معينة بترشيح أحد الجيران للحصول على المساعدة، ويعددوا من خلال مناشدتهم تلك الاسباب التي دعتهم لفعل ذلك، ومن اهم الاسباب ان يكون الشخص المعني يقوم بعمل جليل يستحق الاعانة عليه مثل تربية الايتام او دعم مشاريع الشباب وغيرها، القاعدة الثانية التي طرحتها في احدى حلقاتها انها لا تسمح البتة وبتاتا، ان ينتفع العاملون معها أو أسرهم أو اصدقاؤهم وكل مالهم مصلحة معهم من تلك المساعدات، وبذلك سدت الباب في وجه النفعنجية من العاملين عليها .. الكلام ده وقع ليكم ؟!!
اخيرا دعونا نقول مع كل الود والتقدير، مبادرات الخير يا أهل الخير تحتاج للتشجيع ومحاولة تصحيح المسار بدلا عن تكسير المجاديف على طريقة من لا يرحم ولا عايز رحمة الله تنزل ..
( أرشيف الكاتبة )