حيدر المكاشفي

منطق كدفور ود كبروس


لبعض السودانيين أسماء عجيبة وغريبة وغير مألوفة، تترك الأسرة ما حُمّد وعُبّد وغيرها من الأسماء الأخرى المعروفة والمتداولة، وتطلق على وليدها أو وليدتها اسماً غير مطروق ولا معروف، مثل صاحبنا كدفور ود كبروس، وفي ذلك قال الشاعر الحلمنتيشي:
زي ما انتو يا الحلوين أساميكم تدقر العين
ديك ياسمين وداك نزار وديك سوزان وداك عمار
(هسي عمار محمد آدم دا حنكوش)
وداك أمجد وديك أزهار، نحنا هناك أسومنا كتار
أخوك حيمروك وود جانكوك وأبوك قجة وأخوك عوجة
وأب قرجة وأب عنجة والهبرب وود عقرب وود العب
والبلة وأبوي قنطور وود كابور وجبر السيد وعوض الجيد
وود حقار وجبر الدار والشعّار وسعدية وأسامي كتيرة منسية.
ويقال أن سبب إطلاق بعض الأسر السودانية لبعض الأسماء الغريبة والمنفرة على مواليدها وغالباً ما يكون هذا المولود هو الأول الذي خرج سالماً وكاملاً بعد سلسلة من الإجهاضات المتوالية، لكف ودرء العين، اعتقاداً منهم بأن العين هي سبب هذه الإجهاضات، ولهذا يطلقون على المولود الذي تكتب له الحياة اسماً غريباً ومنفراً حتى لا تصيبه العين، غير أني علمت مؤخراً من اختصاصي النساء والتوليد الشهير الدكتور سعد الفاضل، أن السبب في مثل هذه الإجهاضات ليس هو العين وإنما بسبب وجود أجسام مضادة ومقاومة لنمو الخلاصة بشكل طبيعي في دم الحامل، هي التي تعيق اكتمال نمو الجنين، وقد توصل الطب لاكتشاف هذه العلة مؤخراً واستطاع أن يتعامل معها بنسبة نجاح معقولة……
هذا أو ذاك المهم أن كدفور هذا يقول الراوي، سأله من أشكل عليه فهم اسمه الغريب قائلاً: (يا كدفور إنت اسم أبوك كبروس دا معناتو شنو)، وبكل تلقائية وعفوية ساخرة قال كدفور رداً على السؤال (إنت ناطي لاسم أبوي كبروس هناك ما لك، ما تسألني أول عن اسمي أنا كدفور دا)، منطق والله، فالرجل لا يعرف معنى كدفور فيتخطاه ليسأل عن كبروس، كالطفل الغشيم الذي يراد تعريفه على أجزاء جسمه فيمسك بيده اليمنى أذنه اليسرى عندما يُسأل (أضانك وينا)..
إن منطق كدفور هذا هو ما ظللنا نفتقده عند النظر في كل قضايانا وخاصةً أعقدها، بأن لا نقفز على المراحل ولا نتخطى الأسباب التي بين أيدينا ومن صنعنا إلى أخرى خارجية صحيحة أو متوهمة، النظر للأمور بواقعية هو ما يعلمنا كيف نتعامل بروح المنطق وليس بانفعال العاطفة، فالقفز على المراحل وغض الطرف عن أسبابنا الداخلية ينطوي على مخاطرة كبيرة تجعل قضايانا تراوح مكانها وتجعلنا مثل المنبت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، وهذا ما هو عليه حالنا حتى الآن، وقضية امتحانات الشهادة الثانوية خير دليل، اذ إن الخلل في التعليم أكبر وأعقد بكثير من قضية الغش في الامتحانات أو تسريبها.