تحقيقات وتقارير

هددت بتنفيذها لإيقاف الحرب عفاف تاور.. عملية انتحارية في انتظار الثلاثي


(سئمنا الحرب التي قضت على أخضرنا ويابسنا).. كانت تلك العبارات قبل الأخيرة، وهي تدلي بها قبل نحو أسبوعين من الآن، لتردفها بأخرى الخميس الماضي، سارت بها الركبان، فقد أعلنت النائبة البرلمانية وعضو الحزب الحاكم المؤتمر الوطني عفاف تاور عن رغبتها في تنفيذ عملية تفجيرية من أجل التخلص من قيادات الحركة الشعبية – قطاع الشمال الذين حملتهم مسؤولية الحرب بولاية جنوب كردفان التي أحرقت الأخضر واليابس، وأرقت مضاجع المؤاطنين ، تاور قالتها نصاً: (لو كنت رجلاً من النوبة لنفذت عملية انتحارية في واحد من الثلاثي)، في إشارة منها لعقار وعرمان والحلو… على ما يبدو أن تاور التي سئمت من الحرب التي قضت على أخضر ويابس إنسان جبال النوبة، قد بلغ اليأس منها مداه، فطافت حادثة المفكر اليساري إسماعيل المهدوي الذي لم يتحمل مشهد الواقع السياسي بمصر في الستينيات ومطلع السبعينيات (بكل تفاصيلها) فقرر الانتحار، بجانب أخرى للشاعر اللبناني خليل حاوي، والذي انتحر هو الآخر غداة الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982.

سابقة علنية
التصريح الذي أدلت به النائبة البرلمانية عن حزب المؤتمر الوطني عفاف تاور برغبتها في الانتحار وتقديم روحها من أجل إيقاف رحى الحرب الدائرة في ولاية جنوب كردفان لما يزيد عن خمس سنوات، وجد تفاعلاً كبيراً من قبل الوسائط الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، باعتبار أنه سيكون (سابقة) في تاريخ السياسة السودانية، إن تم برغم تأكيدات تاور في وقتها.. هذا التصريح قد يقول قائل إنه سيضحى توجهاً عاما ًللحكومة في مقبل الأيام في ظل التعنت والرفض من قبل قادة حركة التمرد وعدم توقيعهم اتفاق يوقف نزيف الدم هناك.

لكن المحلل السياسي بروفسور الطيب زين العابدين يرى أن خطوة (تاور) لن تكون جزءاً من تفكير الحكومة، وإنما هي عمل فردي وحسب، عازياً ذلك إلى حالة الغبن السياسي التي ولدتها الحرب في المنطقة، الأمر الذي دفع تاور للتهديد بالانتحار.

أبعاد نفسية
يقول استشاري الطب النفسي والعصبي وأستاذ الصحة النفسية بروفسور علي بلدو حول تحليله النفسي لذاك التصريح إن الانتحار لدى القادة والسياسيين يزيد عن المعدل العام، وذلك لخصوصية عمل السياسي والقائد والشخصيات المعقدة والمتراكبة، والساسة عبر التاريخ، ولعل هذا التقليد الانتحاري يضرب بجذوره من مئات السنين لدرجة أنه أصبح ثقافة لدى بعض الشعوب مثل السموراي في اليابان القديمة، والكاما كازي في اليابان الحديثة. ويضيف المختص النفسي المعروف في حديثه للصيحة أن الأسباب الرئيسية من الناحية النفسية التي تدفع بالسياسي للتفكير في الانتحار فعلاً، هو الشعور بالهزيمة والإحباط، وعدم القدرة على تحقيق الأهداف، وانهيار البناء التنظيمي، وفقدان السيطرة على القواعد جنباً الى جنب مع الشعور بالنرجسية التي تصيب الكثير منهم، مشيراً إلى أن التعداد السياسي السوداني يضم مجموعة كبيرة من هذه الفئة النرجسية والشيفونيىة والتي لا تحتمل أن تكون في الظل أو تبتعد عن الأضواء أو يقل اهتمام الآخرين بها باعتبار أنهم أكثر سمواً وأصحاب حق أصيل في ممارسة العمل السياسي، وينطبق عليهم قول الشاعر الجاهلي قطري بن الفجاءة :

وما للمرء خير في حياة إذا ما عُدَّ من سقط المتاع

مزاج خاص
بحسب بلدو فإن معظم الساسة والقادة في بلادنا قد انتهى عمرهم الافتراضي والقدرة النفسية على العطاء وهو ما يجعلهم في مرحلة الانتحار السلبي، وتشمل الفضائح المالية والأخلاقية والانسلاخات والانضمامات، وكذلك المبادرات والتصريحات غير المقبولة مجتمعياً، وهذا يمثل واجهة كبيرة للانتحار السلبي السياسي، ويضيف بلدو بقوله: (الغريب في الأمر أن الانتحار الفعلي بوضع حد للحياة لدى ساستنا وقادتنا هو أمر غير مألوف، ولا يكاد أن يتعدى الحادثتين أو الثلاث، بحيث أصبح القادة عندنا من أحرص القادة دولياً بـ(الكنكشة) في المقاعد وأن مسألة الإقدام على خطوة الانتحار من الصعب الإقدام عليها حيث إنها في حاجة إلى مزاج خاص.

خطوة بعيدة
بالمقابل يعود أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم البروفيسور الطيب زين العابدين ليؤكد أنه ظل متابعاً ومعاصراً لتطورات العمل السياسي في السودان منذ اندلاع ثورة أكتوبر حينها كان على أعقاب التخرج من الجامعة حيث لم يسمع قط بأن هناك سياسياً في السودان أبدى الرغبة في الانتحار، ولفت إلى أن ما يزيد عن 90% من السياسيين في السودان يظل يقتات من السياسة حتى باتت بمثابة عمل ومصدر دخل ومعيشة له برغم ما ما يترتب على ذلك، سواء بالزج به تارة في المعتقلات والسجون أو الحكم عليه بالإعدام تارة أخرى.

ووصف زين العابدين تصريح النائبة البرلمانية بأنه غير صادق وغير جدي، مضيفاً بقوله: انفصل الجنوب من قبل وفقد السودان ثلث الأرض والموارد الاقتصادية”، ولم نسمع قط بشخص من السياسيين قال إنه يرغب في الانتحار، ناهيك عن القرارات الفردية والمصيرية التي شكلت واقع الحياة السياسية والمجتمع السوداني من بعدها ولم يحرك أحد ساكناً مما يدل على أن مسعى هذه الشخصية بهذا التصريح هو جذب الانتباه والإثارة الإعلامية، منوهاً إلى أن خطوة الإقدام على الانتحار تكاد بعيدة كل البعد عن مجتمعنا الذي عرف بالتسامح والعفو، مستدلاً في ذلك بحضور أشخاص تشييع جنازة الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي د. حسن عبد الله الترابي لديهم خلافات سابقة مع الإنقاذ التي في يوم ما قامت بسجنهم وتشريد البعض الآخر منهم، قاطعاً بأن حدوث عملية الانتحار لن تعمل على حل الأزمة في مناطق النزاع المسلح حيث إن الحل يكمن في جلوس أطراف النزاع مع بعضهم في حوار مشترك ومن ثم تتوصل لحل مشترك من خلال منبر المفاوضات في أديس أبابا.

استحضار الذاكرة
قد تترك خطوة تاور وتصريحها تساؤلات شتى في انتظار إجابات تسبر بعض أغوارها ، إلا أن السؤال الآن هو ..هل استحضرت الذاكرة البشرية عند عفاف حادثة الرئيس الكوري الجنوبي السابق روه موهيون التي أقدم عليها قبل أكثرمن عشرة أعوام حين قام بخطوة مثيرة وحاسمة تمثلت في قفزه من فوق جبل بونجهوا قرب منزله، مما أدى إلى نقله على الفور إلى المستشفى في مدينة “بوسان” بجنوب البلاد، حيث فارق الحياة بسبب إصابته البالغة برأسه. عموماً فكثرة الضغوط النفسية التي يتعرض لها السياسيون في العالم والمشاكل التي تطرأ عليهم قد تسبب لهم خللاً نفسياً يدفعهم بعد ذلك إلى الانتحار وتفضيل الموت عن حياة الذل بين أعدائهم بعد السقوط في أيديهم.

الخرطوم: الهضيبي يس
صحيفة الصيحة


تعليق واحد

  1. فاقد الشئ لا يعطيه الانتحار يحتاج لكلام ولا تصريحات ؟؟؟الانتحار بالاخرين أمرا جلل اما الانتحار بالاخرين فهو قمة الانانية التى تشبه شعب النوبة وهو الشعب الذى تجتمع فيه كل الاشياء الغير انسانية …..ثقافة الانتحار تكون عظيمة فى مفجر الربيع العربيى الفقيد ابوعزيزى التونسى فكم هذا بعيد من ذلك ……..فكرى لماذا اولادكم هم من يقتلو الكل حتى أهلهم !!!! هم كل ما هو نكرة …. ربنا يستر أهل السودان منكم ويكفيهم شركم