مقالات متنوعة

اسحاق الحلنقي : كأس من سموم عقرب خضراء


* فوجئت بدخول الفنان محمد وردي يزورني بعد طول غياب في منزلي بإمارة الشارقة، فسالمني معانقاً وأخذ يذكرني بأيام لنا مع عصافير الخريف وهي تحلق شرقاً بحثاً عن أعشاشها في مدينة كسلا، وفجأة طلب مني أن أسمعه الجديد من أغنياتي فأهديته أغنية (أقابلك) وأثناء خروجه من المنزل سأل ابني الصغير المعتز هل تعرفني؟.. فرد عليه بكل براءة الأطفال (أنت منو أنا ما عارف)، فنظر إليّ وهو يقول إن الطفل السوداني الذي لا يعرف اسم وردي لا يمكن أن يكون سودانياً ثم مضى في سبيله.
* كان الشاعر حسن الزبير نحيلاً كأنه آهة تمشي، كان صوّاماً قوّاماً عليه لمحة من إشراق كأنه شمعة في معبد، ما أقيم حفل عرس إلا وكان أول المهنئين، وما أقيم سرداق عزاء إلا وكان أول المعزين، يكتب الكلمة الغنائية بطريقة فيها من الشفافية ما يجعلك تشعر كأنك أمام بستان يتكلم، في رأيي أن أغنيته (ما بنختلف) التي غناها الفنان الراحل خوجلي عثمان تعد من أعظم الأغنيات التي عرفها تاريخ الغناء في السودان، وقد قال عنه الشاعر محمد بشير عتيق إن حسن الزبير يكتب الشعر بالبساطة التي يتناول بها برتقالة من حدائق شمبات.
* كان الفنان الراحل خوجلي عثمان هو الفنان الوحيد الذي يتذكر اسمي دائماً في كل مقابلة فنية، مرئية أو مسموعة ويؤكد مرة بعد أخرى أن أغنيتي (اسمعنا مرة) هي التي جعلت منه فناناً، أذكر أننا التقينا بعد سنوات بحفل عرس بإمارة أبو ظبي فغنى لي أغنية (الذكريات)، فشعرت أن الغربة لم تدع لي دموعاً أذرفها على أيام كانت لنا هناك بين أحضان الحبيبة أم درمان، الغريب أن بعض الفنانين الذين جعلت منهم أغنياتي نجوماً، يمرون بي كأنني شجرة ذابلة على طريق وربما يستكثرون عليّ حتى السلام.
* قال أحد علماء الحشرات إن أكثر العقارب سماً هي العقرب الخضراء، وقال إن لدغتها قد تعرض الإنسان إلى رحيل مؤكد، توقفت كثيراً عند هذه المعلومة، فاللون الأخضر كان راية لجيوش المسلمين في الفتوحات الأولى، والخضرة هي السيدة على كل الألوان دون منازع والحياة لأرض صخرية الملمس، ويقولون إن (كيلوباترا) قد تناولت كأساً من السم لعقرب خضراء عجّل برحيلها.
* الأمير العربي الذي أصدر أمراً بدفن الشاعر وضاح اليمن حياً، لو استمع هذا الأمير إلى عدد من القصائد الغنائية قبيحة الوجه التي تقدم هذه الأيام من أمثال (نفسي فيكي) و(أنا بردانة)، لأصدر أمره فوراً بأن يتم القبض على الشعراء من أصحاب الغناء الهابط ومحاكمتهم بالجلد مائة جلد في أحد الميادين العامة.
هدية البستان:
يا أعز الناس.. حبايبك نحنا زيدنا قليل حنان
العمر زادت غلاوتو معاك.. وصالحني الزمان