منى ابوزيد

المسطول والمفتاح ..!


“وهُدى التجارب في الشيوخ وإنما .. أمل البلاد يكون في شبانها” .. معروف الرصافي ..!
(1)
الإصرار على اقتران التقديس بالتسييس في تمثيل الحزب الطائفي يجعل دعاة “تجديد المسار” يائسين ويتعاملون مع هويتها الحزبية المزدوجة بسلوكيات حادة تدمر صيغ التعايش فيما بينها، فيخرج النزاع بصورة بائسة إلى العلن ..الناس في هذا البلد ما عاد يكفيها أن تتبع أحداً، ولا بات يرضيها أن تؤله سيداً، بعد غاشية الفشل السياسي وقارعة المعاناة الاقتصادية التي جففت أقلام التأليه ورفعت صحف القداسة ..!
(2)
تنازع الاختصاص فهو المشجب المفضل للقائمين على معظم مشاريع التنمية في السودان، والنتيجة منصرفات أكثر، ومنجزات أقل .. ناهيك عن تكاثر المتظاهرين بالعمل على حساب العاطلين (القادرين على العمل، الراغبين فيه، الباحثين عنه، دون جدوى) .. أي حديث عن تفاقم ظاهرة التظاهر بالعمل لا ينبغي أن يكون بمعزل عن تفكيك البعد الأخلاقي، ومن ثم تحليل المرض بناء على التشخيص النفسي والاجتماعي للظاهرة، قبل وصف الدواء القانوني والإداري الناجع .. والنزاهة في تفكيك المتغيرات التي تطرأ على المحكوم تقتضي الإشارة إلى ارتباطها المباشر بمسلك الحاكم وسلوك السلطة التنفيذية التي تتولى قيادة هذا المجتمع وتدبير شئونه بما يفترض فيه الخير والمنفعة .. فـ الأخلاق الموجهة للسلوك العام لا تنفصل أبداً عن كل ذلك، وعليه فإن مثالب القيادات غير الرشيدة هي الباعث الرئيس على تبدل غايات وأخلاقيات مجتمعات العمل العام وتفاقم أخطائها السلوكية .. التظاهر بالعمل في ساحات العمل الإداي هو الوجه الآخر للتظاهر بالإنجاز في ميادين العمل السياسي .. والإصلاح الحقيقي يتطلب نفض العدة القديمة وتصحيح المنهج ..!
(3)
معظم السودانيين ينتقدون العشوائية، وكلهم يمارسونها في علاقاتهم الرسمية أو الخاصة، مع الخلصاء والمعارف أو مع من يقابلونهم لأول مرة، لا فرق! .. بين كل مائة مسافر سوداني – يجوبون صالات المغادرة والوصول بمطارات العالم – أكثر من ثلث هذا العدد على الأقل، يحملون بكل بساطة أمتعة لا تخصهم، تسلموها من أشخاص قابلوهم لأول مرة، ووافقوا على قبول إيصالها مكرهين – إلى آخرين لا يعرفونهم .. خجلاً من الامتناع عن تقديم المساعدة .. أو احتساباً عند الله وتحرياً لأجر المناولة .. هو كما ترى سلوك عشوائي سائد جداً، على الرغم من كونه يعرض مرتكبيه للمسائلة والعقاب في حال مخالفة ما يحملونه لقوانين حمل الأمتعة، التي تقول ببساطة أن محتواها على مسؤولية الراكب الذي ارتضى أن يضع اسمه على أي برطمان ملوحة .. أو كيس ويكة .. أو كرتونة طلح .. كانت في طريقها من مرسل مجهول، إلى مستلم مجهول، عبر مسافر عشوائي ..!
(4)
نحن من بلاد ابتلاها الله بأجهزة تنفيذية مثل مسطول النكتة – الشهيرة إياها – الذي ظل يلف ويدور طوال الليل حول عمود إنارة بحثاً عن مفتاح بيته الذي سقط في أطراف الحي، وعندما سأله العسس “لماذا تبحث عنه في غير مكانه” ؟! .. أجابهم “في أطراف الحي لا توجد إضاءة كافية” .. معظم مصائب الأجهزة التنفيذية في هذا السودان تقبع في المسافة – الفاصلة – بين مفتاح القرار وعمود النور ..