رأي ومقالات

من يختار شريك الحياة؟


تبدأ الحكاية بالرّجل الوسيم، طويل، جميل، أبيض اللّون مع شعر أسود، ينحني مع العلبة المغلّفة بالقماش المخملي ويفتحها وفي عينيه رجاء.. تزوّجيني!

لكنّها ليست حكايتكِ.

تتعدّد السّيناريوهات لكنّ القصص تتشابه.. الرّغبة. اكتشاف الجنس الآخر. الميل للاستقرار. هوس تكوين عائلة. الأمّ الّتي تطرق الأبواب بقائمة طويلة لانتقاء العروس. اللّقاءات المتكررة والابتسامات العصبيّة والكلمات المجاملة. صفقات بيع وشراء. حرج لحظة رؤية البضاعة. الصّدمة! هل صدمة الطّرفين؟

تختلف التّفاصيل وتبقى الحكاية تتلوّن مع كل زوجين بلون جديد، لكنّ الحكاية الأولى لها ذكراها الخاصّة.. تقودك الأُمّ لتملأ بكِ ناظِريّ أُمِِّ أخرى ترفع قائمتها وتشطب ما تشطب، طويلة. قصيرة. سمراء كالشّمس. بيضاء كالقمر. نحيفة كغزالة. ممتلئة كفاكهة الجنّة. حمراء الوجنتين. خضراء. زرقاء. صفراء.. تطول القائمة. وإمّا “زين ما كبّرتوا وربّيتوا” أو “النّصيب من ربّي”، فإمّا الجنّة وإمّا النّار، لكنّ الصّراط طويل!

يقودك الوالد ليملأ بكِ عيني رجُل ما، تجلسين على استحياء فيما يقلّب ويفصص فيكِ ما يعجب وما لا يعجِب، لا يجلسُ الخاطب على استحياء، بل يعلن رغبته هكذا علناً وصراحة، لكنّك تختبئين وراء الابتسامة الخجولة، تبدأ الألسنة في الدّوران بحكايات وقصص الرّجال، ينسون أو يتناسون وجودك، تسرقين اللّحظة لتنالي منه صورة لوجهه عن المابعد، الصّدمة.. فقط الصّدمة! تنسحبين لا تدرين إلى أين، لا يتبقّى وقت طويل حتّى يجيء السّؤال عاجلاً، إمّا نعم وإمّا لا. مع التّشديد على النّعم والتّرهيب من الّلا، تفكّرين.. قبولك خضوع لرغبة غير رغبتك، تتلكّئين، يقولون “يخدم على راسه ويصلّي في الجامع ويصوم رمضان”.. ولا تستطيعين أن تفهمي ما علاقة حقوق الرّبّ في حقوقكِ ورغبتكِ أنتِ!

تَجِيء الـ”لا” قاطعة مغلّفة بتفسير غير مقنع، توالت الّـ”لا” شيئاً فشيئاً وعلى مهل اتّضحت التفسيرات أكثر فأكثر.

بمرور السّنوات يخفّ خجلكِ وتشنّجهم، رغباتك بدأت تعلن عن نفسها أمام الآخرين، تتغيّر الكلماتُ من أتمنّاهُ وأتمنّاهُ ولا بأس، إلى أُريدهُ وأُريدهُ وإلّا فلا. تضربين زيجات القريبات والصّديقات الفاشلة كأبلغ مثال، تحلّلين وتنظّرين عن الشّخص المنشود والحُبّ وتطرحين زواجات الصّالونات وصفقات الزّواج وعرسان اللّقطة كصُرّة ملأى بسلع بائرة لا تتناسب وذوقكِ.

صرتِ حكاية من حكايات، منهم من يشمت ومنهم من يسأل الله الهداية، ومنهم من يتصوّر أفكارك انحرافاً تستحقّين عليها الرّجم حتّى الـ.. حتّى يستر ابن حلال عليكِ.

تتصوّرين حياتك بكلّ أسرارها وكما هي، لكِ وحدكِ، لستِ ملزمة بمشاركة أحد. لا تحتاجين موافقة على كلّ فعل تقدمين عليه. لا يُتَطلّب منك تقديم تقارير لأيّ إنسان عن ميعاد صحوك ومنامك، ولكنّك رغم هذا تشعرين بفراغ.. وفكّرتِ أنّك تحتاجين أن تمتلئي بأحدهم.

من ترضونه ديناً وخلقاً فزوّجوه، لكنّك لا ترضين، ليس انعدام قناعةِِ ولا قلّة تواضع، ولكن الرّغبة، تضعين سيماء الجسد على ثقلها فوق ميزان الحكم أيضاً، حسّكِ الأخلاقي رغم كلّ شيء يزن ويقلّب، ينظرون لك بارتياب اتّهاميّ، ماذا يُهمّك في الرّجل شكله؟! “الجمال للنّساء”، تصرخين -في داخلكِ طبعا- أليس لي الحقّ في أن أستمتع أنا بهِ كما يستمتع هو بي؟!” تودّين قولها مهما كان صادماً للآخرين سماعها، لكنّك..

تقولها لكِ إحدى القريبات شامتة هازئة، هذا ليس زواج متعة! هذا استقرار. هذا “دوم مش يوم”. هذا حوش وراجل وعيلة وصغار.. هذا لا يقرب الخمر ويصلّي، هذا هو الفارس المنشود.. يبدو لكِ التّناقض أساسيًّا، كيف للخمر والصّلاة أن يكونا على اختلافهما عقدتين في حبل ملتفّ حولك دوم مش يوم؟!

يبعث لكِ أحدهم يريدك زوجة، تفكّرين.. كيف يمكن للذّكور جميعاً، الرّجال منهم والبين البين، تقديم قرابين الرّغبة والمحبّة هكذا بكلّ بساطة، يعرف الواحد منهم ضالّته أو شهوته، يعرفها، يلمسها، يراها، يشمّها ويعيش فيها دون أن يشعر بالخجل من إزاحة السّتار عنها، ولوقت طويل قبل أن تكتشفي بواطن قوّتك وأنوثتك ويكتشف العالم الزّهرة البرّيّة المتفتّحة الّتي جاوزت الورود الحمراء جمالاً وفتنة، لوقت طويل تشبّعتِ بفكرة الانتظار، الرّجل هو من يختار، سكنت هذه الجملة رأسكٍ، الانتظار والتّرقّب فقط هو ما تملكين، حسدتِ الجنس الآخر على حدودهم الواسعة السّهل تعدّيها في حالاتٍ قصوى وتتفاوت، أنتِ أيضاً تعرفين ما تريدين ومن تريدين، ولا تجرُئِين على الحديث عنه، خوفا.. من فضيحة؟! متى كانت رغبة الأنثى فضيحة ورغبة الذّكر حقّا معلناً مشروعاً؟! هل الفضيحة في الفعل أم في القولِ الّذي يفرش البساط للنّيّة في الفعل؟!

هو الّرجُل، والرّجل هو من يختار، يكرّرونها على مسامعك مذ كنتِ طفلة بلهاء حائرة بين آيس كريم الفانيليا والفراولة، والرّجل هو من يختار، ينظر في عينيكِ ويختار الفراولة، يظنّك عاجزة! تمرّغين أنفه في الفراولة وتختارين الفانيليا.

تقولين أنا أيضا أختار، وإن كنتُ سأختار من جملة من يختارونني على أقلّ تقدير، ألم تختر خديجة محمّداً عليه أفضل الصّلوات والسّلام؟!
أنا لن أختار رسولاً..

تتخمّر الفكرة في رأسكِ حتّى تلسعكِ رائحتها وتتحوّل الرّغبات المدفونة إلى حديثٍ نصف معلن.

منذُ قلّدت نفسك سلطة الاختيار، تلاشى بريق اللّعبة، عرفتِ أنّكِ ستحملين عبئاً ثقيلاً مع هذه السّلطة وخفتِ.. من خطأ الاختيار، ولكنّك وبقدر عمق إحساسك بهذا الدّور المسؤول الّذي يلعبه الرّجل، خفتِ أكثر.. من أن لا تكونِي على الشّاكلة الّتي يتصوّرها.

هو يتخيّلك أنثى من حرير بعينين واسعتين، تخدش حواف شعرك فخذيك بنعومة أظافر طفل صغير، يتلوّى الجسد فيتكوّر وينحني هنا وهناك، لكِ رائحة المسك والياسمين الواخزة، لا تتمخّطين ولا تقضين حاجتك ولا تعودك دورة الحياة المجبولة في كلّ امرأة كلّ شهر.

خفتِ من أن لا تكوني ذكيّة بما يكفي، وستّ بيت شاطرة لها صولات وجولات تدلّلُـه بحلوى “الإكلي”ر صباح مساء، خفتِ أن لا تبدين مرحة متألّقة وانتقصتِ نفسكِ لجهلكِ التّام في عالم الرّقيّ والماركة والفخامة، لا تريدين أن تخيّبي أمل الرّجل كي لا تخيّب الدّنيا أملكِ، تسألين نفسكِ صامتة.. ماذا إن لم أكُن كما يريد؟ لا تحارين جواباً!

كيف تنتهي الحكاية؟ لا تعرفين! النّهاية ليست في الاختيار، هذه هي البداية..

 

 

huffpostarabi