تحقيقات وتقارير

“فشل” أم مجرد “شوشرة”؟ العديد من المطبات تكتنف مسار العلاقات السودانية المصرية قبيل انعقاد اللجنة العليا بين البلدين.. غش وتسريب.. نهضة وتعدين قبالة الطاولة


قبل أيام زار مساعد وزير الخارجية المصري أسامة المجذوب الخرطوم، وذلك للإعداد للجنة العليا المشتركة بين البلدين والمزمع انعقادها كما أعلنت مصادر في مصر والسودان الأسبوع الأول من أبريل الجاري.. أي في هذه الأيام. مكث المسؤول المصري بالبلاد ثلاثة أيام التقى خلالها عددا من المسؤولين وتم التمهيد والإعداد لهذه اللجنة، بينما حل وزير الخارجية المصري سامح شكري ضيفاً على الخرطوم أيضاً في توقيت مقارب، في زيارة مفاجئة. وتهيأت الساحة في البلدين لانعقاد اللجنة بالقاهرة، كما هو مقرر لها، برئاسة الرئيسين البشير والسيسي.

حسناً؛ في وقت كانت بوصلة الأحداث تشير خلاله إلى اقتراب موعد القمة، وينتظر إعلام البلدين فيه التصريحات المتعلقة بالمشروعات الثنائية والتكامل المنشود، جاءت قرارات التحفظ على 26 طالبا مصريا ممن تورطوا في غش وتسريب امتحانات الثانوية السودانية، ما أدى إلى زيارة عاجلة لوزيرة الهجرة المصرية نبيلة مكرم عبيد للخرطوم، للوقوف على الأمر، وذلك بتكليف من رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل.
نبيلة قضت بالخرطوم ثلاثة أيام التقت المسؤولين وأولياء الأمور وتبينت الأمر، وأكدت أن هذا الموضوع يعد أمنا قوميا بالسودان، ما أثار استحسان كثير من وسائل الإعلام المصرية لاحترام السودان لهذه الشهادة المهمة، وفور وصولها القاهرة أعلنت الوزيرة أن الجانب السوداني وعدها بالإفراج عن الطلبة المصريين خلال أيام، موضحة أن هناك لجنة سودانية ستتوجه إلى القاهرة لتوضيح الأمر برمته.

ويقول مهتمون إن التعامل في هذا الموضوع كان واجبا سودانيا، لا يمكن أن يشكك فيه أحد، وتعامل معه الجانب المصري بذات المسؤولية بتكليف مسؤولة، وسفرها على الفور إلى الخرطوم للوقوف على الأمر، وتفهم المصريون حساسية الموضوع بالسودان. وجاءت تصريحات المسؤولة المصرية بوعي وحكمة واحترام للجانب السوداني بأن هذه العملية أمن قومي سوداني يحترم من جانب مصر.
وعلى الرغم من أن البعض كان يتحدث عن تهويل من الجانب السوداني، إلا أن عبد المحمود عبد الحليم السفير السوداني بالقاهرة أكد أن الطلبة المصريين غير معتقلين في قضية تسريب الامتحانات. وقال عبد المحمود لـ(اليوم التالي) إن السلطات تعالج الأمر بأبعاده التربوية والأمنية، مؤكدا أنه ليس هناك أي استهداف لبلد أو خلافه في هذا الموضوع، مضيفا أن الوزيرة المصرية وجدت كل العون والترحيب من المسؤولين السودانيين لحل هذه المشكلة خلال زيارتها للبلاد، وأنها وجدت الفرصة أيضا لبحث التجارب وتبادل الخبرات مع الهيئة السودانية النظيرة؛ وهي جهاز تنظيم السودانيين العاملين بالخارج.

“تعامل بحكمة”
بالنسبة لمراقبين فإن حديث نبيلة مكرم بعد عودتها من الخرطوم أكد على أن مسؤولي البلدين يتعاملون بحكمة واحترام متبادل في مثل هذه المسائل الطارئة.

وفي وقت يستبشر خلاله مراقبون برقي التعامل بين البلدين في هذا الملف، فإنه وقبل الإفراج الذي أعلنته الوزيرة المصرية عن طلاب مصر، لاحت مطالب نقلتها صحيفة (الجريدة) قبل يومين، مستندة إلى بيان صادر (السبت) الماضي من قبل المعدنين السودانيين العائدين من مصر بعد حبسهم شهورا بها. ويطالب البيان المشار إليه بعدم إطلاق سراح الطلاب المصريين الموقوفين بسبب الغش في امتحانات الشهادة السودانية، قبل محاكمتهم، وإرجاع ممتلكات المعدنين المحتجزة في مصر منذ (9) أشهر. وطالب بيان من لجنة المعدنين السودانيين الحكومة السودانية بعدم التساهل في قضية الطلاب المصريين، وإخضاعهم للمحاكمة وفقاً للقوانين، ووصفوا خطوة الطلاب بأنها تعدٍ على البلاد وجرم يهدد الأمن القومي، واتهم البيان السلطات المصرية بالتقاعس في إرجاع ممتلكاتهم التي صادرتها منهم خلال احتجازهم قبل (9) أشهر، وأوضح البيان أن مصر وعدت أكثر من مرة بإرجاعها دون جدوى، رغم التزام حكومة السودان بالإفراج عن الصيادين المصريين الذين عبروا المياه الإقليمية بكل عتادهم في وقت سابق.

منع صحافيين
في الأثناء منعت السلطات المصرية بمطار القاهرة (4) صحافيين مصريين من (4) مؤسسات إعلامية، من التوجه إلى السودان للمشاركة في تغطية زيارة المشير عمر البشير رئيس الجمهورية إلى دارفور قبل يومين، وكان المبرر أنهم لا يحملون تصريحاً أمنياً للسفر، رغم إن الصحافيين حصلوا على تأشيرات دخول للسودان من السفارة السودانية في القاهرة إلى جانب تسلمهم خطابات دعوة لتغطية الزيارة المهمة للرئيس البشير، وتم المنع بعد اكتمال كافة الترتيبات لهم من استلام للتذاكر وإجراء للحجز رغم أنهم كانوا برفقة مسؤول في السفارة السودانية، وعاد الصحافيون للحصول على التصريح الأمني، إلا أن السلطات المصرية أبلغتهم أنه لا يمكن الحصول على التصريح إلا بعد عدة أيام. وقد استقبلت عدد من المصادر المسؤولة في السودان الأمر بغرابة، وتساءلت: لماذا التعنت في سفر هؤلاء الصحافيين رغم حصولهم على إذن من السفارة السودانية بالقاهرة وهو ما يؤدي الغرض؟، وألمح البعض بأن هذا الموقف جاء ردا على ما حدث للطلاب المصريين، وهذا ما نفاه مصدر مصري قائلا لـ(اليوم التالي): لا أعتقد أن يكون هذا الأمر رد فعل من الجانب المصري، موضحا أن ضابط الجوازات بالمطار لم يكن مرنا وكان عليه أن يسمح بسفرهم.

تصريحان مهمان
وسط هذه الأجواء نشر قبل أيام تصريحان لمسؤول بوزارة الموارد المائية والكهرباء يقول فيه إن السد العالي سيفقد قيمته ويصبح (حيطة)، وطالب بأهمية الاتفاق مع إثيوبيا لحفظ حقوق السودان، مؤكدا أن سد النهضة يحول التخزين الاستراتيجي من أمام مصر إلى السودان، نافيا وجود أي نزاع بين إثيوبيا ومصر، وقطع بعدم وجود دراسة تشير إلى وجود أضرار من سد النهضة، وأقر بوجود آلية إعلامية وصفها بـ(شرسة جدا). أما التصريح الثاني فقد كشف فيه الدكتور سيف الدين حمد رئيس اللجنة الثلاثية السودانية، في مباحثات سد النهضة عن الرؤية الاستراتيجية السودانية الخاصة بسد النهضة في المباحثات الثلاثية الحالية، كشف عن أن التخزين الحالي من المياه لا يجعل السودان سلة غذاء العالم العربي والعالم، دون تخزين من دولة إثيوبيا، مضيفا: “سد النهضة الإثيوبي يعد مصدر التخزين الاستراتيجي للسودان والأفضل”، وأضاف وزير الموارد المائية والطاقة الأسبق، في ندوة عن آثار السد على السودان نظمتها جمعية المهندسات السودانيات (الثلاثاء) الماضي، أن مستقبل السودان يعتمد على التخزين في إثيوبيا رضينا أم أبينا، وسعة سد النهضة تقدر بضعفي سعة السد العالي في مصر، مشيرا إلى أن السودان هو الدولة الوحيدة التي تهدد مصر في حوض النيل، وأن السودان يتأثر بما يحدث في إثيوبيا، لافتا إلى أن مصر شهدت مؤخرا، توسعا في الزراعة وإنشاء ترعة السلام، لنقل المياه إلى سيناء، وهو الأمر الذي وصفه بأنه “خطير ومخالف للاتفاقيات الدولية”، التي تحرم نقل المياه خارج الحوض، كما لفت إلى تسجيل إثيوبيا اعتراضاً على الأمر في الأمم المتحدة، وقطع بأن السد العالي تم إنشاؤه جغرافيا في مصر وفنيا في السودان، متابعا: “لولا موافقة حكومة السودان على بناء السد لما تم إنشاؤه”، مشددا على أهمية المحافظة على حقوق السودان في ظل استمرار التنازلات التي تقدمها الدولة.

انزعاج مصري
قابل المراقبون المصريون هذين التصريحين بانزعاج شديد لأهمية الرجلين واللذين صرحا بهما في ندوة واحدة وفي هذا التوقيت، ورأى البعض أن ذلك قد يؤشر لسيناريو سوداني جديد في سد النهضة، بيد أن فريقا آخر رأى أن انتشار مثل هذا التصريحات على نطاق واسع في مصر ما هو إلا تشويش على وزير الري والمياه الجديد والذي تولى مهام منصبه قبل أيام.

قبل الانعقاد
حسنا.. هذه هي الأيام التي تسبق انعقاد اللجنة الوزارية العليا المشتركة بين البلدين، فماذا نقرأ منها؟، هل هذا دليل على فشل هذه اللجنة قبل انعقادها؟، أم هي مجرد (شوشرة) للتأثير على العلاقة بين البلدين قبل الجلوس على طاولة توطيدها؟ وإلى أي مدى ستظل العلاقات المصرية السودانية رهينة لسياسة (واحدة بواحدة)، أو (هذه بتلك)؛ معدنون مقابل صيادون، ثم ممتلكات معدنين مقابل طلاب؟
وفي وقت يتساءل خلاله مراقبون؛ متى سنخرج من هذه الدائرة التي ربما صنعتها حلقات وسيطة لا تريد خيرا لهذه العلاقات، يتراءى للمهتمين أن القيادة العليا بالبلدين لديها نوايا طيبة وإرادة سياسية حقيقية لتحقيق تقدم في هذه العلاقات، بيد أن مجرى قرارات القيادة السياسية العليا بالبلدين مغلق ولم يصل إلى بر التنفيذ بأمر دوائر وسيطة تتحجج بالروتين أحيانا ولا تريد التنفيذ أحيانا كثيرة.. ويبدو أن مصير هذه العلاقات مربوط بكلمة من البشير والسيسي تخرج في كل مرة ولا تجد مكانا فتبعثرها الرياح، ثم تعود الأمور القهقرى في كل مرة، بانتظار سانحة انعقاد جديدة، وقمة أخرى.

القاهرة: صباح موسى
صحيفة اليوم التالي


تعليق واحد

  1. ( إنه لمكر مكرتموه في المدينة ) لم تأت جميع الإجتماعات السابقة بنتائج منذ إنشاء هذه اللجنة قبل عشرات السنين فهي ( عجل جسد له خوار ) فمن أين يأتي هذا الإجتماع بنتائج وهو يعقد في جو مكفهر وضغط مرتفع وسد مشيد .