الطيب مصطفى

بين الاتحادي وإصلاح الأحزاب


أقول لقرائي الكرام، إننا لا نكثر من الكتابة عن أهمية إصلاح الممارسة السياسية في السودان من خلال إصلاح الأحزاب السياسية، إلا لأن ذلك يُعتبر من أهم الأسس التي يقوم عليها التغيير الذي ننشده وندندن حوله ليل نهار، فلا فائدة تُرجى من أي حوار أو تفاوض أو اتفاق أو خارطة طريق أو غير ذلك من الآليات التي تجتمع حولها القوى السياسية وتنفض ما لم ينصلح حال أحزابنا السياسية من خلال هيكلتها وإقامتها على أسس راسخة من البناء الديمقراطي القائم على القانون والنظم واللوائح الضابطة، ذلك أن فاقد الشيء لا يعطيه، ولن يحكم حزب أو أحزاب بموجب الأسس الديمقراطية ما لم تقم هي ذاتها وتتحاكم وتتعامل بتلك الأسس.
ما كتبتُ بالأمس عن الاتحادي الأصل إلا لأنه حزب تاريخي قديم أشعر بالحزن أنه الآن يتهاوى ويتلاشى جراء جموده وعجزه عن التفاعل مع الحراك والتحولات السياسية التي يشهدها السودان الآن، وقد أعجبت بشجاعة أحد أبرز قيادييه (علي نايل) وهو يعترف بمعاناة حزبه الأمر الذي يؤكد حرصه على تصحيح المسار، فقد قال الرجل إن إبقاء نجل الميرغني على دفة القيادة يمثل (كارثة) تهدد بزوال الحزب، بل قال إن (الاتحادي الأصل يسير إلى نهاية مؤسفة)، مشيرًا إلى أن الوفد القيادي الذي توجّه إلى لندن للقاء السيد محمد عثمان الميرغني سيسعى إلى إقناعه بالعودة إلى أرض الوطن بعد أن بقي لمدة تجاوزت السنتين ونصف بعيداً عن السودان، في وقت تمور فيه البلاد بأحداث عاصفة وأخطار كبرى في محيط جغرافي مشتعل بالحروب والصراعات الدامية.
علي نايل لم يجانب الحقيقة عندما تخوّف من تلاشي الحزب الذي فقد البوصلة، وما عاد بمقدور أحد أن يعلم وجهته.. هل هو مشارك في الحكومة أم معارض ومتحالف مع من يسعون إلى اقتلاعها، ولا يعلم أحد من هو الناطق باسمه المعبّر عن مواقفه السياسية، فكل يصرّح معتبراً نفسه الآمر الناهي الممسك بخطام الحزب، بينما الزعيم الأوحد يعيش بعيداً في عاصمة الضباب ملتزماً الصمت لا يستفزه أو يحرك سكونه محرِّك حتى لو مادت الأرض تحت قدميه.
دُهشت من تصريح أدلى به محمد سيد أحمد سر الختم الذي عُرف بأنه عضو هيئة القيادة بالاتحادي الأصل لوكالة (سودان تربيون) والذي قال عقب لقائه السيد الصادق المهدي في القاهرة إن الاتحادي الأصل وحزب الأمة اتفقا على أن (خارطة الطريق) التي وُقّعت في أديس أبابا الشهر الماضي (ناقصة) ولا تمثل كل الشعب السوداني، بل إن الرجل اتفق مع المهدي على أن يشارك الاتحادي الأصل في اجتماعات قوى نداء السودان المزمع انعقادها في باريس منتصف أبريل الجاري، وأن التوم هجو سيمثل الحزب في اجتماع باريس باعتباره ممثلاً للاتحادي الأصل في الجبهة الثورية.
أود أن أذكر فقط بأن التوم هجو القيادي الاتحادي هو أحد نواب رئيس الجبهة الثورية التي تشن الحرب على الحكومة بل على حزب التوم هجو – الاتحادي الأصل- باعتباره شريكاً في حكومة الإنقاذ.
أود أن أضيف أن اللقاء بين المهدي وسر الختم تمخض عن اتفاق بين الطرفين على تفعيل اللقاءات بين الحزبين، واحتفت صحف الخرطوم بلقاء الرجلين وأبرزته في صفحتها الأولى باعتباره لقاءً بين الحزبين الكبيرين، معتبرة سر الختم معبِّراً عن الحزب الذي لا أحد في هذه الدنيا يعلم من هو ناطقه الرسمي.
العجب العُجاب أنه عندما جلست قوى المستقبل للتغيير قبل نحو أسبوعين في فندق كورنثيا مع آلية (7+7) بحضور أمبيكي كان من بين الحضور السيد أحمد سعد عمر وزير مجلس الوزراء ممثلاً للاتحادي الأصل في آلية السبعة الحكومية التي وافقت على خارطة الطريق.
إنها (الخرمجة)، بل إنها الفوضى التي قال القيادي الاتحادي علي السيد المحامي إنها (سر قوة الحزب الاتحادي الأصل)! ذلك ما قاله علي السيد الذي صرّح بأن حزبهم (فوضوي)، ثم أردف ذلك بقوله إنها سر قوته ! هل كان الرجل يا ترى يسخر أم إنه كان جاداً فيما يقول؟.. لا أحد يعلم!
حزب يعيش زعيمه الأوحد بالسنين ذات العدد خارج السودان ويغادر ابنه الحسن (الوريث) منذ عدة أشهر إلى الخارج بالرغم من أنه الرجل الرابع في سلطة (الإنقاذ) .
هل السبب في تلك (الخرمجة) يكمن في الفوضى التي يعاني منها الحزب أم في حكومة الخرمجة التي تبيح لبعض قياداتها ولغيرهم من (كاسرين قيدهم) أن يفعلوا ما يشاءون؟.
الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل مثال صارخ على هشاشة الممارسة السياسية في السودان وأشعر بأن القوى السياسية المنشغلة بالأزمة التي تمسك بخناق السودان لا تولي إصلاح البنية التحتية للممارسة السياسية الاهتمام اللائق، وكثيرًا ما تساءلت: لماذا لا يُدرج هذا الأمر من بين أجندة الحوار؟.
المؤتمر الوطني ليس معنياً بهذه القضية، طالما أن هذه الفوضى الضاربة الأطناب تمكنه من (الكنكشة) سيما وأنه أسهم بقدر وافر في تشقيق الأحزاب بغرض إضعافها مما مكّنه من تسيُّد المشهد السياسي.
أمريكا بسكانها الذين يتجاوز عددهم (300) مليون نسمة لا يتجاوز عدد أحزابها الخمسة منها حزبان كبيران هما الديمقراطي والجمهوري، أما السودان الذي يتجاوز عدد سكانه الثلاثين مليوناً بقليل فهناك أكثر من مائة حزب سياسي، هذا بخلاف الحركات المسلحة التي تتجاوز الخمسين.
كثرة الأحزاب تعني مزيداً من التشرذم، باعتبار أن الأحزاب هي المواعين التي تجمع الولاء الوطني وكلما كثرت الأحزاب كلما تمزّق الشعب، والعكس صحيح.. كلما قلت الأحزاب كلما توحّد الشعب وتجمّع حول ولاءات وطنية قليلة.
من يلتفت لحال الأحزاب باعتبارها الحاضن الأكبر والضامن الأعظم لرشد الممارسة الديمقراطية وديمومتها؟