رأي ومقالات

وجدت من بؤس اللباقة ان اقول للرجل اني معزي ضال للمكان


كنت أشق الطريق بقلب الازقة في (أمبده) ؛انبش استفهامات السابلة رشدا لبيت عزاء اقصده وكعادة السودانيين فان من تستفسره وبعد ان يشد جلبابه ويحك مؤخره راسه يبدأ معك في تفاهمات قوامها استجواب للسائل ؛ حينا عن هوية المتوفي وهل هو امراة ام رجل وهل الوفاة نعي عابر لفضاء المدينة ام وفاة (قطع اخضر) البعض يستفسرك عن سمات الاسرة التي تقصدها وهل لهم ابن يقود حافلة (شريحة) او ان بالبيت تاجر اسمنت ! البعض يركن لفك الشفرة بالجغرافية فيسال هل اهل العزاء من شندي ام انهم كردافة ؛ومن يحسن الظن ويترفق بضجرك يدلك الي انه (شال) الفاتحة بالجوار لكنه لم يستفسر عن هوية المتوفي ثم يمنحك مرشدا بيديه ان سرا شمال وانعطف جنوبا واستقبل القبلة لتجد ان البيت خلف ظهرك ! ولان هذه خارطة طريق محيرة فالاسلم ان تشكر مرشدك وتقصد مبحثه بذاك الوصف والله وكيل المستغفرين
بعد تجوال شارف علي الساعتين وقفت علي سرداق العزاء حتي اني نسيت من اعزي ومن مات ومدي معرفتي بالفقيد اذ انتصبت في وسط القوم افتح يداي واقبضهما وانا اتلو اي الذكر الحكيم وأدعية الترحم ثم جلست وصبي يراودني بكوب ماء قراح دلقته في جوفي ولساني يمسد حافة شاربي ؛ كانت حرارة الطقس قد اسلمتني لعطش مريع ؛ شيئا فشيئا هدأ روعي وبدأت في تفرس الحاضرين ؛ اين عصام ؟ سألت نفسي ؛ لا اراه ولا اظن انه يغيب في حدث مثل هذا ؛ ثم جلت اتفرس بعيناي الحضور وافحص بالنظر حمض ملامح الحاضرين النووي ؛ لم يكن اي ممن يتلقون العزاء وانكفاء الفواتح يشبهون من اطلب ؛لم اري شخصا اعرفه وبدأ هذا محيرا لي فالرجل زول واجب ويستحيل ان يقضي شقيقه ثم لا أجد في السرداق شخص اعرفه زميل او صديق او معرفة ما ؛ كنت قد حضرت منتصف النهار بعد الدفن بساعات ولا يعقل الا يبر من اعرف الرجل بعزاء ملزم ؛ حينما مضت نصف ساعة ايقنت ان بالامر معضلة فتوكلت وهمست في اذن جار لي حول المجلس لحديقة هايد بارك بالجدل السياسي ؛ سألته (عصام وين ) التفت نحوي بضجر بسؤال مضاد عصام منو ؟ قلت عصام ..ثم اردفت شقيق المرحوم وليتني لم اقل ذلك اذ جفل الرجل ثم هب واقفا .. الفاتحة .. نهضت مرتبكا مربوكا ارفع الفاتحة بدوري ثم التقم اذني ليخبرني ( سوري ياخ) واضاف كانه يرمي سرا بيننا ان المتوفية (ولية) واني ربما ضللت العزاء !! وقفت هائما محلق في حرج بالغ ؛ تماسكت لاقول وانا اجلس رحمة الله عليها ؛ غيرت مجلسي بعيدا عن جاري الذي عاد لتحليلاته عن الوضع السياسي الراهن ؛ صرت كلما اجد فرصة ازحف من مقعد لاخر حتي احسست ان قد عبرت فوق كل الكراسي الحمراء المتراصة بالصيوان ؛ بعد نصف ساعة اخري وجدت نفسي في مقدم الصيوان فنهضت قائما .. الفاتحة ؛ ثم تسللت واحد اهل البيت يلاحقني من اجل انتظار الغداء ؛ امسك بي يلح وانا اسرف في رجاءات الانفلات ؛ كان زوج المرحومة وقد ظن اني زميلها بالعمل ؛ كانت عليه ملامح حزن يجالدها بصبر قنوع ظهر في غيم حزن ظلل وجهه امتد لوهن بصوته لاربت علي كتفه واعود معه ؛ جلست اليه ؛ وجدت انه من بؤس اللباقة ان اقول اني معزي ضال للمكان ؛ قلت لنفسي ربما كتب الله لهذه السيدة دعاء منك ؛ جلست والتزمت المجلس بيقين الصدق ؛ وجدت نفسي اخرج بعد صلاة المغرب ؛ وقد تأخرت بحثا عن بركة واجر لم اطلبه وانما وصلته سهوا .

محمد حامد جمعة


‫2 تعليقات

  1. سأمر فوق بعض سطور مقالك عابرا …وسأقف عند بعضها معلقا …فمعذرة الأخ ود حامد جمعة

    * أتفرس بعيناي …لماذا لم تقم باؤك بمهمتها الأزلية في جر عينيك ؟أن أن عينيك راسختان رسوخ الجبال لا شيء قادر على جرهما ؟

    * تقول : ولان هذه خارطة طريق محيرة …إليك خارطة طريفة حكاها أحد الشباب العرب ” قال لوالدته صديقة أرادت أن تزورها

    …وظلت الوالدة تقوده من شارع لآخر ومن حي لحي قرابة ساعتين ولم يعثرا على ضالتهما …طلب من أمه أن تتصل على الصديقة

    فاتصلت وتناول منها التلفون …سأهل يا خالة دليني على معلم بارز …قالت له : أي عند البنك الأهلي …قال لها : يا خالة البنك

    الأهلي له فروع كثيرة …قالت له : خليك من الفروع التانية وتعال عند اللي جنبنا

    * حول المجلس لحديقة هايد بارك بالجدل السياسي ”

    أوليست مجالس السودان برمتها فرحا كانت أو ترحا تغدو أو تمسي ” هايد بارك ” ؟

    ولا أرى غضاضة في ذلك فتلك الحديقة هي متنفسنا …وإلا لشهد العالم انفجارات نفوسنا المترعة حتى الحافة !
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    أدخل الموقع فما أن تطالعني صورتك حتى أمني النفس بوجبة شهية خفيفة يسهل هضمها

    التحية لقلمك المبدع