منى سلمان

سنة .. تبدو أقصر من دقيقة !!


أسرت إلىّ صديقة بأنها تعيش في (صورة مقلوبة لازم تعدّلا)، وذلك لأنها على العكس من جميع نساء الارض، تنتهي من الاستعداد للخروج قبل زوجها، بل وتجلس في انتظاره بالسيارة حتى ينتهي من ظبط التسريحة والاطمئنان على الشكّة والتأكيد على لمعة الجزمة، وبأنها تضطر أحيانا للضغط على (البوري) لتحفز زوجها على سرعة الخروج، حتى باتت تفكر في التأني أكثر في تجهيزاتها لتنتهي منها بـ (التزامن) معه، حتى تجنب نفسها حرقة الاعصاب والتغني بـ(رجيتك وفي انتظار عينيك كملتا الصبر كلو)!

في الوضع الطبيعي يلبس الرجل جلبابه ويلف عمامته وينتعل مركوبه، ثم يخاطب زوجته:

خلاص انتهيت؟! فتجيبه الزوجة من بين ضلفتي الدولاب (ثانية واحدة بس).. هذا المشهد يتكرر مع كل متزوج أي كان مكان تواجده في الكرة الارضية، فالنساء يتأخرن دائما عن الخروج في الموعد المحدد، نظرا إلى حاجتهن إلى زمن أطول للنظر في المرآة، ووضع اللمسات الأخيرة، وربما تعديل تسريحة الشعر لآخر مرة، والنظر للمرآة تسعاً وتسعين مرة وواحدة أخرى تكون على عجل !

المهم ثواني الانتظار تطول وتطول لتبلغ عدة دقائق، وبين عشر وخمس عشرة دقيقة في أغلب الأحيان .. ومع الوقت تتجمع الثواني لتتحول إلى عام كامل يخسره الرجل من حياته في انتظار انتهاء زوجته من تسريحة شعرها أو وضع الكحل في عينيها.

هذا على الأقل ما يقوله كتاب جديد صدر في ألمانيا عنوانه (في انتظار النساء)، ويوثق للزمن الذي يضحي به الرجل من حياته مقابل زينة المرأة .. فقد أصدر باحث ألماني، كتابا يحصي فيه الوقت الذي يقضيه الرجل في انتظار المرأة، ويقول في المقدمة إنه كرس وقتا طويلا من حياته لتسليط الضوء على هذه الظاهرة، وحاول أن يكون أكثر علمية وحيادا خلال بحثه ..

عموما، أحصى الباحث الذي يدعى (بيتز)، أن معدل ما يقفه الرجل في انتظار عملية تجميل المرأة خلال حياته هو سنة كاملة .. سنة كاملة (ضائعة) تضاف إلى الكثير من الوقت الضائع الذي يقضيه الإنسان من (عمره الضائع هدر) في انتظار المواصلات أو صفوف المعاملات، ويصف الكاتب التوتر النفسي المرافق لعملية انتظار المرأة بأنه خليط من القلق والتوجس والانفعال وكظم الغيظ، وأن مشكلة الرجال أنهم تعودوا على هذا الانتظار، وينتهي ضيقهم بمجرد انتهاء المرأة من زينتها، وينسون هذا الروتين عند المشوار القادم حتى يقعوا مجددا ضحايا الانتظار ..

وحتى لا نساعد على تضخيم القضية ونقوم بتأليب الرجال على نسائهم .. هم أصلا كايسين ليهم سبب، نلفت نظر السادة الرجال أن انتظار الزوجة لما مجموعه سنة كاملة من العمر، ليس بالشيء الكثير، لولا الأضرار الصحية المصاحبة له نتيجة الزهج والكواريك لتحفيز الزوجة على الاستعجال، فالإنسان يقضي ثلثي عمره في النوم وما مجموعه سبع سنوات في تحنيس النعاس حتى يغالبه النوم .. يشاهد الإنسان طوال حياته التلفزيون احدى عشرة سنة .. يقضي سنة ونصف في المرحاض .. سنة كاملة كمعدل في فراش المرض ضحية البكتيريا والفيروسات وغيرها .. سبعة أشهر كاملة كمعدل في غرف انتظار الأطباء والمستشفيات .. ثلاثة اشهر تحت الدش .. ينتظر المواصلات سبعة وعشرين يوماً.. بينما تقضي المرأة ستاً وسبعين من حياتها وهي (تنكت) داخل حقيبتها .. أها السنة مش حا تبدو أقصر من دقيقة ؟!!

الطريف أن الكاتب استطلع آراء بعض الرجال في الموضوع، فقال أحدهم إنه ارتكب الكثير من المخالفات المرورية بسبب محاولة تعويض تأخر زوجته عن مواعيدهما، وذكر آخر أنه صار يذهب إلى سيارته وينتظر خروج زوجته إلى الموعد، ويثير أعصابها بين فترة وأخرى بـ (ضرب البوري)، أما الثالث فلجأ إلى حيلة قديمة وهي أن يخبر زوجته كي تستعد قبل ساعة من الموعد الحقيقي، لكنه لم يفلح في ذلك دائما. أما عندما تم استطلاع أحد (البوهيجية) فقال بدبلوماسية إن النساء لسن بطيئات، ولكن نحن الرجال مستعجلين .. حكمة !!

أخيرا، يصف الكاتب تجربته في تقليل ضرر انتظار المرأة في البيت وخارجه، فيقول إنه يلجأ في البيت إلى التلفزيون أو إلى كتاب يمضي فيه وقت انتظار المرأة، أما خارج البيت فيخوض نقاشات حول كرة القدم والشطرنج مع رجال آخرين في انتظار زوجاتهم أمام الحمامات العامة، كما يفعل رصفاؤهم السودانيون عندما يقطعون وقت الانتظار أمام الكوفيرات والحنانات في النقاش حول الكورة والسياسة والسوق وشيء من نبيشة النسوان.
(أرشيف الكاتبة)