مصطفى أبو العزائم

مع رئيس هيئة أركان الطريقة “الختمية”..!


تعلمنا في بدايات عملنا الصحفي ألا نهاجم من لا يملك حق الرد علينا.. وبمعنى أدق لا نهاجم الموتى والمرضى في حالات مرضهم المقعد الذي لا شفاء معه والسجناء والمعتقلين، وألا نتعدى على أحوالهم وخصوصياتهم بما يؤثر سلباً على تاريخهم، ومستقبل الذين ينتسبون لهم دماً أو نسباً أو فكراً، أو عقيدة.
في بعض الأحيان يتعرض بعض رموزنا إلى هجمات قاسية من خصوم جادلوهم في الحياة، وانتهزوا فرصة الموت لتعزيز ذلك الهجوم ليصبح (كأنه) حقيقة تتناقلها الأجيال، وفي هذا تزييف ما بعده تزييف للحقائق والوقائع والتاريخ.
مولانا السيد “أحمد الميرغني” آخر رئيس مجلس سيادة في السودان– رحمه الله– تعرض لنيران كثيفة من قبل صحافة عهد ما يسمى بالديمقراطية الثالثة باسم الحريات، حتى تهتز قناعات الناس به وبكل نظام الحكم القائم آنذاك، حتى إن حدث أي تغيير بأي من وسائله المعروفة انتخابات كانت أم انقلابات، تقبل الناس ذلك إما مشجعين له أو غير مبالين، لأنهم قد تهيأوا له، وما أخطر أدوار الصحافة في تغيير المفاهيم وتكوين الرأي العام.
بالأمس، تلقيت محادثة هاتفية من مولانا الخليفة “عبد المجيد عبد الرحيم الصادق” خليفة خلفاء الطريقة الختمية، محادثة طويلة محتشدة بمفردات الوفاء والعرفان والتقدير للراحل المقيم السيد “أحمد الميرغني” المولود في (16) أغسطس من عام 1941م، والمتوفى في الثاني من نوفمبر من العام 2008م- رحمه الله رحمة واسعة– وقد أعرب السيد خليفة خلفاء الطريقة الختمية عن عظيم تقديره– بصفته تلك– وتقدير كل منسوبي الطريقة الختمية، لما كتبناه قبل أيام قليلة عن السيد “أحمد الميرغني” استناداً إلى ورود اسمه ضمن أسماء بعض القادة والزعماء العرب في ما يسمى بـ(أوراق بنما) وعن وجود حساب بنكي له غير معلن تضمن وجود مبلغ اثنين مليون دولار في ذلك الحساب المفتوح باسم شركة “أوف شور”، أي غير مقيمة في بنما، لا يخضع للضرائب، وتم فتح ذلك الحساب عام 1995م، أي أن الرجل كان خارج السلطة، وهو بالقطع لم يعرف عنه فساد مالي طوال فترة حكمه، ويشهد له بذلك الخصوم قبل الحلفاء.
المحادثة الهاتفية، وحديث الخليفة “عبد المجيد” بيّنا لي معنى الوفاء لدى الرجال، كما بيّنا لي بعد نظر السيد “علي الميرغني”– رضي الله عنه وأرضاه– في إنشاء مستشارتيه الخاصة المتعارف عليها باسم (شبكة الخلفاء) المنتشرة في كل أرجاء البلاد، وتمثل جهاز اتصال تنظيمي دقيق يمكن مولانا زعيم الطائفة ومن مقر إقامته في الخرطوم بحري، يمكنه من الاتصال بكل جماهير الطريقة الختمية في أي مكان أو زمان بسرعة وفعالية.
نعم.. كان الراحل مولانا السيد “علي الميرغني” بعيد النظر بإنشاء تلك الشبكة القومية التي جعل على رأسها من أطلق عليه خليفة الخلفاء، وهو بمثابة الخليفة الأول، أو رئيس هيئة أركان الطريقة، أو رئيس مجلس الوزراء، أو رئيس هيئة المستشارين لزعيم الطائفة والطريقة الختمية، وقد كان أول من تولى هذا المنصب الحساس الخليفة “علي مالك”، ويتولاه حالياً الخليفة “عبد المجيد عبد الرحيم الصادق”، وهو الصلة المباشرة والأعلى مع البيت “الميرغني”، وكاتم الأسرار، والمشرف العام على كل الخلفاء، الذي يتمتع بشبكة واسعة من العلاقات إضافة إلى ذاكرة اجتماعية قوية، وصلات يتوازى فيها الخاص مع العام مع الجهات الرسمية والشعبية، غير قدرات قيادية وتنظيمية فائقة، تجعله دائماً في المقدمة بعيداً عن الصراعات المحتملة أو المتوقعة لمن يتولى مثل هذه المناصب، أو يكون قريباً من مركز اتخاذ القرار.
حديث خليفة الخلفاء “عبد المجيد” عن الراحل المقيم مولانا السيد “أحمد الميرغني” كان متوقعاً بالنسبة لي، لمعرفتي به، وقد كان الحديث استمطاراً للدعوات وطلب الرحمة والمغفرة والعفو لمولانا “أحمد الميرغني”، وأدعية مباركة لكل من دافع عنه بلسانه أو بقلمه، دفاع الحق الذي لا مزايدة فيه، ولا تزلف ولا رياء.. فالرجل الآن في ذمة الله، وهو بين يدي مليك مقتدر، لكن الذين انبروا للدفاع عنه كما قال مولانا الخليفة “عبد المجيد” ما أرادوا جزاء ولا شكوراً، بل دافعوا عن الحق لأنهم كانوا أصحاب ضمائر حية.. ضمائر لا تغفو حتى وإن حاول البعض إسدال الحواجز والسدف والستائر على ماضٍ مشرف لرجل عظيم.. تغمدنا الله جميعاً برحمته وغفر لنا وعفا عنا، إنه عظيم الرجاء واسع العطاء كريم حليم.. ورحمن رحيم.