مقالات متنوعة

حصة الحمود الصباح : حي على العمل


مع صوت المؤذن لصلاة الفجر، يبدأ المعنى الحقيقي للحياة، والأذان هو نداء يخاطب آذاننا ليبعث في أرواحنا إشراقة يوم جديد، وأقوى المفردات التي تحمل في طياتها أعمق ما يحفز النفس البشرية لكي تتجافى جنوبنا عن المضاجع، تدعو ربها خوفا وطمعا، مستبشرين بخير قادم في يوم جديد.

عندما نسمع المؤذن وهو يقول “حي”، فكأنه يبعث فينا بفعل “حي” أسباب الحياة، التي يغمرها ركام الشهوات، وما تهوى الأنفس من استرخاء وتقاعس واستغراق في حياة مادية لا تتوقف أمواجها.. بين مد إغراءاتها وجزر خوفنا وقلقنا الدائم من الغد.

“حي” من الحياة، والحياة هي التغيير الذي يبدأ من الداخل، متوجها بثقة ويقين بالله إلى التغيير في الخارج، ولو بفكرة أو صدقة أو إصلاح بين الناس.. الحياة هي أن نحيا بين الناس بالأقوال الصادقة والأفعال الناطقة، والموت الحقيقي هو أن نموت بالصمت اليومي تجاه عاداتنا السلبية، حيث السكون القاتل للبهجة والأمل، فلا يشعر بنا أحد ونحن جالسون في محطة العجز تحت شمس الكسل المخدرة، من دون أن نأبه لقطار الحياة الذي يمر أمام أعيننا، عاجزين عن اللحاق بأي من أبوابه لننجو بفرصة تعيد لنا الأمل في حياة لا تتكرر فيها الفرصة إلا قليلا.

“حي على الصلاة.. حي على الفلاح”.. كلمات تحثنا على الجهاد الدائم لأنفسنا لكي نصل الحياة بخالقها وموجد أسبابها، فلا حياة من دون صلاة وصلة ووصل بالله جل وعلا، فهو سبحانه وتعالى يصل من وصله، فالوصل فلاح ونجاة وحياة حقيقية لا ترتبط فقط بمبنى نسجد فيه لله تعالى، ولكن بمعان ترافقنا في الحِل والترحال، فالوصل والفلاح أساسان تقوم عليهما دعائم كل نجاح وتقدم على جميع المستويات، أخلاقيا ومعرفيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وذلك بكل التفصيلات التي تواكب التطور الدائم في حياة شعوب الأرض.

النداء إلى الصلاة والفلاح بـ “حي” هو المثال الأكبر والتعريف الحقيقي لمعاني الحياة، ومن دون الوصل لا يوجد فلاح، ومن دون الفلاح يأتي الموت الحقيقي لكل المعاني الإيجابية، ولا يتبقى إلا موت الجسد، وموت الجسد لفاقد هذه المعاني هو إجراء شكلي تكميلي ليس أكثر، لنهاية مبكرة في حياة كانت أشبه بسراب “يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا”، لذا علينا جميعا أن نغتنم الفرص لنصلح أنفسنا بالفلاح والنجاة، قبل أن ينكشف الغطاء ويعود علينا الخطأ والندم بعد فوات الأوان.

وقد فصّل الإمام النوويّ – رحمه الله – في شرحه لصحيح مُسلم هذه الألفاظ بقوله: “إنَّ من معاني حيَّ على الفلاح هو حيَّ على البقاء، أي أقبلوا على سبب البقاء في الجنّة، وإن من أسباب البقاء في الجنة العمل الصالح الناجح الهادف الخادم للبشرية”.

فيا شباب الكويت.. حي على الصلاة.. حي على الفلاح.. حي على العمل الجاد الهادف، الذي يعود على وطننا الغالي بكل الخير والرقي، في ظل ربان السفينة والقائد الحكيم أمير الإنسانية، سمو الشيخ صباح الأحمد، حفظه الله ورعاه.