صلاح احمد عبد الله

Camy .. Camry


* كنت أجلس أمام باب الدار.. كرسي قماش (ميراث) من الوالد رحمه الله.. تربيزة خشب عليها جك (ماء بارد.. وكوز طلس أصلي.. بجواره كيس سعوط من “أبو عشرة”).. حتى الصعوط أصابته لعنة الغلاء.. الشجرة أمام المنزل.. ظلها بارد عصراً.. سرحت بعيداً أفكر.. الحاضر مؤلم.. المستقبل مظلم.. نيران وحروب.. وانقسامات.. واقتصاد بلد ضل طريقه إلى (بعض) البيوتات.. الكهنوتية.. (وجوقة) ومطبلي الأنظمة الشمولية.. ثم هيمن أهل شارع المطار على كل شئ.. كل شئ..؟!
* أخذني من شرودي وسرحاني صوت عربة بيضاء تسر الناظرين.. وقفت قبالتي نزل منها شاب أنيق الملبس.. يشبه (الممثلين) الأجانب.. أو كأنه أحد أبناء شارع المطار.. أو من سلالتهم المباركة.. قبل أن (يصل).. وصلتني منه رائحة عطر جميل.. ينبئ عن ثراء وذوق عريض.. سلم مصافحة (بيد) لدنة بضة.. كلها عز.. وأكل وز.. لم تر غبار الحاج يوسف.. أو نهارات الديوم.. (يا عمو).. بصوت موسيقي.. ده منزل الأستاذ (….)؟!!
* رددت عليه بصوت أشد طرباً.. (نعم).. أنا هو؟!
* (يا عمو).. ابنك (…).. يعمل معنا بشركة (…..) في الرياض السعودية… أرسل معي الشنطة دي.. ناولني لها من العربة.. وأدخل يده فناولني أيضاً ظرفاً أبيضاً (منتفخاً) منظره أيضاً يسر الناظرين..!!.. أصررت عليه أن نكرم ضيافته.. رفض بعد أن نظر إلى تربيزة الخشب وكيس الصعوط.. باشمئزاز.. ودعني سريعاً وانصرف..!؟
* حملت الشنطة ودخلت إلى المنزل خبأت (الظرف الأبيض) ما بين العراقي.. والسروال.. جوار (الصُّرة).. من الشنطة أخذت قطعة جلابية.. وفتيل عطر كبير.. واتنين صابونة من نوع (Camy) كبير الحجم.. شممتها بعطرها الجميل.. وجنبت ما يخصني في دولاب الحديد بعيداً عن (الجماعة) والأولاد.. (الظرف) به (2) ألف ريال.. وضعتهم تحت المركوب الفاشري بعيداً عن كل من تسول له نفسه.. البحث والتفتيش.. حتى الباعوض وزوار الليل..!! ومن يسكن معي.. من زوار النهار..!!.. وكل ذلك عبارة عن (احتياطات) أمنية..!!
* تركت (الجميع) يقلبون الشنطة.. وكل يريد ما يحتاج.. ورجعت إلى كرسي القماش.. سعيداً مبسوطاً (24) قيراط.. ولا يهمني حتى (قراريط) الشركة الروسية.. (تلك)..؟!!
* سرحت بعيداً.. أتخيل العربة البيضاء من نوع (Camy).. بدوري نظرت شذراً إلى تلك (الأمجاد) التي لازمتني سنين عدداً.. والحمدلله..!!
* وأنا على كرسي القماش.. رأيت فيما يرى النائم.. أنني (أرتكبها) وأجلس بداخلها وهي تسير بهدوء في شارع النيل.. أرتدي جلابية ناصعة البياض.. وطاقية ملونة.. برودة منعشة داخل السيارة.. وصوت (وردي) ينساب من مكان بعيد.. من مؤخرة السيارة وعلى الأجناب..!!
* زرعت الطريق جيئة وذهاباً.. وأنا أتأمل الجالسين من الأسر.. والشباب.. أولاد وبنات.. شعرت بالإشفاق تجاههم.. لا سينما دور تاني.. كلوزيوم رحمها الله… النيل الأزرق.. غرب.. الخرطوم جنوب والنيلين.. ترى هل يعرف الجيل الجديد.. عمر الشريف.. جان بول بلمندو.. آلن ديلون.. صوفيا لورين.. أنتوني كوين.. استيف ماكوين.. وغيرهم من أساطين السينما والثقافة الغربية الراقية.. وهل يعرفون أشهر الأفلام.. والمسرحيات العالمية.. هل يعرفون كوبا كوبانا.. مقهى الأتينيه.. جورج مشرقي.. أيام المسرح القومي ومهرجانانت الثقافة.. وظهور أسطورة اسمها.. مصطفى سيد أحمد رحمه الله.. كانت القاهرة تكتب.. بيروت تطبع.. الخرطوم (كلها) قراءة.. كلها..!؟!!
* .. الكامري البيضاء تتجول.. وأنا بداخلها عند برج الاتصالات.. بعض العربات المظللة على الجانبين.. بعضها ساكن الحركة.. وبعضها (يتنطط) لوحده.. وكأن به مس من الشيطان.. ترى هل الأحراش عند النهر.. سكنها نوع من الجن..؟!!.. غمرني إحساس الإشفاق.. من هذا الفراغ الذي يعيشه الكثير من الشباب.. قاومت رغبة عنيفة بالوقوف.. ثم الجلوس عند ست الشاي الأجنبية الجميلة.. التي حولها بعض أدعياء الظرافة وخفة الدم.. وتلك (الرشاقة) التي قتلت (المدعوة إشراقة).. كما يقولون..!؟!
* فجأة سمعت صوتاً ينتهرني.. ويوقظني من تلك الأحلام.. كانت (المدام) في طريقها إلى الجيران.. بذلك الصوت الذي لازمني سنوات عمري.. قوم يا راجل.. ما سامع أذان المغرب.. كمان نايم في الشارع.. ابتسمت تلك الابتسامة التي أعرفها عندما تتهمني بالخرف المبكر..
* حملت كرسي القماش.. ودخلت.. ولم أخبرها عن (الكنجالات) حتى الآن..!!
* لقد تم تجنيب المبلغ.. فيها شنو يعني.. يبقى (خرف).. وفلس كمان..؟!!