جمال علي حسن

عقلية الإقصاء.. تبدد الفرص


شاهدنا مقاطع لأعداد من النازحين داخل معسكر كلمة يحتجون على زيارة البشير للولاية، وقد تكون هناك أعداد أخرى من مواطني دارفور في ولاياتها الخمس غير مرحبين أيضاً بزيارة الرئيس عبروا عن ذلك أو لم يعبروا عنه، لكن بالمقابل كانت هناك حشود غفيرة من مواطني دارفور في استقبال البشير في جميع عواصم الولايات الدارفورية التي زارها..
وعلى الرغم من أن الأعداد التي استقبلت البشير كانت كبيرة فعلاً لكننا لا نريد أن نناقش فكرة من هو الأكثر عدداً بل نريد أن نلفت انتباه أصحاب مشروعات الإقصاء من الطرفين.. حكومة أو معارضة، بأن مشروع الإقصاء هو مشروع فاشل تماماً حتى ولو نجح في ظرف من الظروف فإن نجاحه هذا هو نجاح قصير الأجل .
أهل دارفور الذين استقبلوا الرئيس البشير لا يمكن وصفهم بأنهم جبناء، أو (شعب جبان).. ولا يصح اتهامهم بأنهم (أرزقية) أو منتفعون لأنهم لم يحضروا لاستقبال البشير على صهوات سيارات فارهة أو من داخل قصور فاخرة، وبالتالي لا يصح اتهام تلك الحشود بأنها حشود مصنوعة أو مدفوعة الثمن .
وقد يحضر قيادي من الحركات المسلحة إلى منطقة ما في دارفور ويجد أعداداً أخرى تستقبله.. هذا وارد جداً.. بل طبيعي.. أما غير الطبيعي فهي محاولة إنكار وجود الآخر.. أنا موجود وأنت أيضاً موجود.. هذه هي الحقيقة.. وبذلك يكون التمسك بفكرة إقصائي من المشهد هي فكرة غير ممكنة خاصة لو كان مشروعي المطروح هو الحوار معك وكان مشروعك المقابل هو كنسي وإزالتي..
مثل ما هو عليه الحال الآن.. حوار مرفوض وتفاوض غير مرن وتمسك بكنس وإزالة النظام الحاكم وكأنه ورم سرطاني يجب استئصاله.. هذا غير طبيعي وغير منطقي لأن هناك من يريدون بقاء هذا النظام ولا يريدونك.. والعكس أيضاً صحيح .
لا يجب أن يحدثنا أحد عن أية فكرة إقصائية كمشروع للحل السياسي والتغيير والتصحيح في السودان، ومثلما يقول الصادق المهدي نفسه أمس مخاطباً الرئيس السيسي (محو الإخوان المسلمين من مصر مستحيل) وهو يدعوه لإلغاء أحكام الإعدامات ضد قيادات الإخوان المسلمين والعفو عنهم، فإننا نقولها للبشير بأن محو المعارضة السياسية من السودان مستحيل وإنكار جماهيرية حزب الأمة والاتحادي وغيرهما مستحيل..
لكننا نقول أيضاً للمعارضة السودانية ما قاله الصادق للسيسي.. ونستدل على ذلك بإحضار شواهد وصور لحشود وأرقام لمؤيدين وناخبين انتخبوا الرئيس وانتخبوا نواب الحزب الحاكم.. هذا واقع نختلف أو نتفق على تقييم التصويت والانتخابات لكن من غير المنطق أن نحاول نسفها ونسف من صوتوا ..
لا وفاق سياسي في السودان إلا بعد إبعاد فكرة الإقصاء التام للآخرين إبعادها تماماً وإخراجها من مشاريع وأطروحات القوى السياسية في السودان .
لأنه وبمنطق الإقصاء فإن كل يوم يضيع من عمر بلادنا في التعنت ورفض الحلول المطروحة من جانب القوى المعارضة حالياً قد يكون هذا اليوم محسوباً بالإضافة في رصيد الحكومة ومحسوباً بالخصم من رصيد المعارضة.. لأن تأخير الاستجابة للحلول والتوافقات يؤخر للمعارضة بدايتها الجديدة لتطبيق أفكارها جزئياً أو كلياً وهذا التأخير يفقدها الكثير جداً من الوزن السياسي والقدرة على العمل بسبب عدم المواكبة.. فمعظم أحزاب المعارضة المتعنتة ليس لديها الآن حتى الكوادر المواكبة الشابة التي تمتلك خبرات فنية وتنفيذية، وهذا بسبب عقليات المقاطعة والتعنت والرهان على مشروعات الإقصاء.. أنتم تضيعون الوقت .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.