داليا الياس

الآن بالأسواق


منتج آخر من أمن المجتمع..
ومثلما للدرداقة توريدتها الرسمية للمحليات وإدارتها المتخصصة، توسعت استثمارات الحكومة لتشمل تأجير الكراسي لستات الشاي فأصبح من الطبيعي أن تجد رزمة من المقاعد اللبنية في منتصف نهار ساخن مرصوصة في حر الشمس، وما إن تمد يدك لتجذب منها واحدا حتى تصيح امرأة أو صبي في حلبة الشاي المنعنع:
– لا لا خليهم.. ديل بتاعات الحكومة.. أقعد في البنبر داك..
يا إلهي.. ولماذا لا يميزونها بالنمر الصفراء حتى لا نجرم في انتهاك (حقوق الحيكومة)؟ فلا قبل لنا بغضبتها..
وتوسعت أعمال الحكومة لتشمل التصاديق المؤقتة للفراشة والسريحين وبائعي المياه الملوثة.
كل ذلك أصبح مفهوما وطبيعيا حيث تفوقت المحليات في ابتكار وسائل الجباية مما لا يسمح بمجال للمنافسة مع احتكار السلعة الأساسية وهي (التصديق).
وحقا، إن عبقرية المحليات السودانية استطاعت أن تجد سلعة قليلة الإنتاج زهيدة التكاليف تدر دخلا عاليا حيث أن التصديق يكلف الختم والحبر الذي كتب به فياله من استثمار بديع!
وإن اتفقنا أن الحكومة المركزية قد قطعت المعونة عما تحتها من محليات وتركتها تأكل من خشاش الأرض حتى لا تدخل النار فإن المحلية أصبحت تكابد يومها منذ الفجر مثلها مثل ستات الشاي لتلحق بباعة الليمون وطبالي التمباك والسجائر تبتغي لها رزقاً حلالاً تواجه به مصروفات الأبناء من العاملين عليها في مكاتبهم، فإن رزقها من رزق من تطاردهم وكل يبحث عن لقمة العيش في صراع البقاء للأقوى الذي انتظم صباحات البلاد ولياليها الطويلة.
أما أن تبغر من ذلك جهات غير مدنية كالشرطة وتدخل حلبة الخدمات التجارية مباشرة فذلك أمر عسير على الفهم والإدراك فمهمة الشرطة هي حراسة القانون ومتابعة تنفيذه دون أن تنال مليماً واحدا جراء ذلك من مواطنها كأجر على ذلك فما الذي يحدث؟!
ما إن شرع ذلك الممثل الكوميدي في تحية الحضور ليبدأ فاصلا من النكات المملة في ذلك المطعم السياحي الجديد بالعمارات إلا وكان أفراد من المدججين قد أوقفوه بحجة أن الحفل غير مصدق به. دلف الجميع إلى حيث الجلبة ليكتشفوا أن اختلافاً في سعر الخدمة قد حال دون تصديق الحفل حيث حددت الشرطة مبلغ مليون جنيه لليوم الواحد في رمضان مع تقديمها عرضاً آخر يشتمل على تخفيض في حال الشراء بالجملة وطلب تصديق لكامل شهر رمضان، إذ يصل السعر بعد التخفيض إلى (فقط خمسة وعشرين مليونا) كسعر مغر للشراء.. صدق أو لا تصدق. تصديق الحفل لا يكلف إلا الحبر والختم وعبارة (لا مانع) لكنه في حفل الطهور المنزلي والقيدومة لا يتعدي مائة وخمسين جنيها ويرتفع للمطعم وبمناسبة رمضان إلى أكثر حسب موسم الاحتفالات ودرجة المكان السياحية!
أيتها البلاد..
أخرجوا الشرطة فورا من بيع (لا مانع) واتركوه قرارا فنيا يخضع لمواصفات فنية تتعلق بملاءمة المكان لقيام حفل وليس قرارا يتعلق بسداد اجرة، فالشرطة ليست تاجراً بل هي من أسمى وظائف المجتمع وتتطلب المهنية والحياد.. فاتركوها كذلك بعيدا عن سوق الله أكبر. اتركوا لنا الشرطة لنفخر بها ونطمئن إليها… أبعدوها عن عبارة واحدة اسمها (لا مانع) يختلف سعرها من مكان لمكان ومن موسم لموسم أمام نظر الجميع.
إن لم تمسك الدولة يد الشرطة عن الاستثمار في مهامها وتركتها كالمحليات فسيأتي قريبا اليوم الذي تجد فيه قائمة الأسعار معلقة في أقسامها لتطلع عليها:
فتح بلاغ عادي 70 جنيها.
بلاغ مستعجل: 220 جنيها.
استرداد مسروقات عادية 450 جنيها.
استرداد مسروقات فاخرة 780 جنيها.
أدركوا الأمر يا ولاة الأمر حتى لا نفاجأ في إعلانات الصحف والتلفزيون بعبارات على شاكلة: (منتج آخر من قسم الصافية.. وهواتفنا على الشاشة).
أعيدوا لعبارة (لا مانع) هيبتها لتمنح لمن يستحقها دون رسوم وليس لمن يملك مهرها ويشتريها كسلعة مثل الفول والبطاطس إن سدد السعر حرسوه بقوة بالسلاح وإن لم يملك المال أقاموا عليه المنع بقوة السلاح نفسه!
* طارق اللمين
تلويح:
رسالة ساخرة تعرض واقعاً مريراً وغير مقبول.. نستنكره ونرفضه.. وتظل الشرطة في الخاطر معنى نبيلاً.. لدينا (مانع) كبير على ما يلحقونه بها.. ودامت الأقلام.