مزمل ابو القاسم

بلدوزر الصحة وأشواق الرئيس 2


* كتبنا بالأمس عما حدث لمستشفى الخرطوم وكيف تم إفراغه من معظم تخصصاته المهمة، خلافاً لما أراده له السيد الرئيس، الذي استهدف تحويله إلى مستشفى مرجعي، فأفقده د. مأمون حميدة معظم مميزاته القديمة، وأفرغه منها، فورثته المستشفيات والعيادات والمعامل الخاصة المحيطة به.
* اليوم سنعرض إلى المخالفات التي حدثت في عهد الوزير المذكور، وأثبت بعضها المراجع القومي بدقة ومهنية ونزاهة تستوجب الاحترام.
* لابد أن نشير هنا إلى أن تقارير المراجع القومي ظلت موضع احترام الرئيس البشير، الذي لم يتدخل في عمل المراجع القومي مطلقاً، ولم يحاول التأثير عليه بأي نهج منذ أن تولى الحكم في العام 1989، بل إنه – أي الرئيس – ظل يجاهر بضرورة إخضاع كل مؤسسات الدولة للمراجعة، ويوجه باحترام تقارير المراجع العام، ونشرها على الملأ، تعزيزاً لمبادئ الشفافية، وحفظاً للمال العام.
* لم يتدخل البشير في عمل المراجع القومي بتاتاً، ولم يحاول التأثير عليه مطلقاً، أما من نال منه لقب (البلدوزر)، فقد سمح لنفسه بزيارة مكتبي المراجع (القومي والولائي) مرتين، بهيئة الوزير وسمته وهيبته ونفوذه، محتجاً على تقارير رسمية رصدت مخالفات منسوبة إلى جامعته.
* سعى الوزير المستثمر إلى حماية مصالحه الشخصية واستثماراته الخاصة بالزيارتين، ولم يستهدف حماية مصالح مواطنيه، ولا صون حقوق الدولة التي يمثلها، ولا حفظ حقوق الوزارة التي يتربع على قمتها.
* الأسوأ من ذلك أن مستشفى الأكاديمي الذي تسيطر عليه جامعة الوزير ظل بمعزل عن المراجعة منذ تاريخ توقيع العقد في العام (1997) وحتى العام المنصرم، لأن مساعي المراجع العام لمراجعة حساباته وعقوده اصطدمت برفض متصل للمراجعة، حتى سمح مدير عام الوزارة السابق د. صلاح عبد الرازق للمراجعين باقتحام أسواره الحصينة، فظهر ما ظهر، وبرزت المخالفات تترى، ودفع د. صلاح ثمن فعلته إقصاءً من موقعه في الوزارة.
* التقارير التي احتج عليها مأمون حميدة تتعلق بمخالفات عقد وقعته وزارة الصحة الخرطوم مع جامعة مأمون حميدة، بخصوص إدارة المستشفى الأكاديمي الواقع في امتداد الدرجة الثالثة بالخرطوم.
* تم توقيع ذلك العقد في العام 1997، ليسري لمدة عشرة أعوام، وتم تمديده لعشرة أعوام إضافية بعقدٍ آخر. وحمل العقدان توقيع د. مأمون حميدة، بصفته ممثلاً لجامعته، قبل أن يتولى الوزارة.
* أبطل المراجع القومي العقد الأصلي وعقد التمديد بتقرير صدر في العام 2014، وأكد أن إجراءات عقد التمديد تمت (بالتحايل)، وأفتى بعدم مشروعية وجود جامعة مأمون حميدة في المستشفى الأكاديمي، وطلب إخراجها منه، ومع ذلك بقيت جامعة الوزير مهيمنة على (الأكاديمي) حتى الساعة!
* مضى المراجع القومي أبعد من ذلك، وذكر في تقريره ما يلي: (العقد المشار إليه بالتعديل بمسمى مستشفى الأكاديمية الخيري لا وجود له، والإجراءات التي اتبعت فيه تمت بصورة غير سليمة، وأوجدت واقعاً باطلاً، وفقاً لما يلي: (فرض اسم مستشفى الأكاديمية بدلاً عن الاسم الصحيح، بموجب عقد إدارة مستشفى حاج المرضي محي الدين).
* (التحايل على مد فترة سريان العقد من (10) سنوات إلى (20) سنة).
* (عدم مشروعية وجود أكاديمية العلوم الطبية والتكنولوجيا (جامعة مأمون حميدة) في إدارة المستشفى من تاريخ عقد التعديل يستوجب فسخ العقد في ذات التاريخ، والمساءلة القانونية للمتسببين، وأن ما ترتب عليه من تبعات وتصرفات بموجب هذا التعديل لا تعطي المشروعية لأكاديمية العلوم الطبية والتكنولوجيا في إدارة المستشفى، وتعتبر باطلة، وأي منفعة تحصلت عليها الأكاديمية تعتبر دون وجه حق)!
* وجه المراجع القومي بالتحقيق في إجراءات إبرام عقد التعديل، وطلب مساءلة المتسببين فيها، وأوصى بإعادة المستشفى الأكاديمي إلى الوزارة، وأمر بحصر جميع المكاسب المادية التي تحصلت عليها جامعة مأمون حميدة من مبنى شيدته الجامعة داخل المستشفى وحولته إلى كلية لطب وجراحة الأسنان بلا وجه حق، وأوصى بإعادته إلى الوزارة.
* فوق ذلك طلب المراجع القومي حساب وحصر كل كلفة تدريب طلاب جامعة مأمون حميدة من تاريخ تطبيق (لائحة تدريب الجامعات والكليات الخاصة بالمؤسسات الحكومية لوزارة الصحة بولاية الخرطوم لسنة 2011)، وتحصيلها لصالح الوزارة بسبب بطلان العقد!!
* التوصيات المذكورة أعلاه لم تنفذ حتى اللحظة!
* والمتسببون في تلك المخالفات الجسيمة لم يحاسبوا مطلقاً.
* بدلاً من تنفيذ توصيات المراجع القومي شهدنا محاولات محمومة لدفن القضية، بفتح بلاغ في نيابة المال العام بولاية الخرطوم، وشطبه قبل سماع شهادة المراجع القومي فيه، خلافاً للمعتاد في مثل تلك البلاغات.
* هذا غيض من فيض مخالفات وزير استغل سلطته، ونفوذه لتمييز مؤسساته الخاصة، ومارس أسوأ أنواع الفساد والمحسوبية وتضارب المصالح، وازدرى تقارير المراجع العام، ورفض تنفيذها كي لا تضار جامعته منها، بل مضى أبعد من ذلك، ومنح جامعته تمييزاً مخلاً في تدريبها لطلابها، بعقدٍ لم يتوفر لأي جامعة منافسة، بدليل أن مديرة مستشفى البان جديد ذكرت للوزير في وجهه أن جامعته لا تدفع كلفة تدريب طلابها في المستشفى المذكور، فكان مصيرها الطرد من الخدمة!
* جامعة الوزير المستثمر حاولت تمديد عقدها الباطل مع المستشفى الأكاديمي عبر طلب قدمته لوالي الخرطوم السابق، د. عبد الرحمن الخضر، وسعت إلى تمديد إقامتها غير الشرعية في المستشفى لمدة ثلاثين عاما إضافية، وقد حول الخضر الطلب للمستشار القانوني فأفتى بعدم جواز تمديد العقد قبل انتهائه، والمهم في الأمر كله أن مساعي التمديد مستمرة، وذلك الأمر يعني السيد وزير العدل والمجلس التشريعي لولاية الخرطوم، ويعني والي الخرطوم قبل غيره، كي لا تتجدد مأساة تجاوز تقارير المراجع العام، ودفنها ترسيخاً لمظاهر الفساد وتضارب المصالح التي شابت الفترة التي تربع فيها الدكتور مأمون حميدة على وزارة الصحة في ولاية الخرطوم.
* هذا غيض من فيض، ولدينا المزيد.