مقالات متنوعة

محمد سيد احمد : مواصلة للقراءة في الرؤية المتميزة لخبير غربي حول الوضع الحالي لشمال وجنوب السودان وما يجري في الصومال


> مواصلة لما أشرنا له أمس بشأن الرؤية المتميزة والمثيرة للخبير البريطاني الضليع في الشأن السوداني «ألكس دي وال» حول الوضع الحالي لشمال وجنوب السودان، إضافة لما يجري في الصومال، وذلك على النحو الذي نشر في عدد مارس المنصرم من دورية «دايجست» الشهرية، الصادرة عن مركز سلام للدراسات الإستراتيجية بالخرطوم، ترجمة عربية له نقلاً عن الموقع الإلكتروني لصحيفة «لوس أنجلس تايمز» الذي نشر هذه الرؤية بتاريخ الثامن من مارس الماضي تحت عنوان «الاتجار بالسلام في إفريقيا»، فقد ذكر ألكس دي وال، الذي يعمل في منصب المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمية، أن ما صُوّر على نطاق واسع باعتباره صراعاً قبلياً بين الدينكا الذين ينتمي إليهم رئيس دولة جنوب السودان المستقلة حديثاً سلفا كير ميارديت، والنوير الذين ينتمي إليهم منافسه د. رياك مشار، عندما غرق البلد المستقل حديثاً في حرب ضروس في أواخر 2013، هو بشكل أدق سقوط للحكوميين الفاسدين.
> ويضيف الخبير الغربي أن الحرب المشار إليها بدأت لأن حكومة جنوب السودان ردت بحماقة غير عادية على خلاف مع جارتها الشمالية ومضطهدتها السابقة حول سعر ضخ النفط عبر أنابيب الى البحر، ونتيجة لإيقاف إنتاجها الوطني من النفط نفد المال سريعاً من حكومة جنوب السودان التي تعتمد ميزانيتها على النفط بنسبة 98 في المائة وسقطت النخبة الحاكمة التي اعتادت على العيش مثل شيوخ النفط، في بلاد فقيرة بشكل حاد، في قتال بعضها البعض حول الإرث الوطني المتقلص.
> ويشير الخبير الغربي الى أن المشكلة التي تسببت في الحرب لم تكن هي الفساد بقدر ما كانت سوء الإدارة الفجة لنظام فاسد، وقد وقّع المتنافسون الآن على اتفاق سلام تحت ضغط الأفارقة والولايات المتحدة، ولكن بينما عاد النفط انخفضت الأسعار وأفلست الحكومة، والمشكلة هي أن شهية النخبة لم تنقص، وثمن الولاء قابل للزيادة لا النقصان، ولكن لا توجد ميزانية سياسية، ولايستطيع مدراء الأعمال في جنوب السودان الاستمرار في الاتجار، ولذا فهم يلجأون الى القمع المباشر، والحقيقة المحزنة هي أن اتفاقية سلام جنوب السودان المبرمة مؤخراً ستفشل، وليست هناك معالجة سريعة للمأزق الدموي الحالي على النحو الجاري في الجنوب السوداني.
> وحول ما يجري في الشأن الصومالي يشير الخبير الغربي الى أن الرئيس حسن شيخ محمود ورعاته الغربيون فقدوا أفضل فرصة للهيمنة على السوق السياسي في الصومال، فلو كانوا نظموا طبقة الأعمال الصومالية الديناميكية، والمزودة بإمكانيات جيّدة، لتضع قواعد اللعبة السياسية، لكان بإمكانهم تحقيق استقرار للبلاد، لكنهم وضعوا جمعية دستورية، قبل أن يشكلوا غرفة تجارية، فأخطأوا الترتيب، وتعكس الفوضى الراهنة في تلك البلاد الخلل بين دافعي الأموال المتنوعين، والمفارقة هي أن النظام قد يأتي بسبب المال الذي بدأ يتدفق على الصومال من السعودية ودول الخليج العربي الأخرى التي تنظر إلى الصومال باعتباره خلفية اليمن الذي تورطوا فيه في حرب وهم يدفعون للسياسيين الصوماليين أموالاً ضخمة لينضموا إليهم، ومن المحتمل أن تشهد انتخابات هذه السنة اكتساح مرشحين موالين للعرب، يؤمنون كلهم بنصوص من قانون الشريعة.
> ويضيف الخبير الغربي أن كسب السلام في منطقة القرن الإفريقي، وفي جوارها عبر قوس الاضطراب الضخم من المغرب الى آسيا الوسطى، يعني دراسة قواعد اللعبة لدى أمراء الحروب وتحديثها للقرن الميلادي الحادي والعشرين الحالي، حيث لا يمكن إصلاح البلدان التي تعاني من التشرذم والضعف والفساد باستخدام أدوات القرن الميلادي العشرين الماضي بمحادثات سلام تؤدي الى دساتير جديدة، إضافة الى المساعدة في بناء مؤسسات مدعومة من قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة، والأسوأ من ذلك هو إستراتيجية الولايات المتحدة للاستهانة بوكلاء إقليميين تدفع أموالاً الى الأكثر مهارة منهم والذين ليس لديهم رحمة في السوق السياسي، فضلاً عن إعطاءهم وسائل القمح في برامج مكافحة الإرهاب!!
> ويخلص الخبير الغربي الى أن الأزمات المزمنة في القرن الإفريقي تتطلب أن نستهدف الفساد وتجارة الأسلحة، لكن يضيف إن هذا ليس كافياً لأن القاعدة رقم واحد في الكتيب الخاص بالتعليمات لدى أمراء الحرب هي، احتفظ بتمويلك سراً، ويترتب على ذلك إنه ليست هناك فرصة للسلام والديمقراطية حتى يبدأ الممولون السياسيون بالإصرار عليها.