محمد عبد الماجد

المعارضة وصيانة البتوجازات


(1)
> حكاية (حسن عكسيات)، تشبه تماماً حكاية المعارضة السودانية، وسوف تجدون أن الحكاية واحدة اذا بلغتم مشارف هذا العمود.
> وإن لم يتيسر لكم ذلك، فاكتفوا بالعنوان.
(2)
> حسن عكسيات بعد تخرُّجه في الجامعة، كان يحمل طموحاً كبيراً وينظر لحياته في رفاهية مطلقة.
> أحلامه كانت وردية وآماله كانت عريضة.
> كان يحسب أنه بعد أن يتخرج في الجامعة بتقديره الممتاز، سوف تتسابق عليه المصالح والمؤسسات، وسوف يضع شروطه لها، حتى يوافق على (الوظيفة) التي سوف تُعرض عليه.
> في البدء كان يشترط السكرتيرة الجميلة والعربية الفارهة.
> لم يكن يظن أن الحياة العملية أضيق من الممر الذي كان يفصل بين كليته الجامعية والقاعة.
> كان يعتقد أن (موية الفول) و«التشعلق» على سلم (الدفار) سوف تنزل ستارتها بعد تخرجه.
> يحسب أن معاناته سوف تنتهي قريباً.. ولم يكن يعرف إن المعاناة التي تنتظره أعرض.
> حتى أحلامه في شريكة الحياة وهو خريج كانت تصل الى مرحلة (اشواريا راي) من حيث الحسن والجمال.
> ما كان يحسب أن أحلامه تلك سوف تنتهي بحتمية (غطي قدحك).
> و(غطي قدحك) نفسها، لن يستطيع لها سبيلاً.
(3)
> حسن عكسيات بعد أن كان يشترط في الوظيفة التي سوف يلتحق بها والمؤسسة التي سوف يعمل فيها، أصبح يبحث عن أية (وظيفة) والسلام.
> كان يريد أن يخرج من منطقة (العطالة) حتى لا يصنف في الحلة (عاطلاً).
> لكن كان كل المعاينات التي يدخلها، يخرج منها مغضوباً عليه.
> بقي على هذا الحال سنوات يبحث عن وظيفة.
> كل سنوات عطالته تلك كان يصرف عليه والده.
> لم يكن يُعدم حق (السجائر والتمباك)، لعل أكثر ما يحتاجه العاطل (حق التمباك والسجائر) ليحرق بعض ما في جوفه.
(4)
> بعد ذلك قرر حسن عكسيات أن يلتحق بي أي عمل طالما كان العمل شريفاً.
> جرب حرف صغيرة وعمل بعيداً عن (شهادته) في السوق وفي المنطقة الصناعية وفي الميناء.
> لم يترك شيئاً لم يعمل به حتى وجد أن العمر يسرقه وهو مازال يسدد في (أقساط) هاتفه الجوال.
> لم يتزوج.. ولم يستطع أن يستقل بنفسه ليعيش بعيداً عن منزل والده.
> مازال يسأل والدته في كل خميس (حق المواصلات).
> كان حسن عكسيات يحرقه ذلك..او يفرمه..وهو بكل علمه ونبوغه يتسوَّل الناس عملاً.
> ثم تتسع (جلحاته).. كلما ضاقت عليه الحياة.
(5)
> مضت سنوات وكان فيها حسن عكسيات يخرج من أقساط (الجوال) ليدخل في أقساط (التلاجة).
> لا يمكن تأسيس حياة بهذه (الأقساط).
> العمر لا يتسع لكل هذه (التسديدات).
> لذلك كان قراره النهائي أن يهاجر عسى ولعل ربه يقسم له رزقاً عريضاً في الغربة.
(6)
> هاجر حسن عكسيات وبقي في الغربة سنوات لا يملك فيها حق العودة.
> كان يكتفي هناك بالاستماع الى إذاعة (هنا أم درمان) فيروي شوقه من ذلك الحنين.
> مات والده ولم يستطع العودة ليتقبل العزاء في والده (ظروفه كانت قاسية..لا تسمح له بالعودة)
> ثم ماتت والدته وكانت حرقته أكبر وهو يتلقى نبأ الرحيل عبر (الهاتف)، وهو عاجز عن العودة.
> هكذا مرت السنوات وهو مازال يجمع في (حق التذكرة).
> جلحاته بلغت مرحلة (الصلعة) الكاملة الدسم.
(7)
> بعد أن «دردرته» الحياة وعلمته الأيام..قرر حسن عكسيات أن يرتكز في بلده.
> عاد وتقبل العزاء في والده والدته وشقيقته وخاله وعمته.
> هو الآن على مشارف الخمسين يبحث عن زوجة على المعاش..تحسن القيام بدور (الممرضة)..ولا تستعمل (الواتساب).
> كانت كلما تتسع الدنيا وتتطور تضيق عليه حتى أنه لم يجد بداً من أن يضع على باب منزله لافتة كبيرة كتب عليها بحرقة عظيمة (يوجد بالمنزل فني صيانة بتوجازات).
> لم يخرج حسن عكسيات بأكثر من (صيانة البوتجازات).
> هذا كل ما خرج به من سنوات الغربة.
> مثل المعارضة السودانية التي لفت كثيراً وحاربت وحاورت وفاوضت وتغربت وعادت واكتفت بـ (صيانة البوتجازات)!!.


تعليق واحد