منى سلمان

ده العكر صفانا يا ناس


شكا شاعر همبريب الفنون حال بنات حلتهم وقلة نصيبهن في الزواج فقال
(حلتنا من كم سنة مضت مافيها واحدة اتأهلت)، ولكن حال حلتنا وكل أحياء الخرطوم
اسوء، فالي جانب شح البخت، تشكو مواسيرها من شح الماء وانعدامه ولو كان (سرسار)،
وبالتالي يمكننا القول أن (حلتنا من كم ليلة مضت ما فيها جركانة بالموية اتملت) .. جميع افراد البيت يصطفون امام الماسورة انتظارا لدورهم في محاولة
تشفيط الهواء من المواسير لمساعدة الطلمبات على جذب الماء .. دون ان ينالهم من
التشفيط غير سف الطين !!

طوال ثلاثة ايام بلياليها ظلت مواسيرنا تشخر وتنفث هواء ساخن يشوي
الوجوه والحلوق، وان حنّت على العطاشى أخرجت من جوفها سائل عكر أسود اللون له طعم
ولون ورائحة على العكس من خصائص الماء التي درسنها من سنة حفروا البحر !! فقد ظللنا لايام
نمني النفس بالسقيا على طريقة (أرجا الروا يا كمون)، غير أننا فتنا (كمون) بالصبر،
حتى خرجت علينا هيئة مياه ولاية الخرطوم، ببيان ارجعت فيه قطوعات الإمداد المائي
التي عانت منها كثير من أحياء العاصمة، لظروف فوق إرادة الهيئة على طريقة الرائع
اسماعيل حسن:

دي الإرادة ونحن ما بنقدر نجابه المستحيل

دي الإرادة والمقدر ما بنجيب ليه بديل

دي الإرادة أجبرتني (أجيب) هواكم من قبيل

وهاهي تعتذر للمواطن بـ (عزيزي المواطن) القطوعات دي غصبا عني وغصبا
عنك .. فهي ليست نتيجة لقصورً فني لا سمح الله أو
إداري الشر بره وبعيدً، ولكن كل الحكاية الجابت اللوم للقوم ترجع للزيادة – الكبيرة وغير المتوقعة – في نسبة العكورة
التي تَسَبّبت في ضعف إنتاجية المياه !!

يقال ان هناك رجلا عاش طول حياته أعمى، حتى سخّر الله له طبيبا متمكنا
اجرى له جراحة استعاد بها بصره، ولكن في اللحظة التي غادر فيها السرير بعد فك
الاربطة عن عينيه، قفز أمامه فأر كبير من فصيلة (الجقر)، فخاف الرجل وسقط على وجهه
ليفقد بصره مرة أخرى، دون أن يتمتع برؤية شيء من هذه الدنيا الفانية سوى الفار،
فصار مقياسه الرسمي لمقارنة الاشياء .. تخبره بأن يعمل حسابه وهو يمشي لان امامه
حجر كبير فيسألك:

كبير كيف ؟ قدر الفار وللا اصغر منو ؟

تهمس له بأن (بت ناس فلان دي سمحة بالحيل) فيعاير جمالها بفأره السعيد
ويسألك:

سمحة !! أسمح من الفار يعني ؟!!

دعونا نستعير معيارنا الفأري الخاص لنسأل به ناس الموية عن عكورتهم
المقصودة:

عكورة قدر كيف ؟!! أعكر من عكرة السنة الفاتت وللا القبلها ؟!!

فقد أفتى متحدثهم بإن نسبة الفاقد من المياه المنتجة من المحطات
النيلية بسبب العكورة بلغت الاربعين في المية، وأن مهندسي وفنيي الهيئة – كتر
خيرهم – يواصلون العمل بالمحطات طوال الاربع وعشرين ساعة لـ (مكافحة العكورة) .. حكمتوا
بالغة يا أخياني !!

قالوا العكورة بيقيسوها بـ وحدة العكارة الضوئية .. والله مافي شي
غلبكم لكن (عكارة ضوئية) دي عجبتني عشان جديدة لنج !! فلم نسمع بها في تبريرات
العام الماضي والقبل الماضي والأمضى منهما .. فـ(في كل عام) على قولة عقد الجلاد
.. كل عام كانت المياه ترحل عن مواسيرنا في الخريف .. والعذر الدائم هو .. شماعة
الاطماء !! لكن الاطماء في عامنا السعيد هذا جاء من ابتلاء جديد وهو قلة الأمطار
.. الأمطار ان زادت ووب .. وان قلّت ووبين !

تقول الهيئة أنها وجدت نفسها في الـ (حتة الضيقة) بين خيارين، إما ضخ
المياه بغض النظر عن نوعية المياه المنتجة .. وكأن نوعية المياه كانت قبل ذلك في
صفاء البلور، أو إيقاف المحطات نهائيا لحين زوال العكورة، وهذا يعني عطش المواطنين
! وبما أننا حاشا ما بنقدر نسيبك تمشي تعتطش، فالتطمئن عزيزي المواطن وخت في بطنك
جردل موية عكرانة، وخليك متأكد أن العكارة الحالية بالمياه عبارة عن طين طبيعي،
ولا تأثيرات صحية سالبة منها !!

نحمد الله هو الطين نحنا ماشين منو وين ؟ منه خلقنا ومنه سنشرب وإليه
نعود وما دايم إلا وجهه سبحانه وتعالى .. كدي فكوا لينا موية الطين خلوا البلد
تروا .. الناس صابا الضيق ونشاف الريق.
(أرشيف الكاتبة)