رأي ومقالات

الترابي.. حياة الأفكار (4)


عندما كنا أيفاعاً نحرص على الكد في طلب العلم والفهم ، كنا نلتهم مما يُكتب كل ما يقع عليه البصر، لكن دكتور الترابي قدم لنا نصيحة ذهبية . وهي ان نضع أولويات لما نقرأه عاجلاً وما نؤجله لاحقاً . فهو يقول أن تقسيم الحاجة إلى القراءة أيضاً يخضع لمبدأ الأولويات الضروري أولاً ثم الحاجي ثانياً ثم التكميلي ثالثاً . والمرء والمرأة بحاجة إلى الأخذ من كلٍ بنصيب ، ولكن تعهد الضروري يأتي أولاً وأكبراً ، وتعهد الحاجي يأتي ثانياً وكافياً ، ونصيب التكميلي يكون بقدر الحاجة إلى التكميل. وكان يوصينا في ترتيب هذه الأولويات أن نبدأ بالأصول ثم الفروع ثم ما يكتمل به ذلك . ولكنه في رؤيته التوحيدية لا يرى إن بالامكان فهم الأصول دون النظر في فروعها ولا فهم كل ما يتصل بهما مما تكتمل به الصورة العامة إلا في إطار رؤية توحيدية شمولية.
تجديد أصول الفقه:
كانت دعوة دكتور الترابي لتجديد الفقه وأصول الفقه دعوة مستفزة لعقول غشتها غلبة العاطفة المتحمسة عليها، فلم تفهم ما المقصود من الدعوة وما مغزاها في إطار الدعوة للاحتكام للاسلام من جديد .. فأصول الفقه لدى الدكتور الترابي هي أصول الفهم وهوادي العمل . وهو يشرح كيف دُونت هذه الأصول وكيف تطورت ثم كيف جمدت . فحفظت في كتب صفراء لا يطلع عليها إلا القليل المنزوي عن الحياة العامة العاجز عن التأثير عليها. وأما ما يظنه البعض من الناس أنه يمكن نفض الغبار عن تلكم المكتوبات ثم استهدائها لترشدنا إلى كيفية الالتزام بالاسلام في زمان تغيرت حيثياته كثيراً ،وتبدلت أحواله تبدلاً كبيراً ،فذلكم ظن قائم على التوهم لا على التيقن . ولا يقلل ذلك القول من القيمة العلمية الباقية لهذه المكتوبات فهي بلا شك الأساس الذي يتوجب أن يشاد عليه كل بناء جديد. ذلكم أن الترابي يفهم أن الفقه إنما هو الفهم الصحيح. والفهم الصحيح لا يكتمل إلا بالمزواجة بين ما هو مكتوب وما هو مشهود. والمكتوب هي تلك العلوم المدونة والمشهود هو أوضاع الحياة وأحوال الناس . ولأن تعاليم الدين ليست كلها نصوصاً توقيفية آمرة بل أن جُلها إشاراتِ هادية تتصل بما عليه حال المخاطبين، لزم العلماء ان يراجعوا فهمهم لتلكم الاشارات مرة بعد مرة ،وعصراً من بعد عصر ،ليفهموا دلالتها ومناسبتها لما عليه الحال ،وما قد يؤول إليه المآل .
والفقه وأصوله حسب قراءة الترابي إنما بدأ بعهد الطلاقة والأجتهاد الفطري . فكانت دلالات النصوص واضحة والرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بين يدي الناس وظهرانيهم . وكانوا أذا سئلوا أجابوا وإذا استوضحهم الناس أوضحوا اتباعاً لنص الكتاب أو توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم أو الرأي المناسب عقلاً لهذين المصدرين ،أو كما قال معاذ “أجتهد رأيي ولا ألو” فأجابة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم “الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضى رسول الله” . والعودة لفقه الرأي المستهدي بهداية النص القرآني والسنة النبوية هو مدخل د. الترابي لتجديد أصول الفقه. ذلك أن منهج التخطيط الأصولي الذي شرحه الأمام الشافعي ،ومنهج تخريج الفروع على الأصول الذي سبق به الأمام أبو حنيفة قد أنتهى بتطاول القرون إلى غلبة للاعتبارات المنطقية النظرية على الأعتبارات العملية الواقعية . فاصيب الفقه وأصوله بداء الشكلية الصورية . والمقصود بها مراعاة الاتساق الشكلي واعطائه الأولوية على تحقيق المقصد من التوجيه الإلهي أو التوجيه النبوي. ورغم محاولات الاجتهاد التي ازمعت ان ترد الأمر إلى أصله في مراعاة المصلحة والمقصد والحال، وذلك من لدن أبن تيمية إلى الشاطبي فان داء الشكلانية الصورية لا يزال يلازم الكثير من المكتوبات في الفقه وأصول الفقه . يضاف إلى ذلك إتجاه الفقه إلى الانحصار حول الشعائر والأحوال الشخصية والمعاملات الخاصة . وابتعاده عن ما تعم به البلوى من الشؤون العامة في المعاملات العامة والسياسات والحكم وإدارة الاقتصاد والمعايش . وانصرفت بعض المكتوبات الأخرى إلى اتخاذ الفقه مطية للاستنصار به على الآخر المخالف . فكما نشأت شيعية متحيزة نشأة سلفية متشددة متحيزة. وهكذا اتسعت الفجوة بين الفقه وأصوله وبين وقائع الحياة واحوال الناس . لذلك أصبح يسيراً على أهل المذاهب العلمانية واللادينية أن يسدوا فراغ الحاجات العامة التي جعلها الفقهاء خلاء بلقعاً ، وانصرفوا إلى تفصيل التفصيل وتفريع التفريع في فقه الشعائر والأمور الخاصة. وإخلاء جوانب من حياة الناس العامة أو الخاصة مجانب للتوحيد مفارقٌ له . ففي فهم الدكتور الترابي “الأصل في التدين ان يكون شاملاً لجملة الحياة . ولكن ما ان يعول الناس أو تغلبهم إبتلاءات الواقع المتجدد حتى يقصروه على الحياة الخاصة وتلك سنة الحياة في الديانات والمذاهب يعتريها التبديل وعجز التطور فتنحسر دون الحياة العامة) وانحسار هداية الدين عن الحياة العامة هو العلمانية بعينها. وإن جاءت نتيجة لتقصير الفقهاء أو جاءت لغلبة الأمراء الذين لا يرون الدين إلا قيداً على سلطانهم المطلق على الأمور العامة. لذلك فدعوة د. الترابي لاعادة بسط سلطان الدين العلمي والعملي على سائر وجوه نشاط الحياة هو مصداقٌ للتوحيد . ذلك الذي تهدي إليه الآية “قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين” . فمدخل الترابي لتجديد الفقه وأصوله منهج توحيدي . يهدف إلى استجاشة “تجديد جذري لا مجرد التجديد للصور والمصطلح والتبويب أو الاستدراك والترقيم في بعض الفروع لكنه تجديد لا يلغى القديم ولا يستغنى عنه بل يتغذي بالصالح والثابت منه ثم يتجاوزه إلى مبالغ الحاجة الاجتهادية المعاصرة.
الفقه للناس :
ودعوة الترابي لتجديد الفقه والفهم ليست دعوة موجهة لطائفة سُميت بالفقهاء ، ولكنها دعوة لسائر أهل الفهم والإدراك في الأمة . فالفقه ليس مهنةٌ لأحد من الناس، إلا إذا صار الفهم الصحيح والسليم مهنة تمتهن. فلرب فقيه في مسألة يكون من عوام الناس كما صححت تلكم المرأة عمر رضي الله عنه عندما أراد أن يحدد المهر فردته بفهمها الصحيح لكتاب الله . فلا يجب ان يحتكر فهم الدين ولا إفهامه طائفة من الناس بدعوى العلم . فلا أحد من العلماء يمكن له ان يدعى الاحاطة التامة بكل مسألة حتى في مجال اختصاصه. وربتما فكرة ملهمة جاءت ممن يراه الناس أبسط الناس و أضعفهم شأناً . فالفهم للدين جزء من تدين الناس ولا يجب ان يدعى احتكاره طائفة مخصوصة “الأصل في الدين التوحيد وإشاعة سوية لوجوه التدين فلا يقوم رجال الدين وسائط يستغنى بهم العوام أو الحكام عن مباشرة التدين والالمام ببعض علمه” ولا شك أن الأخذ عن علماء متفرقين يقتضى قدراً من الالمام بالعلم للإختيار بين هذا وذاك ، ليس بتقواه فحسب بل بعلمه المقترن بالتقوى. وهذه ليست دعوة للسماح لغير أولى الأهلية للخوض في مسائل علمية لا يملكون آلتها العلمية ،ولكنه رفض للحجر على العامة ان يوضحوا فهمهم للدين ليحاجهم غيرهم سواء كانوا علماء أو عامة من أمثالهم. فنحن اليوم نخوض في علوم أهل الاختصاص الطبية والهندسية وغيرها بما يتيسر لنا من فهم بغير نكير . وليس هنالك من جلاوزة يردون الناس عن فهمِ في تلكم العلوم التى اتسعت وسائط العلم بها وانتشرت الثقافة العامة المتصلة بها . ومحاولة اخراج علوم الدين من متناول العامة بدعوى أن القول فيها قول بغير علم محاولة مردودة .فإنما العلم بالتعلم وبعض طرق التعلم هي القول للاجازة أو القول على سبيل الاستيضاح . وأما أن تنشأ طائفة مخصوصة لا تلبث ان تتحول إلى سلطة دينية تحتكر تفسير الدين وتوضيح مسائله ،فذلكم مفارق لمعنى ان كل انسان يتعبد لله بفكره وباستقامته وعمله وبدعوته لما يراه الحق . ولا يكون الدين شاملاً إلا بذلك ولا يكون مقتضى التوحيد الأكمل إلا كذلك .

نواصل ،،،

د. أمين حسن عمر


‫5 تعليقات

  1. Get over it ….you idiot.
    What kind of statemen he made you into?.
    Disgrace”
    Your pound is 13000 of it to the dollar.
    Forget about your dead sheikh and rescue the haemorrhaging Sudan

  2. الزول ده ماعندو موضوع ، الترابى ده مش ياهو الترابى ذاتو 4 و 5 و 20ذاتو

  3. اقسم بالله العلى العظيم الترابى لم يفد السودان لا فى الدين و لا فى الدنيا بل الماساة التى يعيشها السودان الان بسبب الترابى . الرجل خلق عداء للسودان و السودان لليوم و للغد يدفع الثمن غاليا . صورت له نفسه الامارة بالسوء ان يستطيع ان يناطح الغرب و امريكا خصوصا – الامركان ليكم تدربنا – جعل من السودان ضيعة خاصة به جمع فيه كل المغضوب عليهم من العالم ما جعل السودان موصوم بالارهاب وهو منه برى . و الان ندفع الثمن حصارا و تجويعا و عزلة و دعما للحركات المتمردة و حربا ضروس فى الاطراف . فكنا من الترابى قال و الترابى سوا الان هو بين يدى الله و نسال الله لهم المغفرة ؟