الراجل يفتشني .. !!

* يتخيل بعض المسؤولين وأسرهم أنهم يتدثرون بحصانات افتراضية لا ينص عليها القانون، تعطيها لهم الوظيفة الحكومية الرفيعة، فيطأون بأرجلهم الغليظة فوق أي قانون، ويرفضون الانصياع للتعليمات الرسمية!!
* أحد النماذج ما كشفته زيارة وفد برلماني الى مطار الخرطوم أول أمس عن رفض الكثير من المسؤولين وأسرهم الخضوع للتفتيش الجمركي متدثرين بوظائفهم رغم أنها لا تعطيهم الحق في الامتناع عن الخضوع للتفتيش الجمركي عند مغادرة أو الوصول الى البلاد، الشخصان الوحيدان اللذان يحميهما القانون السوداني من التفتيش هما رئيس الجمهورية ورئيس القضاء، ما عدا ذلك فالجميع يجب أن يخضع للتفتيش إذا أمر ضابط الجمارك بذلك، إلا أن زيارة الوفد البرلماني للمطار كشفت غير ذلك!!
* العقيد شرطة عمر عبد الله بريمة بجمارك مطار الخرطوم، اشتكى للوفد من زيادة أعداد المسؤولين المعترضين على تفتيش أمتعتهم الشخصية، خاصة في صالتي المغادرة وكبار الشخصيات وقال: “ناس كتار بقولوا ليك ما بنتفتش ودا بعمل لينا مشاكل”، واستدل على شكواه برفض مسؤول حكومي للتفتيش قبل بضعة أيام، وبحادثة حرم الوزير التي رفضت التفتيش في وقت سابق.
* وتقول زميلتنا (سارة تاج السر) في خبر نشرته صحيفتنا أول أمس، إن مصادر بالمطار أكدت لها أن الضابط الذي أصر على تفتيش المسؤول تم نقله من صالة كبار الشخصيات إلى السفريات الداخلية، فيما اشتكى العقيد بريمة من عدم تحديد السلطة المسؤولة عن الدخول والخروج بالمطار، وشكا من معاناة الجمارك في تفتيش المسؤولين، وقال مخاطباً النواب “إنتو عين الشعب على الجهاز التنفيذي وإذا شغلنا ما مضبوط ما تجاملونا”، كما أكد مدير إدارة الصالات بمطار الخرطوم إبراهيم أحمد محمد الطاهر، اتباع إدارة المطار وسائل لمراقبة وتفتيش العاملين، وقال: أنا شخصياً يتم تفتيشي من أفراد الأمن والجمارك ولا يوجد أحد مستثنى من تلك الإجراءات”.
* هذه الشكوى الصريحة الجريئة، لا يمكن أن تصدر عن موظف حكومي وضابط ينتمي لجهاز الشرطة ضد نافذين في الدولة إلا إذا كان يشعر بمرارة حقيقية ناجمة عن كثرة الذين يرفضون الخضوع للتفتيش الجمركي في مطار الخرطوم من المسؤولين الحكوميين وأسرهم، لدرجة أنها أصبحت ظاهرة جعلته يشتكي للوفد البرلماني منها، بل يناشد البرلمان بالتدخل لإيقافها، وهي إن دلت على شئ إنما تدل على أن القانون لم يعد قادراً على فرض نفسه على البعض، لدرجة أن ضابط شرطة برتبة (عقيد) لا يستطيع أن يطبق القانون، ويلجأ للشكوى للبرلمان ليمكنه من ممارسة العمل الذي أوكل اليه ويأخذ مقابله الأجر المخصص له، بل، وكما أوردت الزميلة سارة، فإن الضابط الذي أصر على تفتيش مسؤول حكومي عوقب بالنقل، على تصرفه الصحيح، من صالة كبار الشخصيات الى السفريات الداخلية!!
* كل هذا، سواء الاعتداء على الأطباء بواسطة منسوبي القوات النظامية اعتماداً على الحصانة القانونية التي تحدثنا عنها أمس، أو رفض الخضوع للتفتيش الجمركي اعتماداً على الحصانة التخيلية التي يتوهم البعض أن الوظيفة الحكومية الرفيعة تمنحها لهم، وغيرها من الممارسات التي تنتهك القانون، والمعاناة التي يجدها من يحاولون تطبيق القانون والظلم الذي يتعرضون له، يؤكد أن القانون لم يعد هو الأساس في التعامل مع المواطنين، وإنما شئ آخر يجعل القانون حماراً يركبه البعض، وحذاءً يُضرب به الآخرون في بلادنا.. بينما يغط العدل في سبات عميق!!

Exit mobile version