جمال علي حسن

ملاحظات على مقال جبريل حول الاستفتاء


تقرأ المقال القصير أو ذلك الرأي الذي كتبه الدكتور جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة حول استفتاء دارفور، تختلف أو تتفق معه لكنك تشعر أن هذا المثقف الدارفوري لو لم يكن خاضعاً لتأثير وأجواء العمل المسلح ومواجهة الدولة بالبندقية فهو يمتلك قدرة على التعبير عن رأيه ورؤيته بشكل موضوعي وهادئ مع استيعابنا لبعض الفظاظة الطبيعية في مفردات مقاله بحكم وضعه كقائد لحركة مسلحة يصر من خلالها على خيارات العنف والرصاص التي تصادر من قلمه وعقله كل هذا الهدوء الذي ظهرت ملامحه في مقال غير صارخ وغير منعدم المنطق بالكامل.. بل به شيء من الموضوعية ولمسة من روح الحوار الموضوعي الذي يبدو أنه يضعه تحت الإقامة الجبرية المحروسة بالبنادق .
شعرت أن القلم والحوار هما مفردة دكتور جبريل إبراهيم الأنسب مع سيرته كخبير إداري وأستاذ جامعي سابق لكنه اختار لغة الأحراش وارتكاب خطيئة التمرد المسلح ..
نعم هو لم يطرح أسباباً مقنعة بالنسبة لنا في تبريره لموقفهم من الاستفتاء ودعوتهم لمقاطعته، لكنه عبر عن رؤية محددة طرحها بشكل يجعلها قابلة للأخذ والرد فيها والتعامل معها كرؤية مطروحة بعد التغاضي عن بعض العبارات والألفاظ المشحونة بالغضب المخل .
جبريل إبراهيم قدم تسعة أسباب لمناهضتهم لاستفتاء دارفور الذي لو لم تقم به الحكومة لوضع جبريل نفسه عشرة أسباب أخرى لتأكيد عدم وفاء الحكومة بالتزاماتها واتفاقياتها مع الآخرين.. بمعنى أن الحكومة نفسها تجري هذا الاستفتاء ليس برغبة أصيلة من جانبها لكنها ألزمت نفسها به .
وعلى كل حال يرى جبريل (أن هذا الاستفتاء سيؤدي الى تقسيم دارفور وضرب وحدتها باعتبارها كياناً حضارياً له تاريخ وإرث وانتماء مشترك) ولا أدري ماذا تستفيد الحكومة من جعل دارفور بؤرة لصراعات داخلية فيما بينها.. أليس من مصلحة الحكومة نفسها احتواء الصراعات الداخلية في دارفور والتي يعني وجودها عدم توفر الأمن والاستقرار وبالتالي يعني فشل الحكومة في تهدئة وتسوية الصراعات في دارفور سواء أكانت صراعات قبلية بين أهلها أو بينهم وبين الجيش..؟ لماذا لا يفترض جبريل أن الحكومة تتفادى خيار الإقليم الواحد لتوفير فرصة لأهل دارفور بأن يحكموا نفسهم بنفسهم بجانب منع تمييز دارفور إدارياً عن النظام الإداري المطبق في بقية أجزاء السودان تفادياً لأن يكون ذلك محفزاً لنزعات الاستقلال عن الدولة والإصرار على تكوين دولة أفريقية فاشلة جديدة .
ويرى جبريل أيضاً أن محاولات (التجزئة القسرية) كما وصفها – ويعني الولايات الخمس – ستؤدي إلى وحدة متطرّفة تدعو إلى الانفصال.. وهذا حديث خيالي جداً وغير واقعي لأنه لا قسرية مع الاستفتاء .
جبريل كذلك يطرح سؤالاً يقول: إذا كان تقسيم السودان إدارياً الى ولايات لم يتم باستفتاء فلماذا تكون العودة لخيار الإقليم باستفتاء؟.. والإجابة في تقديري أن تحديد الشكل الإداري للحكم لا يحتاج في الأصل الى استفتاء عام للمواطنين كما أن السودان لا يزال يطبق نظام الولايات وليس الأقاليم لكن وجود مطالبات باستثناء دارفور عن هذا النظام هو الذي استدعى إجراء هذا الاستفتاء حسب الاتفاق .
دكتور جبريل ليست دارفور وحدها هي الكيان الحضاري الذي له تاريخ وإرث في السودان فكل أجزاء السودان لها تاريخها وإرثها القديم.. فلماذا لم تتسبب عملية التقسيم الإداري في شمال السودان في إنتاج أية صراعات إثنية أو قبلية؟.. ولماذا لم يحدث ذلك في ولايات وسط السودان وشرقه؟ ..
قضية دارفور تطورت وتأزمت ليس بسبب الشكل الإداري للحكم ولكن لأسباب كثيرة جداً أهمها وأبرزها تلك البندقية التي تحتفظ بها بجوارك الآن.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.